Previous Lesson -- Next Lesson
١٠ - الاضطهاد الأوّل لكنيسة المسيح في أورشليم وتشتّت المؤمنين إلى السامرة (٨: ١ - ٨)٠
أعمال الرسل ٢٥:١١-٣٠
٢٥ ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. ٢٦ فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً٠
٢٧ وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ انْحَدَرَ أَنْبِيَاءُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. ٢٨ وَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغَابُوسُ, وَأَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعاً عَظِيماً كَانَ عَتِيداً أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ الَّذِي صَارَ أَيْضاً فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ. ٢٩ فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئاً, خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. ٣٠ فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ٠
ولمّا نزل برنابا مِن أورشليم إلى أَنطاكية، فكّر في البداية بأخيه النَّشيط شاول الّذي في طرسوس، وهذه المدينة تبعد عن أَنطاكية حوالي 200 كلم، على شاطئ آسيا الصغرى الجنوبي، واغتنم برنابا الرجل الأبوي أوّل فرصة سنحت له، ليبحث عن صديقه الغيور، لأنّه أدرك أنّ الكنيسة النامية في أَنطاكية بسرعة تحتاج إلى متضلع من اللاّهوت، لكي تُبنى الحياة الجديدة والمعرفة الرّوحيّة بالتمام، على نبوّات التوراة والزّبور، وكان برنابا يعرف شاول مِن الوقت الّذي كان يضطهد فيه كنيسة أورشليم، وآمن أنّ ذهنَه قد تغيّر، لظهور ربّ المجد له على أبواب دمشق٠
ففتّش برنابا القبرصي عن الشاب شاول، حتّى وجده، وفرح برؤيته وأنّه غير مرتدّ، وما زال ثابتاً في المسيح، فطلب مِن الشاب اللاهوتي أن يرافقه، وعادا معاً إلى أَنطاكية حيث تعاونا سنة كاملة، وبشّرا وعلّما وعمّقا المستمعين، وعزّياهم مصلّين مؤمنين منتصرين٠
وقد استخدم الرّوح القدس برنابا للمرّة الثانية، ليكون همزة الوصل بين شاول وكنيسة المسيح. وإنّنا نشهد شاكرين، أنّ لهذه الخدمة الّّتي قام بها برنابا، بإتيانه بشاول وتثبيته في الكنيسة نتيجةٌ عظمى في تاريخ الكنيسة، لأنّه ثبّت رسول الأمم في تيّار قوّة الكنيسة الانطاكية، الّّتي فجّر منها الله بحراً مِن النّعمة لكلّ العالم٠
إنّ علماء التوراة الكبار، والأنبياء مِن العهد القديم، كانوا غالباً منعزلين منفردين، ومرتفعين عالياً عن الجماهير كقمم الجبال المرتفعة، متوسّطين بين الله والشعب. أمّا في انطاكية فقد تعلَّم شاول مِن برنابا عكس الانعزال، أي الخدمة المشتركة في الكنيسة، والخضوع المتبادل في المحبّة، والتّعاون في الصّبر والتواضع، حتّى صار برنابا المعلّم الأبوي لشاول في كلّ أمور الشركة المقدّسة، حيث يكون التأنّي والثّقة الأساس للنموّ المستمرّ (1 كورنثوس 13: 1-8). وبواسطة هذا العمل المشترك في تعاون المحبّة، ازدادت الكنيسة كثيراً بالعدد والنوعيّة الرّوحيّة٠
فلا نعجب إن كان المؤمنون بيسوع في أنطاكية، هم أوّل مَن لُقّبوا بالمسيحيين لأنّ هذا المسيح ملأ أفكارهم وأقوالهم، ومحبّته أصبحت شعارهم، وتحقّق في اتباع المقام هؤلاء ما وعد الرّبّ به، أنّ الرّوح القدس سيمسحهم. هل تعرف أن كلمة "المسيح" لا تعني إلاّ الممسوح والماسح معاً؟ ففي العهد القديم حصل الملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء على مسحة الرّوح القدس مِن الله برمز الزيت المقدّس، فنؤمن أنّ المسيح هو ملك الملوك ورئيس الكهنة وكلمة الله المتجسّدة، هو يدعوك وكلّ أتباعه للامتلاء بالرّوح القدس، وهكذا نصبح معاً جنساً مختاراً وكهنوتاً ملوكيّاً، أمّة مقدّسة شعب اقتناء، لكي نخبر بفضائل الّذي دعانا مِن الظلمة إلى نوره العجيب. فغنى الله أبينا كلّه يكمن في الكلمة (المسيحيون)، لأنّ الممسوحين هم أولاده، وفي الوقت نفسه أعضاء في جسد المسيح الرّوحي، مرصوصين معاً هيكلاً للروح القدس. فمَن يتعمّق في معاني كلمة "المسيحيين" يمتلئ بروح الفرح، ويسبّح الله الثالوث القدّوس، لأنّه دعانا شهوداً لمخلّصنا الحيّ، الّذي أشركنا بصليبه في فضائل الله العظيمة. هل تشكر ربّك لأنّه جعلك مسيحيّاً بفرط نعمته وحدها؟
لكن المسيحيين لا يعيشون في السّماء، بل على الأرض؛ وربّهم قال لهم: ليكن لكم فيّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم. هكذا حذّر الرّوح القدس المسيحيين بواسطة نبي مِن العهد الجديد، وهو أغابوس، أَنّه سيأتي جوع عظيم على كلّ النّاس، لأنّ غضب الله مُعلَنٌ على كلّ فجور النّاس. وحقّاً حصل هذا الجوع في زمن القيصر كلوديوس 41 - 54م فالمسيحيون يتألّمون مع العالم بضيقاته نفسها، ولكنّهم لا يقفون متروكين في أمواج الكوارث، لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبهم بواسطة الرّوح القدس المعطى لهم٠
وحدثت أعجوبة في انطاكية على أثر هذه النبوّة، فلم يمطر الله على المسيحيين خبزاً مِن السّماء ليخلّصهم مِن الجوع المقبل عليهم، بل الرّوح القدس أعلن للمصلّين أن يمتنعوا عن جمع المؤونة، ولا يفكّروا بأنفسهم أولاً، بل يهتمّوا بالكنيسة الفقيرة في أورشليم عمليّاً، فلم تؤسّس كنيسة انطاكية صندوقاً مشتركاً لتخفيف عبء الضيق المقبل على أعضائها، بل اتّفقت على جمع مال لإرساله إلى الفقراء في أورشليم. أليس هذا غباءً غير منطقي؟ الرّوح القدس يعلن جوعاً عالميّاً، فيرسل المؤمنون أموالهم للمحتاجين! إِنَّ محبّةَ الرّوح القدس أقوى مِن كلّ أنانيّة، وإن أردت أن تعرف هل أنت مسيحي حقّاً؟ فنسألك كم تضحّي مِن مالك للمحتاجين عمليّاً؟
وَضَعت الكنيسةُ المال المجموع في يد الوعَّاظ، لأنّهم يعرفون أنّ رجال الله هؤلاء لا يستخدمون قرشاً لأنفسهم، بل يفضلون تسليم قلوبهم، ويضحّون بما عندهم لله، خصوصاً بولس الّذي كان معروفاً أنّه يعيش مِن عمل يديه، ولا يقبل عطايا لنفسه البتة. فأصبح جواب برنابا، المفوّض مِن كنيسة أورشليم للبحث عن حالة كنيسة أنطاكية، لمّا عاد إلى أورشليم، أَن قدَّم للكنيسة هناك مبلغاً ضخماً، برهاناً على محبّة الرّوح القدس العامل في الكنيسة الأنطاكيّة الجديدة٠
ونقرأ أيضاً أنّ برنابا وشاول لم يسلّما هذه العطيّة للرسل، بل للشيوخ المسؤولين في الكنائس ضمن المنطقة اليهوديّة، ولا نعلم متى تعيّن الشيوخ لهذه الكنائس، ولا كيفيّة تنظيم خدمتهم خارج أورشليم، ولكن تعيين الشمامسة السبعة عرفنا أنّ الرسل تخلّوا عن التدبير المالي، وتحرّروا للصّلاة وخدمة الكلمة؛ فنمت الكنائس، وانتشر الإنجيل، وبان سلطان الرّوح القدس٠
الصلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، أنت باني كنيستك بهدوء بروحك القدّوس، وتمسح أتباعك بمحبّتك. فساعدنا لنصبح مسيحيين حقيقيين، ممتلئين بروحك القدّوس، ونضحي حيث يكون الضيق، ونخدم في معيشة المحتاجين. أَعطنا أَلاَّ نُنكر اسمك في الجوع العظيم المقبل علينا، بل أن نثبت مضحِّين في كلّ حين٠
السؤال: ٥٩. مَن هو المسيحي الحقّ؟