Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثالث النّور يضيء في حلقة الرسل معلناً صميم مجده الإلهي (الاصحاح ١١: ٥٥- ١٧: ٢٦)٠
١- الثابت في المسيح آت بثمار كثيرة (١٥: ١- ٨)٠
٥- المسيح يتنبأ بفرح تلاميذه في عيد القيامة (١٦: ١٦- ٢٤)٠
١٦ بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي, ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي, لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ. ١٧ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ, بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ, مَا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا, بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي, وَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ.. ١٨ فَتَسَاءَلُوا, مَا هُوَ هَذَا الْقَلِيلُ الَّذِي يَقُولُ عَنْهُ. لَسْنَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَتَكَلَّمُ. ١٩ فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ, فَقَالَ لَهُمْ, أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ, لأَنِّي قُلْتُ, بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي, ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي٠
تكلّم يسوع مع تلاميذه في هذه العشية ثلاث مرّات عن ذهابه عنهم. فقوله المكرّر كان صدمة لتلاميذه. فلم يفهموا مراده. وفي هذه المرّة الأخيرة أشار لقرب مفارقتهم الّتي أزفّت وشيكاً. ولكنّه وعدهم برجوع سريع أيضاً، قاصداً بهذا قيامته مِن القبر، الّتي تحقّقت في عيد الفصح بعدئذ، لَمّا ظهر لتلاميذه في المجد خارقاً الجدران. أولئك التلاميذ الّذين مِن خوف سكروا الأبواب وأغلقوا الشبابيك، تخفيّاً مِن اليهود. وكان ذلك الظهور ليس لبقائه الطويل معهم بل، وداعيّاً ولوقت وجيز، ريثما ينطلق لأبيه نهائيّاً٠
وعند انباء يسوع بهذه النبوات، أثناء ذهابهم في الليل إلى جبل الزيتون، لم يفهم التلاميذ أقوال المسيح بدقّة. فسابقاً كان قد كلّمهم عن تخطيط ذهابه إلى الآب. والآن ها هوذا يكلّمهم عن الافتراق العملي الوشيك. فهل تكلّم عن الذهاب مرتين؟ فلقد اعترفوا انّهم ليسوا عارفين تخطيطه ولا مقاصد كلماته فعليّاً. كانوا في اضطراب وحيرة، خصوصاً عندما أكّد مفارقته الحالية. فحزنوا لفراقه جداً٠
٢٠ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ, إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ, وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. ٢١ اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ, وَلَكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ, لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. ٢٢ فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ, عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ, وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ. ٢٣ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً٠
قرأ يسوع أفكار تلاميذه، وعرف ما تكلّموا به رغم انّه لم يسمعه. وفي جوابه لهم، لم يهدّيء مِن روعهم ويخفّف وقع حزن فراقه عنهم، بل أكّد لهم أنّ كثيراً مِن الحزن والدموع والنواح سيهزهم عن القريب، كما إذا مات ملك صالح في شعب، فانّهم يحزنزن ويتزعزعون ويفقدون الرجاء. وفي حين تألّم التلاميذ سيفرح الأعداء شامتين٠
ولا يقصد المسيح بأعدائه المجلس الديني اليهودي فقط، بل العالم كلّه. فكلّ النّاس خارج كنيسة المسيح هم العالم الضّال البعيد عن الله والعاصي ضدّ الرّوح القدس. وكما أنّ الأتقياء المتزمتين والحكماء الفلاسفة تهلّلوا لاقتدارهم على ابادة يسوع بدون شغب ضدّهم في الشعب، رغم استقباله ليسوع قبل ذلك باسبوع بمنتهى الحفاوة والتكريم استقبال الملوك، هكذا ستّتحد شعوب العالم في أواخر الزمان ليبيدوا القدّوس الآتي٠
وشهد يسوع لتلاميذه أيضاً، انّهم سيختبرون فرحاً عظيماً. فزمن الدموع والنوح على الميت سيكون قصيراً مشبها المخاض لولادة الأطفال. فالأمهات يعتبرون آلام ولادتهن هينة بجانب الفرح الّذي يحصلن عليه عندما يحملن مواليدهن الأطفال بين أيديهن. فيسوع قارن آلام تلاميذه بمخاضات الأمهات، كأنهم يساعدون بتوجعهم عودته السريعة إليهم ليفرحوا جميعاً، إذ يقوم إنسان جديد فريد في نوعه بجسد روحي مِن بين الأموات في مجد الحياة الأبديّة. فعيد الفصح يعني للتلاميذ فرح اللقاء، بعد النوح على الميت والبكاء. وكما انّ إقامة لعازر حوّلت الحزن إلى السجود، هكذا منحت قيامة المسيح مِن بين الأموات تعزية كبرى وجرأة لأتباعه المؤمنين. فعلموا انه حاضر وحي ولم يفسد في القبر. فليست نهضتهم خاطئة. انّ ابن الله معهم وحياته غلبت الموت. وقد أنبأ المسيح تلاميذه بهذا الفرح مسبقاً في اللحظة الّتي كان يجتاز فيها الطريق مقترباً مِن جنينة الخيانة. فلا شكّ انّ الحزن كبير ولكنّه محدود. أمّا الفرح فأعظم ولا ينتهي إلى الأبد. وبحدوث قيامة المسيح المجيدة في عيد الفصح تلاشت في التلاميذ كلّ التساؤلات منطفئة. فقضيّة الذنب قد انتهت. ومشكلة الموت غلبت. وسلطة الشيطان انكسرت. وغضب الله لم يضغط عليهم بدينونة. وانكارهم وخوفهم وعدم إيمانهم لم يمنع المسيح مِن عودته إليهم ومسامحتهم. وما استطاع اليهود كيداً ضدّهم، لأنّ الربّ حفظهم مِن البعد. فكلّ المسائل والتساؤلات الأساسية في حياتهم، تلقّت في عيد الفصح جواباً شافيّاً في كيان المقام مِن بين الأموات٠
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لأنّك المعزّي المستقيم. ولم تهوّن الضيق المقبل على تلاميذك، بل اعطيتهم بنفس الوقت وعداً ثابتاً انّ ضيقهم زمني ومحدود، وانّهم ينالون فرحاً أبديّاً غير محدود بقيامتك المنتصرة. وجاوبت بكيانك الجديد على كلّ أسئلة حياتنا وموتنا. فنشكرك لأنّنا نستطيع بنيان أنفسنا عليك أيّها الحي في كلّ التجارب والضّيقات والمخاوف، لأنّك لا تتركنا، بل تمنحنا قوّة حياتك الجديدة٠
السؤال: ٢٨- كيف عزّى يسوع تلاميذه؟
٢٣ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ, إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. ٢٤ إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا, لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً٠
في بداية خطابه الوداعي فوّض يسوع تلاميذه أن يطلبوا لتممجيد الآب ما يريدون فيصير لهم (يوحنّا ١٤: ١٣). وهذه الطلبات شملت بنيان الكنيسة كما كلّ النشاطات التبشيرية، لأنّ يسوع يريد أن يدخل كثيرون إلى شركة محبّة الثالوث الأقدس. وهكذا أوصانا قائلاً: اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم. ويسوع يعدنا ان الله يستجيب طلباتنا، لأجل الأمور السماوية والدنيوية. والتدرج واضح أن السماويات مقدّمة على الأرضيات تقدّماً مطلقاً أساسيّاً٠
ما هي أسئلة حياتك وطلبات قلبك يا ترى؟ اتحتاج إلى مال وصحّة ونجاح؟ اتطلب الصلة بينك وبين أناس آخرين؟ هل تعذّبك الشكوك بوجود الله ورحمته؟ ألا تستطيع الصّلاة؟ أتشعر بفراغ مِن الرّوح القدس؟ هل تحسّ بذنوبك الخبيثة، أو تتألّم مِن التجارب والكوارث والضيقات؟ أتخاف مِن الحرب النووية، وتكاثر السكان على ظهر البسيطة، ومِن الأرواح الشرّيرية الساطية علينا؟ اتنتظر مجيء المسيح وبسط مملكة سلامه؟ ما هي أسئلة نفسك وروحك وجسدك؟ أسطحي أنت أم عميق متعمّق؟ امتفائل أم متشائم؟ اتؤلمك الأوجاع وشعورك ينجرح سريعاً؟ اطالب أنت مِن ربّك الامتلاء مِن الرّوح القدس؟
فيا أيّها الأخ العزيز. اجعل مِن كلّ مشكلة مِن مشاكل حياتك صلاة، وافتح قلبك لأبيك السماوي. ولكن لا تتكلّم بثرثرة، بل فكّر في طلبتك جيداً ماذا تقول له، فتجد أوّلاً المواهب والعطايا، الّتي منحكها يسوع قبلاً. فتشكره عليها، لأنّ الشكر يليق بنا. وبعدئذ اعترف بخطاياك، لأنّ قلّة الإيمان ومحبّتك الناقصة ورجاءك الضئيل، هو ذنب عند الله. فاطلب مِن يسوع غفران خطاياك، الّتي اعترفت بها أمامه. وانكسر لكبريائك أمام خالقك. واطلب منه توضيح طلبتك حتّى يوضح لك ماذا يريد هو في أمرك، لكيلا تطلب شيئاً يضرك. وبعدما تتأكّد مِن مشيئة أبيك، التمس منه نعمته وأيقن انّه يستمع لك حقّاً. ولا تنس انّ الله محبّة ولا يريد أن يباركك لوحدك فقط، بل غيرك أيضاً. فتضرّع أيضاً لأجل زملائك وأعدائك ليباركهم الربّ بنفس النّعمة، لأنّك لست وحدك المتألّم المحتاج، إنّما النّاس بكلّ أفرادهم مشتركون في هذا جميعاً. فقدّم اسئلتك جهراً وكاملاً ورأساً إلى المسيح مباشرة، واربط حول كلّ مشكلة في حياتك اكليلاً مِن صلوات الشكر والاعتراف والطلبة والابتهال لأجل الآخرين. فتتعلّم الصّلاة الحقيقية باسم يسوع٠
إنّ الصّلاة الحقّة هي تكلّم القلب مع الله في الطلبة والابتهال والشكر والسجود. فلا تتكلّم مرتبكاً، محاولاً التلفظ بكلمات معقدة رنانة، بل قل ما تفكّر به بكلّ بساطة كما تحدث والديك. فالعشّار في الهيكل تبرّر لَمّا تمتم، اللهمّ ارحمني أنا الخاطيء. والآب السماوي أقام لعازر مِن الموت، لَمّا صلى المسيح إليه ليقيمه. فالإيمان هو الّذي ينال الخلاص والعون والنجاح. ف٢تجاسر وصلّ إلى الله بنعمة وجرأة وشكر. والآب السماوي يدعوك ان تكون له ولداً. فتكلّم بفرح الطفولة. ولا تخبّيء شيئاً عنه. ٠
إن الله الآب ويسوع الابن واحد أحد فرد صمد. ولا يستطيع القدّوس أن يباركك كيفما كان، لأنّك بطبيعتك خاطيء مستحقّ الغضب لا النّعمة. ولكن بما انّ يسوع شفيعك، فانّ الآب يستمع إلى ادعيتك. وكلّما ازددت في انسجامك مع إرادة المسيح، يستجيب الله لك. اطلب منه أن يعلّمك الصّلاة باسم يسوع، فيعطيك باسم ابنه الملء. ويسوع أوصانا الأمر للصلاة باسمه بصيغة الجمع. فتزاوروا واشتركوا في الطلبة، ليكسب الله الرّوح القدس على قراكم ومدنكم، فتختبروا عاصفة محبّته تهبّ على قلوب كثيرة فتحييها. اطلبوا بالصّلاة في روح يسوع أن يأتي ملكوته. فكلّ الأمور الأخرى تترتّب تلقائيّاً. فليست مهنتك ولا عائلتك ولا شعبك مهماً بالدّرجة الأولى، بل الله بالذات وحمده، وتغيير النّاس إلى صورته، ونمو المحبّة في الكنيسة. صلّ ولا تصمت، لأنّ الله يعمل بواسطة صلواتك٠
والمسيح يشاء أن يهبك فرحاً عظيماً، ليس بالدرجة الأولى لأجل استجابة صلواتك، بل لأجل الامتياز أن تتكلّم مع الله وابنه. فما هو الأهم بالنسبة لك: الموهبة أو الوهّاب؟ فالرّبّ يمنحك الملء، ولكن لا تنس انّ الملء هو الربّ. ويسوع يريد تكميل فرحنا. فالمسرة حلّت فينا عندما أكّد الرّوح القدس لنا أنّنا أولاد الله الناجون. والفرح ازداد فينا عند ادراكنا أنّ يسوع يستجيب لنا نحن الباطلين والناقصين، وقد بارك أناساً آخرين وخلّصهم بواسطة صلواتنا. وفرحنا يكبر إلى الابتهاج جهراً، لَمّا نجد يسوع آتيّاً في سحاب السماء. عندئذ سنفرح فرحاً لا ينطق به ولا يتصوّر. فهل يكون مجيء المسيح الظاهر أهمّ موضوع في صلواتك؟
الصّلاة: أيّها الآب السماوي، نشكرك مِن صميم قلوبنا، لأنّك أرسلت إلينا ابنك مخلّصاً. اغفر لنا همومنا الدنيوية، وساعدنا لندرك أهمية الصليب. احلّل عقولنا الأنانية، وحرّرنا إلى الصّلاة المستجابة. لكي نتكلّم كأولاد لوالدهم بكلّ بساطة. وافد أعداءنا أيضاً، المتعبين تحت حمل خطاياهم والمتألّمين بقلوبهم الممتلئة بالحقّ والبغضة. حرّرهم مِن قيودهم، حتّى يشتركوا معنا في فرح حضورك. ونلتمس منك أن ترسل ابنك في المجد عن قريب، لأنّ المشاكل الدولية أصبحت ارهاصاً يتضخّم ويهبط علينا. أنت وحدك البقاقي. فنعظّمك ونسجد لك باسم ربّنا يسوع المسيح٠
السؤال: ٢٩- كيف يستجيب الله الآب صلواتنا باسم يسوع؟