Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثالث النّور يضيء في حلقة الرسل معلناً صميم مجده الإلهي (الاصحاح ١١: ٥٥- ١٧: ٢٦)٠
١- الثابت في المسيح آت بثمار كثيرة (١٥: ١- ٨)٠
٢- سلام المسيح الوداعي (١٤: ٢٥- ٣١)٠
١ أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. ٢ كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ, وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ٠
نزل يسوع مع تلاميذه بعد العشاء الربّاني مِن الجبل القدسي، ماراً مِن باب الأسوار الضخمة الّتي في وادي قدرون. وصاعداً بعدئذ نحو جبل الزيتون، بين البساتين وكروم العنب. وفيما هم في الطريق وضّح يسوع لتلاميذه، معنى إيمانهم وغاية محبّتهم بواسطة كرمة مروا بها أثناء سربهم. وقد سمّى يسوع الله الكرام، الّذي غرس في دنيانا كروما عديدة. أحدها شعب العهد القديم. كما نقرأ في المزمور ٨٠: ٩- ١٥ وأشعياء ٥: ١- ٧. فامتعض الله مِن هذه الكرمة، لأنّها لم تأت بثمر غزير. فغرس الله شتلة جديدة في الأرض، ابنه المولود مِن الرّوح القدس، لكي يكون هو الكرمة الحقيقية، ويأتي بجنس جديد وجيل طاهر مطهور يفيضون بثمار روحية كثيرة. فالموضوع الّذي دلّ يسوع تلاميذه عليه، كان ثمار الرّوح القدس في الإنسان ثماراً كريمة وفضائل برّاقة. فانّه علم انّ كلّ أنواع تعاليم الإنسانية خدّاع، وإنّ الإنسان يسكنه في داخله حيوان، ينتظر مَن يوقظه ويثيره، فيدوس الآخرين، ويجرحهم ويفترسهم. هكذا قال يسوع مِن أوّل مرحلة في تعليمه، انه هو لوحده الّذي يأتي بالثمار المرضية أمام الله. وقوته تعظم في الضعفاء. إنّ المسيح هو صانع السلام وباني كنيسته٠
فأظهر المسيح أوّلاً الناحية السلبية، انّ الّذي لا يفتح نفسه لدوافع محبّته الرّوحية ولا يريد أن يأتي بثمار الرّوح القدس، ويمتنع عن عمل قوّة الله في ضميره ويرفض جريان العصارة اللذيذة مِن الكرمة إليه، فانّ الآب يقطعه مِن الكرمة كغصن لا خير فيه. فان لم يجد الله فيك ثمار الإنجيل البتّة، أو لم يسبب موت المسيح وقيامته فيك تأثيراً ونتيجة، فانّه ينزعك مِن ابنه نزعاً. ولكن حالما يرى أن عصير الرّوح القدس ينشيء فيك علامات النمو، كالغصن في الكرمة، فيورق وينشيء أطرافاً متمسكة وتبدأ بالاثمار، فيأتي عند ذلك الكرّام بسكينته، ويقصّ الأطراف الغير النافعة منك، لكي تأتي بثمر أكثر. علماً انّ هذه الثمار ليست ثمارك بل ثمار يسوع فيك، كما انّ الأوراق والعلّيقات والثمار مِن الكرمة وليس مِن الغصن بتاتاً. فنحن باطلون وهو الكلّ بالكلّ. وهل تعرف انّ الكرمة الطبيعية تحتاج في كلّ فصل خريف ان تقطع وتشذّب كثيراً، لتأتي في السنة القادمة بثمار وفيرة؟ وهكذا ينبغي على الله ان يقصّ فيك كلّ التطوّرات الطبيعية البشريّة، لكي تنتهي معانداتك، وتموت عن خطاياك، لتتبلور قوّة المسيح فيك إلى النضوج. وللرب طرق عديدة ليخلّصك مِن ذاتك. فالحوادث والفشل والأمراض والأمور المتعدّدة، تهاجمك لكي تنكسر. فلا تعيش مِن ذاتك بل مِن ربّك وتصبح إنسان المحبّة مِن قدرته العظيمة٠
٣ أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. ٤ اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ, كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ٠
إنّ المسيح يمنحك تعزية ملكية. لا ينزعنا الله مِن الكرمة السماوية لأجل نجاساتنا الطبيعية وخطايانا المتعدّدة، لأن المسيح منح لكلّ واحد مِن اتباعه تطهيراً مبدئيّاً، اغدقه عليه في بداية إيمانه. فلا نقول: لعلّنا سنطهّر في المستقبل بطقوسنا وأنواع تعبداتنا، بل قد تطهّرنا في الماضي، عند سماع وقبول إنجيل المسيح. هو الّذي غفر خطايانا مرّة إلى الأبد، وقدّسنا على الصليب كاملاً. فالإنجيل ممتليء بقوّة التطهير. لذلك فليست مجهوداتنا ولا آلامنا ولا نضوجنا في الشيخوخة يطهّرنا، بل كلمة الله وحدها. وكما انّ الخالق خلق في البدء العالم مِن كلمته القوية، هكذا يخلق المسيح فينا طهارة جديدة إن انفتحنا لكلمته. فليس سرّ المعمودية ولا العشاء الربّاني وحده يطهّرنا، بل الإيمان بكلمة يسوع وتعمّقنا المستمرّ فيها. فنقترح أن تقرأ يوميّاً في الكتاب المقدّس ولو قليلاً. وان أمكن، فليكن ذلك في وقت معين وبنظام. وإلاّ فانّك تغذيتك الرّوحية المستمرّة تزول حتماً٠
وابتدأ يسوع أن يركّز في عقولنا كلمة واحدة، فنبني عليها نضوجنا واتياننا بالثمار الرّوحية، ألا وهي الثبات. وهذه العبارة تأتي في الآيات الحادية عشرة مِن الاصحاح الخامس عشر احدى عشرة مرّة. حتّى انّ كلّ المعاني التالية، تركّزت على كلمة الثبات في المسيح. فلنا الامتياز أن نثبت في يسوع ونكون فيه. لقد طمعنا نحن النجسين في نفسه القدسية، لنتغيّر بقداسته. فقواه وعصائره تجري فينا. وهو يؤكّد لنا بكلّ وضوح، ان ليس إنسان يستطيع ان يأتي بثمر واحد مِن الرّوح القدس تلقائيّاً. الكلّ يصدر مِن يسوع. فعلينا الثبات فيه. وإلاّ فإذا انفصلنا عنه، فانّ جريان قوّة محبته تنتهي فينا. وإن قطع غصن مِن الكرمة ولو للحظة واحدة فانّه يجفّ وييبس. ما أبشع الصورة لكنيسة يابسة ميتة. فمِن أهم الطلبات في صلوات المؤمن. طلبه مِن المسيح الثبات، لكي يعمل الربّ فيه باستمرار نمواً وثماراً وتحركاً، ويحفظه باسمه ليلاً نهاراً. وهذا الثبات ليس منا، إنّما هو نعمة وثمار الرّوح، لأنّه لا يستطيع أحد أن يثبت نفسه مِن نفسه في المسيح. لكنّنا نستطيع الشكر لهذه الهبة. ونطلب إليه أن يديمنا فيه ويثبت الآخرين٠
الصّلاة: أيّها الربّ يسوع المسيح، أنت كرمة الله المقدّسة في تربة أرضنا. منك تأتينا كلّ الفضائل الصالحة، لأن قلوبنا ينابيع كلّ الشرور. ونشكرك لأنك طهّرتنا بواسطة كلمات إنجيلك. احفظنا في اسمك، لكي تأتي قوّة روحك فينا بثمار محبّتك باستمرار. فانّنا بدونك لا نقدر على أن نفعل شيئاً. ولا يستطيع أحد أن ينزعنا مِن حياتك. ثبت كثيرين مِن أخوتنا، لكيلا يعيشوا في ضعف أخلاقهم بل يثبتون فيك. آمين٠
السؤال: ١٩- كيف يكون يسوع الكرمة الحقيقية؟