Previous Lesson -- Next Lesson
٦- عظة بطرس في عيد العنصرة (٣: ١٤ - ٣٦)٠
أعمال ٢٢:٢-٢٣
'٢٢ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ, يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ, كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ. ٢٣ هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللَّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ, وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ٠
إنّ الرّوح القدس لا يبرز ذاته بل يمجّد المسيح؛ والله ليس أنانيّاً بل هو محبّة، وكلّ أقنوم فيه يُحبُّ الآخر ويَدلُّنا على الآخَر فالابن يُعظِّم الآب، والرّوح القدس يمجّد الابن، كما أنّ الابن ترك للرُّوح تنفيذ الخلاص، مثلما دفع الآب لابنه كلّ السُّلطان في السّماء وعلى الأرض. فَمَن يُرِدْ معرفة الله فعليه أن يتأمّل المحبّة الّّتي بين الآب والابن والرّوح القدس، لأنّ الله ليس إلاّ محبّة، وبالمحبّة تثبت وحدته٠
لم يتكلّم بطرس بإرشاد الرّوح القدس طويلاً عن حقيقة انسكاب الرّوح المبارك، بل حوّل شهادته سريعاً إلى شخص يسوع المسيح المصلوب والمُقام مِن بين الأموات؛ فصورة الرّبّ المضحّي وانتظاره على القبر مَلأَا الشعور الباطني للتلاميذ؛ فلقد صلّوا وتأمَّلوا هذه الأمور، وبحثوا النُّبوَّة ووجدوا توضيحاً بيِّناً، فرسم بطرس يسوع الناصري أمام أعين مستمعيه، ليدركوا سبب انسكاب الرّوح القدس وغاية مجيئه٠
أدرك المتكلّم في أعماق قلبه، كيف عارض الرّوح القدس خطيئة اليهود الّذين رفضوا يسوع وقتلوه، فلم يستطع بطرس أن يعزّي المستمعين بكلمات جميلة وبركات موعودة، بل كان عليه أن يعلن أنّهم قتلة مجرمون ولكنّه لم يقل هذا لهم بعنف وخشونة، بل وضّح خطيئتهم تدريجيّاً، وفي لغة المحبّة أرشدهم لمعرفة جرمهم كاملاً. ونلاحظ أنّه في مستهلّ خطابه لم يستعمل لقب "المسيح" أو "ابن الله" ليسوع، بل سمَّاه رجل الله، ليستمرّ اليهود في الإِصغاء إليه، ولا يفور دمهم ضدّه سريعاً٠
فتنفّس بطرس مليّاً، وطلب للمرّة الثانية أثناء عظته الاستماع الدقيق والفهم الحقّ، وقال كلّكم تعرفون يسوع الناصري، وهذا الرجل كان مؤيّداً مِن الله بآيات وأعاجيب، أكثر مِن أيّ نبّي قبله أو بعده، فأقام الأموات، وأخرج الشياطين، وغفر الذنوب، وأشبع خمسة آلاف جائع بأرغفة خمسة، وأسكت العاصفة؛ فهذه الخوارق ليست أعمال إنسان، بل عمل الله؛ فالإنسان يسوع كان في انسجام كامل مع إرادة العلي، حتّى إِنَّ القادر على كلّ شيء عمل به وحضر فيه، وهكذا ابتدأت قوّة السَّماوات تنتشر على الأرض؛ فلم يعمل المسيح مستقلاً منفرداً منفصلاً عن الله أبيه، بل كان واحداً معه، حتّى نفّذ القدّوس مشيئته بواسطته إلى التَّمام، كما قال يسوع "طعامي أن أعمل مشيئة الّذي أرسلني وأُتمم عمله". والغريب أنّ شعب اليهود رفضوا حامل سلطان الله هذا؛ ولم يقل بطرس إِنّ رؤساء الكهنة أو أعضاء المجمع الأعلى هم المسؤولون عن رفض يسوع، بل المستمعون هم المخطئون، لأنّهم خافوا مِن رؤسائهم، فابتعدوا عن يسوع الناصري رويداً رويداً، ولم يدافعوا عنه، بل منهم مَن شارك بالصّراخ: اصلبه اصلبه! فطعن بطرس بجرأة الرّوح القدس قلوبهم، وقال أنتم الّذين قتلتم هذا المفوّض مِن الله، ليس بالرجم العادي، بل بتسليمه إلى الرومان الوثنيين، وصلبتموه بواسطتهم؛ وهذا يعني عاراً مزدوجاً. ولم يكلّم بطرس مستمعيه عن السرقة والكذب أو النّجاسة، بل أبرز موقفهم تجاه يسوع، كأعداء لله، ثائرين مبغضين عمياناً جهلاء. فعظة بطرس هذه تعني إدانة الرّوح القدس، لأنّ هذا الرّوح قدّوس، يدين كلّ إثم، ويكشف موقفنا مِن الله في الثّورة والعداوة٠
أمّا الله فلم يخسر المعركة، رغم صلب المسيح، بل أتمّ في عمله المسبق خلاصه، ورغم الجريمة الشنعاء أعلن محبّته كاملة، فلا يستطيع إنسان أن يعطّل خطّة الله. والقدّوس عزم أن يفدي العالم، عالماً أنّ هذا لا يَتمُّ إلاَّ بذبيحة ابنه بأيدي الأثمة الثائرين؛ فالصّليب هو النصرة لعلم الله المسبق وحكم محبّته الفائقة الادراك للعالم، ولكنّ تعيين الله السابق هذا لا يعني تسامحاً مع اليهود، لأنّ الرّوح القدس قال بواسطة بطرس بكلّ حدّة، أنتم القتلة المجرمون أعداء الله. فما أعظم الفارق بين أوّل الحديث وآخره! فقد وقف الرُّسل في أعظم فرح الرّوح القدس أولاً، وفاضت منهم التَّسابيح وآيات الشُّكر ثُمَّ دان الرّوح القدس قلوب المستمعين بشدّة، لأنّ محبّة الله ليست ليِّنةً أو سطحيَّةً، بل قدّوسة وحقّة٠
الصلاة: أيّها الآب القدّوس، نشكرك لأنّك بذلت ابنك الوحيد لأجلنا في العار والموت. نحن قتلناه بخبثنا وعنادنا. اغفر لنا ذنوبنا، وقدّسنا تقديساً تامّاً بروح محبّتك المسرّة٠
السؤال: ١٢. لماذا كان على بطرس أن يقول لليهود إِنَّهم قتلة يسوع؟