Previous Lesson -- Next Lesson
٦- عظة بطرس في عيد العنصرة (٣: ١٤ - ٣٦)٠
أعمال ١٤:٢-٢١
١٤ فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ, أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ, لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي, ١٥ لأَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ, لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. ١٦ بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. ١٧ يَقُولُ اللَّهُ, وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ, فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ, وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. ١٨ وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. ١٩ وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ, دَماً وَنَاراً وَبُخَارَ دُخَانٍ. ٢٠ تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ, قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ. ٢١ وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ٠
التكلّم بالألسنة مهمّ. ولكنّ التَّنبُّؤ أهم مِنه، فالتّكلُّم بألسنة هو موهبة مِن الرّوح القدس، به يتّجه الإنسان كُلِّياً نحو الله شاكراً وحامداً ومصلِّياً، وهو عادة لا يفهم معنى كلماته الخاصّة أَمَّا التَّنبؤ الحقّ فهو الّذي يخترق قلوب المستمعين وعقولهم ويوقفهم في حضور الله٠
بعدما سمع اليهود المتعجّبون الرُّسلَ المسبِّحين بألسنة الفرح والحمد، أصابتهم عظة الرّوح القدس على لسان بطرس فاخترقت أحشاءهم، لأنّ الرسول شهد لهم بكلّ وضوح، أَنَّ روح الله قد حضر جليّاً وبيّن سبب مجيئه وغايته. ولم يقف بطرس أمام الجمهور منفرداً، ليتشدّق ببلاغة ويَسحر المستمعين، بل تقدّم الرسل الاثنا عشر معاً، وكانوا كفرقة المصلّين حول المتكلّم. وربّما شعر بطرس بالصعوبة، أن يتكلّم إلى الجمع بدون استعداد، ولكنّ روح الحقّ هدّأ أفكاره وشجّع قلبه، مع أنّه قبل هذا الموقف بعدّة أيام، عاش هو والتَّلاميذ وراء الأبواب المغلقة، خوفاً مِن اليهود. أمَّا الآن فقد دخلت قوّة الله فيهم، وأطلقت ألسنتهم، فأصابت كلمة الرّوح القدس القلوب وتكلَّم الله بواسطة رسله. لم يتدحرج بطرس بغيبوبة أمام المستمعين بل وقف قدّامهم متكلّماً هادئاً بوقار٠
وردّ بطرس أوَّلاً على المستهزئين بقوله الموجز أنّه في مثل هذه المدينة التقيّة يستحيل أن يسكر إنسان في التَّاسعة صباحاً، لأنّ الجيران لا يتحمّلون ذلك، وفوق هذا يتعرّض السِّكّير للعقاب الصارم.وبعد ذلك التفت صياد النّاس إلى المنفتحين لتبشيره، وطلب إليهم الاستماع وفتح الأذن، ليستطيع روح الله أن يدخل فيهم؛ وابتدأ بطرس بعدئذٍ بتبشير الجمهور، ليس بتأثير نفساني وعاطفي يُسيل الدموع، ولا بأوامر شديدة لإخضاع إرادة الانسان وتحريكه، بل أتى بالنُّبوَّات مِن العهد القديم مع إتمامها في زمنهم؛ فأوضح بكلمات مِن الكتاب المقدّس حالتهم الّّتي وصلوا إليها، وصرّح بأنّ هذا الوضع الحالي، الّذي هم يشاهدونه مِن انسكاب الرّوح القدس على التلاميذ، ليس إلاّ تحقيق وعد الله وكلمته٠
وهكذا جرؤ مقدام الرسل على النُّطق بالعبارة الشهيرة، هذا هو ما قاله النّبي يوئيل! إِنَّ هذه النبوّة تمت وتحقّقت وصارت ملموسة حاضرة مكشوفة ومسموعة. فإن الرّوح القدس اليوم في العالم، وليس علينا أن ننزله مِن السّماء مرّة أخرى، بل أَنْ نقبله كأولاد يقبلون الهديّة، ونشكر الرّبّ لأجله. هذا الرّوح يقفز مِن كلمات الإنجيل إلى أعيننا كما أنّ العظة عن المسيح تغيّر عقولنا، وتجدّد أفكارنا؛ فليس الصوم أو التقشف وتعذيب الذات بالسلاسل، هو الّذي يجعل أجسادنا ينبوعاً للروح الصالح، بل إِنَّ هذا العنصرَ الإلهيَّ حاضرٌ وينتظر أن نَقبله، ونفتح باب قلوبنا له بلا مشقّات، مؤمنين فرحين حامدين، وفقاً لقول يسوع لرسله: اقبلوا الرّوح القدس.وقد أنبأ النّبي يوئيل منذ القدم، أنّ الرجال والنساء، الشباب والشابات، العبيد والإماء سيحصلون على روح الله؛ فليس اليهود هم المختارون فقط لينالوا الموعد بالمسيح. وهذه النبوّة هي أعجوبة كبرى لليهود، لأنّها تلغي روحيّاً كلّ الفروق بين الرجل والمرأة، الوالدين والأولاد، الأحرار والعبيد، اليهود والأمم، فكلّ البشر يستطيعون اليوم الدخول إلى مسرة الله، وفرح الرّبّ يخيم على الأرض كلّها، ويتحقّق في منكسري القلوب المؤمنين بالمصلوب٠
والله يقول أيضاً بواسطة النّبي يوئيل وبواسطة الرسول بطرس، إِنّ انسكاب هذا الرّوح القدس هو علامة بارزة لأواخر الأيَّام. لقد احتمل الله البشر الأشرار ألوف السِّنين في صبره. أمّا على الصّليب فقد غفر ابن الله الخطايا؛ فاستطاع الرّوح أن يأتي بقوّة وبدون مانع، فَمَن يقبله يتنبأ ويعرف الله ويُسبِّحه، ويعظّم المسيح. ولكنّ مَن لا يقبل روح الله يسقط في الدَّينونة، والدَّينونة لا تأتي فقط يوم الدين، بل هي مبتدئة منذ انسكاب الرّوح القدس الّذي يُحلّ مِن الخطيئة كلّ المشتاقين إلى ربّهم، فَمَن لا ينال الحياة الأبديّة فقد دِين، ولكنّ مَن ينفتح لروح الله يصبح متنبئاً، ويدرك الله، وينمو في معرفة إرادته؛ وأكثر مِن ذلك فالّذي يحلّ فيه الرُّوح القدس، يصبح ابناً لله القدّوس. وبُشرى هذه النّعمة مرفقة بصور مخيفة عن زوال الكون، حيث يدكن جو كرتنا الأرضيّة بواسطة الغازات والغبار، وتسفك أنهر الدماء في حروب عالميّة، وتضعضع الزلازل الأرض، وينفجر الشَّياطينُ كدخان مبيد مِن الهوّة، لِيُجرِّبوا كُلَّ الّذين لم يختموا بروح المسيح٠
عندئذ يأتي يوم الرّبّ والسّاعة الأخيرة، ويظهر المسيح في سحابة منيرة، كبرق في الظلام؛ وعندئذ يتّضح أنّ الأرض اهتزَّت خوفاً مِن الآتي، وجهنّم استعدّت للمعركة الأخيرة ضدّ الله قبل سقوطها؛ فضروريٌّ أن نتيقّن بأنَّ المعرفة والتعليم عن يوم الدين وعلاماته هما مِن أسس العهد الجديد المستيقنة. إنّما الّذي يحمل روح الله في نفسه قد اجتاز السماوات، لأنّه حاملٌ حياة الله في جسده الفاني، ويستطيع أن يصلّي الصّلاة المستجابة، لأنّ الرّوح القدس هو روح الصّلاة، ويضع على لساننا اسم المسيح، لندعو باسمه، ونتضرع الى الله، فيستجيب لنا حتماً، ومَن يُصَلِّ في قوّة الرّوح القدس مرشوشاً بدم المسيح، يَخلُص حالاً، وهذه هي تعزيتنا ويقيننا وضمانتنا في الرّوح القدس، أنّ المسيح سيظهر متانة خلاصه في الدَّينونة الأخيرة حامياً أتباعه في لهيب غضب الله٠
الصلاة: نعظّمك أيّها الرّبّ ونشكرك، لأنّ روحك القدّوس حاضر في عالمنا اليائس، وقد حلّ في قلوبنا المطهَّرة بدمك. فنسجد لك ونعظّمك، لأجل الحياة الأبديَّة، الّّتي منحتنا إياها مجَّاناً بدون أعمال. املأ الكثيرين مِن أصدقائنا بقوَّتك، وافتح آذانهم ليسمعوا صوتك ويعملوا إرادتك بفرح٠
السؤال: ١١. ما هي الأفكار الرئيسية في الجزء الأوّل مِن عظة بطرس؟