٠١ -- المقدّمَة: المعنى الرَّائع لِلْوَصَايَا العَشر
يَرى مَن يسافر مِن مدينة دلهي إلى كشمير، بعد برهةٍ مِن الزَّمن مِن خلال نافذة الطائرة، مناظر سلسلة جبال الهملايا الفاتنة المكسوَّة بالثُّلوج والباسقة على أبخرة سهول الهند الشِّمالية. ومِن حينٍ إلى آخَر ترتسم له مَعالم الكتل الجبليَّة والوديان السَّحيقة بأكثر وضوح. وأحياناً تتوارى قِمم الجبال العالية تحت مظلَّة الغيوم الكثيفة. وتَظهر الأطواد البالغ ارتفاعُها ثمانية آلاف متراً كالعمالقة بين أقزام الجبال الَّتي لا يتجاوز ارتفاعها خمسة آلافٍ من الأمتار فقط. وبعد هبوط الطائرة في مطار "سريناغار" يجد الزائر نفسَه حيال خليطٍ مُحَيِّرٍ مِن الحَضَارَات والأَدْيَان. فيعيش هنا الهندوس والبوذيّون واليهود والمَسِيْحِيُّون والمُسْلِمُون والملحدون مَعاً. وتقوم الهياكل والكَنَائِس والمساجد ومُلصَقات الإعلانات الحَدِيْثة بالدِّعاية لِكَسب السُّكان إلى جانبها. وعلى هذه البقعة مِن الأرض، حيث تتلاقى خمس دول وهي: الهند وباكستان وأفغانستان والإمارات المتَّحدة والصِّين، يئزّ الجو بسبب التَّوَتُّر السَّائِد، لكل مَن يجوب القرى والمدن بوعي ويقظة، ويَدخل في حديثٍ مع المواطنين.
ومَن يحاول أن يُقارن عادات وأَنْظِمَة الدِّيَانَات والعَقَائِد المختلفة بعضها ببعض سُرعان ما يتبيّن له أنّ بين عشوائية المؤلَّفات والطقوس الدِّيْنِيَّة والعَقَائِد ما يفوق بعضُها بَعْضاً بنوعٍ خاص، كما تفوق قمم جبال الهملايا في ارتفاعها البالغ ثمانية آلاف متراً القممَ المحيطةَ بها.
إنَّ إحدى القمم الشَّامخة في تاريخ البشرية هي الوَصَايَا العَشْر. لقد خاطب الله الرَّاعي موسى في البِّرية، وأعلن له مشيئته، ودوّن له أوامره على لوحَي حجَر. ويَذكر اليهود بكل مَهابةٍ هذا الرَّسُوْل الأبويَّ الَّذي بواسطته قطع الله العَهْد معهم على جبل سيناء، ويقرأون كتبه بالتَّناوب في مجامعهم منذ ٣٣٠٠ سنة وإلى هذا اليوم.
ويرى المَسِيْحِيُّون كذلك في عهد الله مع موسى ركيزة الحقّ للبشر الَّتي لا يُسْتَغْنَى عنها. وقد أكّد يَسُوْع لأتباعه هذه الحقيقة بقوله: "إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوْس" (متَّى ٥: ١٨)٠.
ويدعو المُسْلِمُون موسى "كليم الله" الَّذي فرض الشَّرِيْعَة الإِلَهِيَّة على البشر، ويعتبرونه رسول الله الَّذي يتمتّع ليس برئاسة دينية فحسب بل وبسلطة سِيَاسِيَّة معاً. ولا يزال موسى بالنِّسبة إليهم أحدَ رجال التاريخ البارزين.
كانت لِلْوَصَايَا العشر في العَهْد القَدِيْم مكانةٌ فريدةٌ، وهي لا تزال أساساً لاستمرارية البشر لا يُسْتَغْنَى عنها. فمَن يحفظ هذه القواعد السَّمَاوِيّة ويحافظ عليها ويعلّمها يصبح رصيناً حكيماً. ولكن مَن يتجاهل هذه الوَصَايَا أو ينساها لا بُدَّ أن يهلك هلاكاً. ويُعتبر الانشغال المستفيض بالوَصَايَا العَشْر مِن الإِعداد الأساسي لحياة الإِنْسَان.
يَتَّخِذُ التَّأمل في الوَصَايَا العَشْر في كشمير أهميَّةً خاصَّةً، لأنَّ الدِّيَانَات العالمية القَدِيْمة ومبادئ الأحزاب الحَدِيْثة تلتحم هناك بعضها ببعض، ومجريات التطوّر تُلزِم النَّاسَ بالتأمّل في شريعة الله المُوْسَوِيَّة . ونقدِّم في الصَّفحات التَّالية تلخيص أحاديث أُجريَتْ بين الشَّباب مِن مختلف الأَدْيَان في كشمير، حاوَلوا أن يجدوا الخطَّة الأزليَّة الحَقِيْقِيّة لحياتهم. لذلك راجَعوا الوَصَايَا العَشْر، وتحقَّقوا مِن فعاليتها وسريانها على البشر في الوقت الحاضر. فكلُّ مَن يشترك في هذا البحث ينل فائدةً ورشداً لحياته اليَوْمِيّة.