Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثاني النّور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه (الاصحاح ٥: ١- ١١: ٥٤)٠
ثالثاً: السفرة الأخيرة إلى أورشليم (٧: ١- ١١: ٥٤)٠
وموضوعها انفصال الظلمة عن النّور
٢- شفاء المولود أعمى رمزاً لكلّ العمى الرّوحي (٩: ١- ١٢)٠
ب- استجواب اليهود للمشفي (٩: ١٣- ٣٤)٠
٢٤ فَدَعَوْا ثَانِيَةً الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى, وَقَالُوا لَهُ, أَعْطِ مَجْداً لِلَّهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ خَاطِئٌ. ٢٥ فَأَجَابَ, أَخَاطِئٌ هُوَ. لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً, أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ٠
حاول الفريسيون بكلّ جهودهم أن يجدوا نقطة ضعف في يسوع، ليحكموا عليه بشبه الحقّ. فأحضروا المشفي مرّة أخرى، واستحلفوه باسم الله أن يقول ضدّ يسوع أيّ اتهام. وادعوا باعتداد وغرور انّهم كفقهاء عالمون بانّ يسوع خاطيء، وليسوا بطالبين إلاّ البرهان على ذلك. وأرادوا اخضاع هذا المشفي الجاهل لضغطهم، ليوافق على ادانة يسوع، ويعترف انّ شفاءه ليس تمجيداً للناصري. والفريسيون في فكرهم الناموسي (الشريعي) واكرام الذات وصلوا في بغضتهم يسوع إلى درجة أنّهم لا يطلبوزن الحقّ بل يلدونه، ليبرهنوا موقفهم بالكذب الصراح. فجاوب المشفي بحكمة.لست عالماً إن كان يسوع خاطئاً. هذا الله وحده يعلمه. وأنا ما رأيت يسوع، وما أعرفه البتّة. لكنّي أعلم شيئاً واحداً، انّي كنت أعمى والآن أبصر. وهذه الحقيقة غير قابلة للانكار. وهي تعني عجيبة وقوّة إلهية ونعمة الغفران. فقول الشاب هو شهادة ألوف المؤمنين، الّذين لا يعرفون أسرار السماء وجهنّم، بل قد حصلوا على الولادة الثانية. فيعترف كلّ منهم بكلّ تواضع: انّي كنت أعمى والآن أبصر٠
٢٦ فَقَالُوا لَهُ أَيْضاً, مَاذَا صَنَعَ بِكَ. كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ. ٢٧ أَجَابَهُمْ, قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً. أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلاَمِيذَ٠
لم يكتف الفريسيون بأجوبة الشاب بل قدحوا فيه، وحاولوا اسقاطه بالتناقض في أقواله، فطلبوا منه مرّة أخرى رواية عن عملية الشفاء. فغضب هذا وسألهم بحدّة، ان كانوا لم يفهموه مِن المرّة الأولى؟ لأنّه وصف حادثة وقعت وليس آراء فلسفية. ونكاية واستهزاء بهم قال لهم: أفتريدون سماع القصّة ثانية لتصيروا تلاميذه وتؤمنوا به؟
٢٨ فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا, أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ, وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلاَمِيذُ مُوسَى. ٢٩ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ, وَأَمَّا هَذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ. ٣٠ أَجَابَ الرَّجُلُ, إِنَّ فِي هَذَا عَجَباً. إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ, وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. ٣١ وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهَذَا يَسْمَعُ. ٣٢ مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. ٣٣ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ اللَّهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً. ٣٤ قَالُوا لَهُ, فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ, وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا. فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً٠
بعد أن هزأ الشاب بالكتبة والعلماء، صرخوا فيه وشتموه لاعنين وقائلين: لسنا نحن بل أنت تلميذ ذاك المضل. نحن تابعو موسى، فهو كليم الله. ومتأكّدون مِن هذا كلّ التأكّد. وكان يسوع قد أخبرهم سابقاً انّهم لو كانوا مدركين موسى حقّاً، لاستمعوا إلى كلامه أيضاً وفهموه. ولكنّهم إذ لووا كلام موسى وجعلوه طريقة للتبرير الذاتي، فانّهم لا يفهمون يسوع كذلك. ولا يقدرون على تمييز الرّوح، الّذي يتكلّم منه. فالناصري كان غريباً عليهم. فأفكاره لا تنطبق على أنظمتهم، وكلامه غلبهم بقوّة حجته. فكان رهيباً غامضاً٠
عند ذاك جاوبهم الرجل، الّذي كان أعمى: لا أفهمكم. طبيعي ومنطقي انّ الّذي يفتح عيني المولود أعمى له قوّة خالقه. فهو قويّ وقدير. وفي لطفه لم يلمني، ولم يطلب منّي مالاً، بل قدّم لي خدمة المحبّة مجاناً. ولم ينتظرني حتّى أراه وأشكره وأسجد له. ولم يظهر فيه أي نقص أو عيب. واعترف الشاب مِن بعدئذ: انّ كلّ عضو في العهد القديم يعلم منذ طفوليته، ان الله لا يستجيب صلوات المستكبرين، لأنّه حيث تقف خطيئة ما بين الإنسان وربّه، فانّها تمنع البركة. ولكن الّذي ينكسر أمام القدّوس، معترفاً بخطاياه، طالباً الإيمان والمحبّة، ومقدّماً الشكر والتسليم، فلهذا التائب يتكلّم الله شخصيّاً٠
كلّكم لم تقدروا أن تفتحوا عيني. ولم يكن إنسان قادراً على هذا. لأنّ كلّ النّاس خطاة إلاّ يسوع هذا. فقدر أن يشفيني. وهذا برهان انه بلا خطيئة. فالله نفسه حلّ فيه، وبدونه لا يقدر أن يعمل شيئاً. فالتفكير بيسوع المفروض على الشاب أثناء الاستجواب، أصبح فيه سبباً لمعرفة يسوع وبراءته ومصدره الإلهي. عندئذ لعنه الأتقياء الأبرار، ونظراً لولادته أعمى شتموه قائلين: ليس أنجس منك، ووالداك نجسان أيضاً. وقد ظهر فسادك مِن عميك. وللأسف فانّ هؤلاء الأتقياء لم يدركوا انّهم أكثر عمى مِن ذلك المسكين. وانّ يسوع استخدم المشفي كمرسل عنه إليهم، ليريهم عميهم ونجاساتهم الأصلية، ويوضح لهم ماذا يريد أن يعمل منهم. لكنّهم لم يستعدوا لقبول تعليم المسيح مِن فم المشفي، فأخرجوه بعنف مِن الكنيس. وهذا الطرد تمّ أوّلاً مِن غرفة الاستجواب إلى الطريق العام. وثانيّاً معنويّاً، حيث أسقط هذا العضو مِن مجتمعه، إذ سمّوه تلميذ يسوع. فأصبح في ذات اليوم مشفيّاً ومطروداً مِن أمّته، دلالة على روح الشعب، الّذي لا يقدر على احتمال روح المسيح٠
الصّلاة: أيّها الربّ يسوع علمنا براءتك وطهارتك ومصدرك، لكي نشهد لك ونصبح تلاميذك. ساعدني للأمانة في الشهادة والاعتراف الحقّ بالحكمة، أمام أعدائك لكيلا ننكر اسمك، بل نخدمك ونحمدك حتّى ولو أبغضنا النّاس وطردونا٠
السؤال: ١٧- ما الّذي أدركه الشاب تدريجيّاً أثناء استجوابه؟