Previous Lesson -- Next Lesson
١٠ - الاضطهاد الأوّل لكنيسة المسيح في أورشليم وتشتّت المؤمنين إلى السامرة (٨: ١ - ٨)٠
أعمال الرسل ١٩:١١-٢٤
١٩ أَمَّا الَّذِينَ تَشَتَّتُوا مِنْ جَرَّاءِ الضِّيقِ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ اسْتِفَانُوسَ فَاجْتَازُوا إِلَى فِينِيقِيَّةَ وَقُبْرُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ, وَهُمْ لاَ يُكَلِّمُونَ أَحَداً بِالْكَلِمَةِ إِلاَّ الْيَهُودَ فَقَطْ. ٢٠ وَلَكِنْ كَانَ مِنْهُمْ قَوْمٌ, وَهُمْ رِجَالٌ قُبْرُسِيُّونَ وَقَيْرَوَانِيُّونَ, الَّذِينَ لَمَّا دَخَلُوا أَنْطَاكِيَةَ كَانُوا يُخَاطِبُونَ الْيُونَانِيِّينَ مُبَشِّرِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ. ٢١ وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُمْ, فَآمَنَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَرَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ. ٢٢ فَسُمِعَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فِي آذَانِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ, فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. ٢٣ الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللَّهِ فَرِحَ, وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ ٢٤ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ٠
كيف تطوّر تاريخ الكنيسة ومسير التبشير بعد إعلان الله العظيم لبطرس؟ هل أصلح المؤمنون الكثيرون في قيصرية كنيسة حيّة، ومركزاً نشيطاً لتبشير العالم مشعّاً قوّة الإنجيل إلى الشّعوب؟ إنّنا لم نسمع عنهم فيما بعد.ولكن بعيداً عن فلسطين في شمالي سوريا، وفي العاصمة أَنطاكية أكبر مدن الشرق بحياتها السَّخيفة السَّطحيّة، نزل بعض اللاجئين المؤمنين بالمسيح، لأنّه منذ الاضطهاد بسبب استفانوس، تفرّق الهاربون إلى مدن لبنان وقبرص وآسيا الصغرى، وشهدوا في كلّ مدينة وقرية بيسوع ينبوع الحياة الأبديّة، ولكنّهم قصروا شهادتهم على أبناء جنسهم مِن اليهود المتغربين٠
وفي أَنطاكية حدث العكس، فهناك تكلّم بعض هؤلاء النازحين إلى اليونانيين وسائر الأمم مباشرةً، وبشّروا بدون أن يتدرّبوا لاهوتيّاً لهذا الغرض أو يحملوا شهادات باهرة، وبدون مساعدات ماليّة مِن مركز تبشيري يمدُّهم ويوجّههم؛ فتكلّموا إلى زملائهم اليونانيين في التّجارة والمهن المختلفة عن يسوع الرّبّ المقام مِن بين الأموات، فحدث مثلما حدث في قيصرية، أن الرّوح القدس حلّ في المؤمنين دون أن يصيروا يهوداً٠
وهذا التجديد العظيم، لم يسبّب في الكنيس اليهودي ثورةً، لأنّ اليهود في هذه العاصمة كانوا منفتحين مِن قبل على التَّبشير بالتوراة، حتّى إِنَّ نيقولا الأممي الوثني أصبح يهوديّاً، ومِن ثمّ آمن بالمسيح، وامتلأ بالرّوح القدس، فاختارته الكنيسة في أورشليم بعدئذ شماساً مِن ضمن الشمامسة السبعة. فمِن هذا بان واضحاً أنّ الحرّية في أَنطاكية كانت أكبر مِنها في أورشليم، فانطلق التَّبشير تلقائيّاً٠
فماذا كان مضمون وفحوى شهادة هؤلاء اللاجئين المبشّرين؟ لم يقدروا أن يبشّروا بالمسيح مِن آيات التوراة، لجهل النّاس هناك بالعهد القديم والشريعة والنبوّات، فسمّوا يسوع رأساً الرَّبَّ، الّذي دُفِعَ إليه كلُّ السُّلطان في السّماء وعلى الأرض وكلُّ الأشياء صارت به ودامت به (1 كورنثوس 8: 6). وهذا الرّبّ يطلب تكريس حياتنا وطاعتنا، وخضوعنا له ونستطيع أن نحقّق تسليمنا إليه بدون هموم أو خوف، لأنّه مات لأجلنا، وكفَّر عن ذنوبنا، لنصبح مقبولين أمام العلي، فربّنا ليس دكتاتوراً بل هو محبّةٌ محاطةٌ بسلطان، وهو يبرّرنا لنشترك بحياته الأبديّة المتفوِّقة على الموت والفساد٠
وهذه الرسالة عن السلطة الرحيمة غلبت القلوب، وأنارت العقول، حتّى وجد كثيرون العلاقة الشخصيّة مع الرّبّ يسوع، وخلصوا، وأحد أسرار هذه النهضة التبشيريّة في أَنطاكية، كان الاتصال العملي مِن فرد إلى فرد، فلم يُقِم المؤمنون المبشّرون اجتماعات انتعاشيّة ضخمة، ولم يستخدموا الراديو أو النشرات بتاتاً، بل نقلوا قوّة الخلاص مِن فم إلى أذن، بواسطة اتّصالات شخصيّة، ولا يزال هذا الأسلوب حتّى اليوم هو أقوى طريقة للتبشير. فهل تتكلّم مع أصدقائك عن المخلّص؟ هل تنقل الرّوح القدس بواسطة شهادتك عن المسيح؟ املأ قلبك بكلمة يسوع، فينطق لسانك باسمه، وترى أنّ يد الرّبّ عاملة معك مباشرة٠
ولمّا سمعَ الرسل والشيوخ، في الكنيسة الأصليّة في أورشليم، أنّه في أنطاكية البعيدة الشرّيرة، قد آمن كثيرون بالمسيح، لم يتزعزعوا لهذا الخبر، كما استاءوا لمّا سمعوا عن تجديد كرنيليوس وصحبه في قيصرية، لأنّ رؤساء الكنيسة وأعضاءها قد أدركوا بعد مباحثتهم الرسميّة مع بطرس، أنّ الله يملأ كلّ النّاس بالرّوح القدس، إن آمنوا بالمسيح وثبتوا فيه. ولكن لأجل الامتحان والتّفتيش عمّا إذا كانت الكنيسة الجديدة صحيحة أو هي بدعة مضلّة، عيّنوا رجلاً ممَن كانت له معرفة وخبرة بهذه المناطق الرومانيّة اليونانيّة، ألا وهو برنابا البارّ، ليرشد الكنيسة الجديدة باختبارات محبّته، ويعلمهم عن حقيقة أمرها٠
ونحن نعرف عن برنابا تضحيته الكبيرة، المذكورة في الأصحاح 4: 36، وكيف كان بمحبّته الأبويّة همزة الوصل بين الرسل وشاول، ويشهد لوقا في هذه القراءة، ولعلّه قد قابله شخصيّاً، أنّ هذا المفوض كان رجلاً صالحاً لإقامة الصّلاة بين النّاس، فكرز بالإنجيل في ملء الرّوح القدس، ولم يرفض المستمعين إذا لم يفهموا عظته مِن أوّل مرّة، بل كان يرافقهم بصبر كبير، ووثق بالله أنّه هو الّذي يكمل المبتدئين بالإيمان، ويقودهم إلى النضج في المحبّة٠
هكذا فرح برنابا فرحاً كبيراً، لمّا رأى الحياة الجديدة في كنيسة انطاكية، ولم ينتقد بادئ ذي بدء الضعفات، ولم يتدخّل في المشاكل والخلافات بين الإخوة، بل فرح مع المتجدّدين، واجتهد لتقوية إيمان الكلّ، ليثبتوا في ملء المسيح. وفي هذه النهضة الرّوحيّة نمت الكنيسة في أَنطاكية، لأنّ النّاس الشِّباع والخائفين مِن الموت شعروا أنّ في هذه الكنيسة قد أشرق رجاءٌ جديدٌ، وظهرت فيها عفّة حقّة في القوّة الإلهيّة غير الموجودة في الأديان المختلفة حولهم٠
الصلاة: أيّها الرّبّ نشكرك لأنّك دعوت أناساً مجهولين كثيرين في كلّ زمان إلى ملكوتك. نشكرك لإمكانية الشَّهادة فرداً لفرد حتّى في هذا الزمن، ونطلب مِنك الحكمة لنبلغ رسالة الخلاص بطريقة مفهومة وبقوّة الفرح، ليخلص كثيرون في اسمك، ويأتي ملكوتك اليوم بيننا٠
السؤال: ٥٨. بأيِّ طريقة أُسِّست كنيسةُ أنطاكية الشهيرة؟