Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثالث النّور يضيء في حلقة الرسل معلناً صميم مجده الإلهي (الاصحاح ١١: ٥٥- ١٧: ٢٦)٠
ثانيّاً: الحوادث بعد العشاء الربّاني ( ١٣: ١- ٣٨)٠
الثالوث الأقدس يحلّ في المؤمنين بواسطة مجيء الرّوح المعزّي (١٤: ١٢- ٢٤)٠
١٥ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ٠
التبشير هو الشكر للجلجثة. ومَن لا يبشّر لا يعرف بعد مِن أي كابوس خطيئة وعيوب حرّرنا المسيح. ولكن إن رأيت صلواتك وشهاداتك كلّها غير مثمرة. فامتحن ذاتك إن كنت ثابتاً في محبّة المسيح، أو ان آماثك هي المانعة للبركة أن تحلّ. اعترف بنقصانك أمام يسوع، لكيلا ينقطع بحر البركة بواسطتك إلى النّاس. ويسوع لم يعطنا وصيّة واحدة فقط بل ألوف النصائح. مثلاً أحبّوا أعداءكم، اسهروا وصلّوا لكيلا تدخلوا في تجربة. وكونوا كاملين كما أنّ أباكم في السماء هو كامل. وتعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأجمال وأنا أريحكم. كلّ هذه الأوامر تتّحد في الوصيّة الفريدة، أن نحبّ بعضنا بعضاً كما أحبّنا. فوصايا المسيح ليست حملاً ثقيلاً، بل عوناً للحياة وجسراً للإيمان والمحبّة٠
فمَن اختبر فرح فداء يسوع لا يريد ولا يستطيع العيش لذاته، بل يخدم يسوع المخلّص. وبمقدار أن ندرك عمق وعظمة خطّة خلاص الله في يسوع نصلّي ونبتهل إليه لكي يشعل محبّته فينا، ونكرمه بحياة بلا لوم قدامه في المحبّة. فليس نيل برّنا الخاصّ هو غاية حفظ وصايا المسيح إنّما الشكر والخدمة والتبشير لأجل الخلاص التام ومحبّتنا للمخلّص٠
١٦ وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ, ١٧ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ, لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ, وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ٠
كلّ مَن يحاول اتمام وصايا يسوع مِن تلقاء نفسه، يفشل وينكسر وييأس، لأنّه لا يستطيع إنسان أن يتمّم مشيئة الله. وإلاّ فيصير إلهاً في ذاته. ولهذا السبب توسّط يسوع لنا عند الله حتّى أرسل إلينا المعزّى اللطيف الّذي هو الرّوح القدس. وله وظائف مختلفة في دنيانا. انّه روح الحقّ الّذي يرينا طول وعرض خطايانا ورجاساتنا وفجورنا، لكي نشمئزّ مِن أنفسنا ونتواضع بالمعرفة انّنا أباطيل. وبعدئذ يرسم الرّوح المعزّي يسوع مصلوباً أمامنا. ويؤكّد لنا أن هذا الابن الإلهي المرفوع، غفر لنا جميع خطايانا نهائيّاً، وجعلنا أبراراً أمام الله بالنّعمة. وهذا الرّوح المبارك يلدنا ثانية، ويفتح فمنا لنسمّي الله أبانا، ونتأكّد انّنا أصبحنا بالحقيقة أولاد الله بواسطة روح النبوة. وأخيراً يكون هذا الرّوح المعطى لنا محاميّاً عنا، الّذي يقف بجانبنا ويثبتنا وسط وسوسات الشيطان ويؤكّد لنا أنّ الخلاص تمّ. فلا نجد يقيناً في كلّ التجارب ولا اطمئناناً في الدينونة والآخرة إلاّ بمعزّ إلهي، الّذي أرسله يسوع إلينا٠
لا يوجد إنسان يحمل روح الله بطبيعته البشريّة، ولا عبقري ولا شاعر ولا عرّاف ولا نبّي. إنّ هذا الرّوح يأتي مِن خارج دنيانا، ولا يستطيع نيله فيلسوف أو مؤسّس أديان، لأنّه يحلّ فقط في الإنسان الّذي يؤمن بدم يسوع المسيح. فمَن لا يحب يسوع ولا يقبله عاجلاً لا يعرف روح الحقّ وليس ساكناً في قلبه. فلا تغرّن نفسك، فانك لا تقدر أن تجبر الرّوح القدس أن يحلّ فيك بواسطة تأملات أو رؤى أو غيبوبة أو أحلام، أو أي اجتهاد بشري، إلاّ بالإيمان المتواضع بابن الله. فمَن يحبّ يسوع ويتعاهد معه يختبر الفرح العملي، إن الرّوح القدس يحلّ في القلب، ويختبر قوّة الله وسط الضعف. ويسوع يؤكّد لك توضيحاً، انّ هذا المعزّي الرّوحي لا يبرحك، لا موتاً ولا دينونة، لأنّه الحياة الأبديّة٠
١٨ لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. ١٩ بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً, وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. ٢٠ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي, وَأَنْتُمْ فِيَّ, وَأَنَا فِيكُمْ٠
أخبر يسوع تلاميذه لَمّا خرج الخائن مِن حلقتهم، انّه سيتركهم قريباً، ولا يستطيعون اتباعه فيما بعد. ولكنّه بعدئذ بيّن للفزعين انه سوف لا يتركهم طويلاً، بل يرجع إليهم. فيسوع شعر برعب تلاميذه الّذي كان كبيراً كما لو مات أب لأطفال كثيرين وهم حوله مجتمعون. فأكّد الربّ للحزانى، انه سيرجع إليهم شخصيّاً. وقصد هذا القول بمعنيين. الأوّل حلول الرّوح القدس لأن الربّ هو الرّوح. والثاني مجيئه في المجد في أواخر الأيام. ولأجل الظهورين كان مِن الضروري أن يترك يسوع العالم ويذهب لأبيه. فبدون هذا الابتعاد القاطع لم يستطع الرّوح القدس أن يأتي إلينا٠
وهذا الرّوح هو الّذي يفتح أعين قلوبنا فجأة. عندئذ ندرك أنّ يسوع لم يبق في القبر كسائر النّاس، بل انّه حيّ موجود كائن عند الآب. فحياة المسيح هي أساس الكون وخلاصنا. ولأنّه غلب الموت يعطينا الحياة، لكي نغلب أيضاً الموت في الإيمان، ونعيش في برّ المسيح إلى الأبد. فديننا دين الحياة ممتليء الرجاء والفرح٠
والرّوح المعزّي الحيوي الصادق هو روح الله الخاص. ويأتي ليحلّ فينا نحن الصغار الفانين، ويحلّ في عقولنا العقد الغير منطقية: إنّ الابن في الآب والآب في الابن كوحدة كاملة بلا شكّ ولا ريب. ولكنّ هذه المعرفة الرّوحية عن الثالوث الأقدس ليست كعلم بالرياضيات بل تتجسّد رأساً في المؤمن، حتّى نتحد بيسوع بنفس الطريقة كما هو واحد مع أبيه. وهذه الأسرار والامكانيات في الرّوح القدس تفوق ادراكنا البشري. لهذا يؤكّد لنا المعزي الإلهي انّ اتحادنا الإيماني بيسوع هو عملي حق ممتليء الحياة٠
هل أنت "في المسيح" ومتّ لكبريائك، عائشاً لتمجيد ربك؟ هل خبّأت نفسك وراءه، حتّى لا يراك النّاس، بل يرونه هو فقط، وليس إلاّ هو؟ وهل تعترف أيضاً بجرأة وضمير مرتاح أن يسوع قد حلّ بملء محبّته وتواضعه فيك؟ وهل تؤمن بحضور مخلّصك في قلبك؟ إن الرّوح القدس يوضح لك هذه العجائب وينيرك، فترى الحقائق الإلهيّة كما لو فتحت الزر الكهربائي في غرفتك الدامسة فتشاهد كلّ أشيائها فجأة٠
ولكن احذر. فلم يقل ربّك أريد ان اسكن فيك وحدك، بل أحلّ فيكم معاً. فليس المسيحي بمفرده هو هيكل الرّوح القدس، بل إنّما يشبه حجراً حيّاً في هذا المسكن الإلهي، لأن حلول الرّوح القدس يشترك فيه كلّ المسيحيين. والرّبّ أعطانا هذا الوعد في صيغة الجمع:"أنتم فيّ وأنا فيكم". فشركة القدّيسين أي الكنيسة هي المكان حيث يعلن المسيح اليوم ذاته. هل تلاحظ انّ الربّ يتمّم بهذا الوعد نفسه وصيته: أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحبّبتكم؟ هو حالّ في وسطنا ويمنحنا قوّة محبّته ويحفظ فينا الوصايا. فلست أنا بمفردي أتعلّق بالمسيح، بل كلّنا معاً نمتليء إلى ملء الله٠
الصّلاة: نسجد لك يا حمل الله القدّوس، لأنّه بسبب موتك حصلنا على الحياة الأبديّة. فاغفر لنا قلّة إيماننا وجهلنا وشعورنا بذواتنا لكيلا يقوم شيء فاصل بينك وبيننا، وليمرّ تيّار روحك بواسطتنا إلى الآخرين. ونثبت في وحدتك مع الآب. ونراك في كلّ التجارب، ونعيش حسب هذا الإدراك السامي. نشكرك لاتيان معزّينا روح الحقّ، الّذي يحفظنا معاً إلى أبد الآبدين٠
السؤال: ١٦- ما الصفات والأعمال الّتي يطلقها يسوع على الرّوح القدس؟