Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثالث النّور يضيء في حلقة الرسل معلناً صميم مجده الإلهي (الاصحاح ١١: ٥٥- ١٧: ٢٦)٠
ثانيّاً: الحوادث بعد العشاء الربّاني ( ١٣: ١- ٣٨)٠
٢- سلام المسيح الوداعي (١٤: ٢٥- ٣١)٠
٢٥ بِهَذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. ٢٦ وَأَمَّا الْمُعَزِّي, الرُّوحُ الْقُدُسُ, الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي, فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ, وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ٠
مَن يتجاسر على القول انّه قد فهم كلّ أقوال المسيح؟ ومَن قدر على حفظ كلماته كلّها ونفذها بدّقة؟ إنّ التلاميذ المضطربين في عشية العشاء الربّاني، فكّروا بمكر الخائن وما عساه يفعل، وهدف يسوع بتركهم. فما استطاعوا أن يحفظوا كثيراً مِن كلماته الوداعية. الاّ يوحنّا الفتى الطري العود، الّذي وثق بحماية المسيح حتّى ولو تركه. تعزّى يسوع عن النسيان في تلاميذه، عالماً أن روح الحقّ سيحلّ فيهم ويدعوهم وينيرهم ويجدّدهم كما بشرّهم مشجّعاً. فالرّوح القدس يكمل عمل يسوع بنفس المعنى ونفس الهدف. وهذا الرّوح هو محامي الضعفاء. ولم يختر يسوع عباقرة أو متعلّمين بطرق الفلسفة أو البلاغة، بل دعا صيادي السمك، وأحد الجباة وخطاة آخرين، ليخزي بنعمة الله في البسطاء كلّ علوّ وعلم في العالم المتكبّر. فالآب في رحمته أرسل روح المسيح على الغير قادرين والشرسين، لكي يصبحوا أولاده موهوبين بحكمة تواضعه، منكرين أنفسهم عائشين في البِرّ٠
ولم يؤلّف يسوع كتاباً مشجّعاً شعريّاً، ولم يمل إنجيله على إنسان قد يضيع الأوراق أو ينسى، إنّما وثق بروح الحقّ كلّ الثقة، انّه يعلّم تلاميذه وينيرهم ويرشدهم ويذكّرهم ويثبتهم في جميع ما قاله لهم سابقاً. وحقّاً فالإنجيل هو مِن أعمال الرّوح القدس العظمى، وما زال حتّى اليوم. وقد استودع يسوع خلاص العالم، إلى عربة اللغة الإنسانية الحقيرة، وإلى ذاكرة التلاميذ المخرقة كثيراً. ولكن الرّوح المنير ذكّرهم، وعلّمهم وثبتّهم في كلمات يسوع، حتّى يمجّد الرّوح القدس الابن بواسطة شهادات الرسل. وليس لنا كتاب آخر إلا كلمات رسل المسيح الّذين قدّموا للعالم بكلّ تواضعهم معرفتهم وإيمانهم. ولم يضيفوا أيّ شيء شخصي على كلمات يسوع. وبشارتهم لم تكن خبراً جافاً تنتهي حداثتها مع العصور، بل انّ الرّوح القدس يجدد في هذه القصص حيويتها باستمرار حتّى يومنا هذا. فان قرأنا الإنجيل فكأنّنا نقرأ أحداثه حادثة في أيامنا. وان سمعنا كلام المسيح فكأنه يلامس بصوته آذاننا. ومَن زعم أنّ التلاميذ اخترعوا أو حرّفوا الإنجيل الأصلي تحريفاً، فانّه لا يعرف روح الحقّ البتّة، لأنّه ليس في الرّوح القدس أي كذب، بل هو الحقّ والمحبّة٠
٢٧ سَلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ٠
قدّم يسوع لتلاميذه السلام في نهاية خطابه الوداعي الأوّل، سلاماً يفوق كلّ التسليمات البشريّة. لقد مضى يسوع، ولكنّه ترك سلامه مهيمناً على اجتماعاتهم وقوّة في قلوبهم. ولم يتكلّم يسوع عن السلام المزيف كجرائد دنيانا، لأنّه عرف انّه ينبغي أن تأتي حروب، لأنّ البشر عائشون بدون الله. وغضبه واقع على كلّ فجور النّاس واثمهم. فيسوع يتكلّم عن سلام آخر. السلام في الضمير، الناشيء مِن غفران الخطايا والنابع مِن المصالحة مع الله. والمتحقّق في التسامح المتبادل، والحاضر في سلام الكنيسة. إنّ سلام المسيح هو الرّوح القدس القوّة الأزلية اللازائلة، لأنّه صادر مِن الله وهو ثابت فيه وراجع إليه٠
يعمّ في العالم الكذب والبغضة والاغتصاب والمكر والخداع والقتل والحسد والبخل والنجاسة والدعارة. وأمّا يسوع فيأمرنا بألا نسمح لكلّ هذه الأمواج الشيطانية أن تهزّنا أو تزعزعنا. ويمكن أن تتعالى الأمواج كأنها تبتلعنا. فهذه هي العادة. لأن الشرّير هو رئيس عالمنا. ولكن في المحبوب يسوع يعمّ السلام. فانه يمنعنا مِن كلّ أنواع التشاؤم واليأس. ويحرّرنا مِن اضطراب القلب وخوف الموت، لأنّ المؤمن بالمسيح يسكن في الله والله فيه. هل ينطبق هذا القول عليك أيضاً؟ إنّ يسوع كان نائماً في السفينة وسط هيجان الأمواج. وكلّ مَن بالسفينة يئس عند امتلائها ماء. فقام عندئذ يسوع وانتهر العاصفة وهدأها. وقال لتلاميذه: يا قليلي الإيمان لماذا تخافون؟
٢٨ سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ, لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. ٢٩ وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ, حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. ٣٠ لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً, لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. ٣١ وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ, وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا٠
كان التلاميذ مضطربين في صميم قلوبهم، لأنّ ربّهم كرّر القول، انه سيتركهم وودّعهم رسميّاً. فالفراق اقترب. نعم لقد اثبت يسوع ذهابه مرّة أخرى. ولكن أكّد لهم بنفس الوقت رجوعه. وقال افرحوا. انّي أترككم لأنّي ذاهب إلى الآب. افرحوا لأجل رجوعي إلى وطني الأصلي. لا أضع عليكم شيئاً مِن آلام الصليب، وأحرّركم مِن خوف القبر٠
إنّما كلامي إليكم هو عن وحدتكم مع الآب. لو احببتموني لفرحتم برجوعي إلى السماء. إنّما لا شكّ انّ عليّ تمجيد الآب بموتي وقيامتي. فانّي اعتبره أعظم منّي، وأحبّه مِن صميم فؤادي. ولكنّ محبّتي لكم لا تنتهي أيضاً. وأنا آتي إليكم في روح أبي حقّاً. وصور يسوع للتلاميذ الآب كبيراً، ليدركوه ويتعلّقوا بالآب مباشرة، ويستعدّوا للانفصال عن معلّمهم، الّذي صار على قاب قوسين أو أدنى. فأراد المسيح بحدوث هذه الواقعة، أن يتذكر التلاميذ انّ الله ليس ضدّه، بل انّ يسوع ذاهب إليه مباشرة. فالسلام بين المسيح وأبيه أزلي. لذلك فالآب سيجذبه بعد موته إليه٠
والكفاح الجوهري كان ما يزال أمام يسوع. فأقبل الشيطان إليه، ليجرّبه في ساعات صلبه، لينتهي إيمانه ومحبّته ورجاؤه، ويسقط المصلوب إلى خطيئة الكفر والبغضة واليأس، وهكذا تبطل تضحيته والصليب معاً. لكنّ الابن كان قد مات لفخره ولحساسيته، وأكرم الآب وحده واتّضع جداً، وأحبّ مصدره بكلّ أفكاره وقواه وإرادته. إنّ يسوع وحده أكمل الوصيّة الأساسية في العهدين القديم والجديد. أمّا تلاميذه فأحبّوا ذواتهم وخافوا لأجل ضمانتهم، ولم يفهموا طرق الله٠
فعلم يسوع ألاّ فائدة مِن التكلّم الزائد. فقام ليعمل ما أمره الآب أي فداء العالم على الصليب، ليحلّ في تلاميذه روح الحقّ. ولكنّ هذا الفداء لم يخصّ التلاميذ فقط، بل العالم أجمع. فأراد يسوع أن يدرك كلّ إنسان محبّته لله الغير المحدودة. لأنّ هذه المحبّة هي الدافع للخلاص وسرّ الكون. فترك يسوع مع اتباعه الأمناء غرفة قطع العهد الجديد. وخرج معهم إلى الليلة الدامسة، نازلاً وعابراً وادي قدرون. وماشيّاً إلى جبل الزيتون نحو جنينة جثسسيماني حيث تربّص الخائن٠
الصّلاة: نشكرك أيّها الرّبّ يسوع لأجل سلامك. قد طهّرت قلوبنا وأحييتنا. اغفر لنا كلّ نوع مِن اضطراب وهموم وخوف ويأس في أمواج البغضة والحروب والجوع والفساد. نشكرك لأنّك أرسلت إلينا روحك القدّوس لنثبت في سلامك. ونطلب إليك انّ هذا الرّوح المعزّي يذكّرنا في ساعات التجربة بكلماتك القوّية، لكيلا نقع في خطيئة عدم الإيمان ولا في كفر اليأس، بل ننظر إليك مصلين بالرجاء وصابرين في سرور. ونشكرك إن جعلت طريقنا عودة إلى الآب. ونسجد لك يا حمل الله القدّوس، لأنّك أعدّدت لنا منازل في بيت أبيك٠
السؤال: ١٨- ما هو سلام يسوع؟