Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثالث النّور يضيء في حلقة الرسل معلناً صميم مجده الإلهي (الاصحاح ١١: ٥٥- ١٧: ٢٦)٠
١- الثابت في المسيح آت بثمار كثيرة (١٥: ١- ٨)٠
٤- الرّوح القدس يعلن أهم التطوّرات التاريخية والحقائق الكونية (١٦: ٤- ١٥)٠
١٢ إِنَّ لِي أُمُوراً كَثِيرَةً أَيْضاً لأَقُولَ لَكُمْ, وَلَكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. ١٣ وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ, رُوحُ الْحَقِّ, فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ, لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ, بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ, وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ٠
المسيح هو العليم. وأراد أن يخبر أحبّاءه بكلّ أسرار السماوات والمستقبل، ولكن قدرتهم البشريّة في النفس والذهن لم تقدر أن تستوعب كلّ الحقائق. وهكذا لا نستطيع نحن أن ندرك منطقيّاً أن المسيح جالس عن يمين الله في السماء، وحال بنفس الوقت في قلوبنا، إلا إذا كان منطق الرّوح القدس ينيرنا، الّذي ليس مقيّداً بمكان أو زمن. وأيضاً لا نفهم بطبيعتنا كيف أنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم بنفس الوقت. هذا لا يمكن للعقل البشري استيعابه. ولكن الرّوح القدس يعين ضعفنا، وينير عقولنا. وهو قادر أن يوحي لنا أسرار المستقبل وخفيات القلوب. لأنّه عارف أيضاً أعماق اللاهوت ويثبتنا فيه٠
وأنبأ المسيح تلاميذه، انّ روح الحقّ سيأتي ويرشدهم إلى جميع الحقّ. فما هو الحقّ؟ إنّ المسيح لم يستعمل الكلمة في صيغة الجمع لوصف الحقوق الدنيوية بل بصيغة المفرد، كما قال سابقاً: أنا هو الحقّ. فالإعلان عن مجيء الرّوح القدس يعني انّه يرشدنا إلى ملء المسيح علماً وجوهراً وأبدية. وبما أنّ يسوع ليس شخصّاً منفرداً بل الآب فيه وهو في الآب، لذلك فإنّ الارشاد إلى كلّ الحقّ يعني معرفة الآب، وثباتنا في محبّته، وبقاءنا في أبديته. والكلمة الحقّ في الإنجيل لا تعني الحقّ الشرعي والعدل المنطقي والصدق الأدبي فقط، بل معانيها أوسع وتشمل كلّ الحقائق جملة وتفصيلاً. وهكذا يرشدنا الرّوح القدس إلى حقائق الساء لنعرف الله في ثالوثه حقّاً، ونختبر قواه العجيبة٠
ومع كلّ ذلك يكون الرّوح القدس شخصاً مستقلاً متكلّماً مستمعاً وله إرادة. ولكن بنفس الوقت يكون متعلقاً بالثالوث، كما انّ المسيح كان له إرادة حرّة وبنفس الوقت لم يعمل إلاّ إرادة أبيه. فالرّوح القدس لا يأتي بأفكار خاصة، كما أنّ المسيح لم يأت بأفكار خاصّة بل اخبرنا بما قاله أبوه. ففي الثالوث الأقدس لا يوجد إلاّ خضوع متبادل في حرّية المحبّة. والرّوح القدس هو أمين في نقل الشهادة، الّتي يسمعها مِن ابن الله. ولا يخبئها عنّا بل يدخل فينا كلّ الحقّ. وهكذا يريد أن يبني الكنيسة بجملتها كجسد المسيح، ويكملها بلا غضنات ولا لطخات، لتكون كاملة في المحبّة عند مجيء المسيح عريسها. فإذاً لا الماضي ولا المستقبل يكون مستتراً عليه. وهو قد أعلن ليوحنّا التلميذ رؤيا بسلسلة صور عظمى، فلا رسّام ولا منتج أفلام يستطيع أن يأتي بتخيّلات مثل هذه الرؤى، الّتي ليست أحلاماً بل وصفاً للحقائق المزمعة على المجيء، عندما ينضج العالم للخير والشرّ وتحقّ دينوناته الأخيرة٠
١٤ ذَاكَ يُمَجِّدُنِي, لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. ١٥ كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ٠
إنّ الشعار والدافع في عمل الرّوح القدس هو تمجيد المسيح. وكما أنّ يسوع انكر نفسه، وحوّل كلّ الكرامة إلى أبيه ومجده وحده، هكذا لا يكرم الرّوح القدس ذاته، بل يمجّد يسوع بكلّ أعماله. وهذا يعلّمنا نحن المسيحيين، ان نصمت عن اختباراتنا وانتصاراتنا وأعمالنا الفخمة ونمجّد اسم يسوع المخلّص وحده. فليس اهتداؤنا المبني على عزمنا هو المهمّ بالدّرجة الأولى، بل غسل خطايانا بدم المسيح الثمين. فلكلّ حركات وقوى ومقاصد الرّوح القدس هدف واحد، وهو تمجيد يسوع، الّذي اشترانا خاصة لله. والرّوح القدس يعمل في شهادة رسل المسيح بفعالية، إذا لم يأتوا بمعارف متخيلة وكلام رنّان وأحكام فارغة، بل قدّموا للمستمعين المسيح مصلوباً ومقاماً لتنفيذ برّنا٠
والرّوح القدس لا يعمل شيئاً خصوصيّاً، إلاّ انّه ينفذ ما ابتدأه يسوع قولاً وعملاً وصلباً وقيامة. فيذكر التلاميذ بكلمات يسوع، وينشيء حياته الإلهيّة فيهم، ويدفعهم لحفظ وصيته، ويثبّتهم في مخلّصهم. وما أتى الرّوح القدس إلينا باسمه الخاص، بل مدعواً مِن الآب والابن كما انّه بنفس الوقت صميم جوهر الآب والابن. ومِن جهة أخرى فانّ يسوع لم يحقّق خلاصه فينا لَمّا كان على الأرض، بل ترك هذا العمل الجبار بثقة فائقة إلى الرّوح القدس، الّذي يبني وسط ضعف التلاميذ ملكوت الله، أي الكنيسة الّتي هي جسد المسيح الرّوحي. فنرى مِن البعد في الثالوث الأقدس علاقة متبادلة مستمرّة. فليس أقنوم يأخذ لنفسه كرامة بل يكرم ويعظّم الآخر دائماً٠
وهكذا قال المسيح زمن سيرته في الدنيا بكلّ تواضع، انّ الآب هو استلم منه. ولكن في كلمته الوداعية قال، انّ أباه دفع إليه كلّ الملائكة، والنجوم والنّاس وما على الأرض وفي السماء، لأنّ المسيح خلق بالاشتراك مع أبيه الكلّ. والآب كان خاصته، كما كلّ آب يخصّ أولاده، وأولاده يخصّونه. فلم يكن المسيح ثوريّاً ولا اشتراكيّاً، بل أخلى نفسه صائراً في شبه عبد. وولد في مذود حقير، وعاش كلأجيء فقير. حتّى انّه قال: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأمّا ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه. فمالك الكلّ أصبح صغيراً حقيراً معدماً لأجل خلاصنا. فلهذا التواضع الكبير مجده الرّوح القدس، وحقّق كلّ فضائله وصفاته في كنيسته. وطبقاً لعمل حمل الله المذبوح الّذي يفتح الأختام السبعة المدموغة على كتاب تطور تاريخ البشر، يتمم الرّوح القدس الخلاص والدينونة في الكون. وما هي النتيجة النهائية لتمجيد الابن؟ انّنا سنراه والآب في كلّ مجده ومحبّته وقداسته٠
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح قد فديتنا على الصليب، وازلت عنّا أحمال ذنوبنا. نشكرك لمحبّتك الفائقة الغنية. املأنا بروحك القدّوس، لتصبح حياتنا كلّها تمجيداً لذبيحتك وقيامتك. حرّرنا مِن الكسل والرياء والاستكبار، لكي نعيش في حقيقة فضائلك٠
السؤال: ٢٧- ماذا يعمل الرّوح القدس في تطور العالم؟