Previous Lesson -- Next Lesson
٩ - بداية التَّبشير بين الوثنيين بواسطة اهتداء كرنيليوس الرُّوماني قائد المئة (١٠: ١ - ١١: ١٨)٠
أعمال الرسل ١:١١-١٨
١ فَسَمِعَ الرُّسُلُ وَالإِخْوَةُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْيَهُودِيَّةِ أَنَّ الأُمَمَ أَيْضاً قَبِلُوا كَلِمَةَ اللَّهِ. ٢ وَلَمَّا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ خَاصَمَهُ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ, ٣ قَائِلِينَ, إِنَّكَ دَخَلْتَ إِلَى رِجَالٍ ذَوِي غُلْفَةٍ وَأَكَلْتَ مَعَهُمْ. ٤ فَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَشْرَحُ لَهُمْ بِالتَّتَابُعِ قَائِلاً, ٥ أَنَا كُنْتُ فِي مَدِينَةِ يَافَا أُصَلِّي فَرَأَيْتُ فِي غَيْبَةٍ رُؤْيَا, إِنَاءً نَازِلاً مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مُدَلاَّةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ مِنَ السَّمَاءِ فَأَتَى إِلَيَّ. ٦ فَتَفَرَّسْتُ فِيهِ مُتَأَمِّلاً, فَرَأَيْتُ دَوَابَّ الأَرْضِ وَالْوُحُوشَ وَالزَّحَّافَاتِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ. ٧ وَسَمِعْتُ صَوْتاً قَائِلاً لِي, قُمْ يَا بُطْرُسُ اذْبَحْ وَكُلْ. ٨ فَقُلْتُ, كَلاَّ يَا رَبُّ, لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فَمِي قَطُّ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ. ٩ فَأَجَابَنِي صَوْتٌ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ, مَا طَهَّرَهُ اللَّهُ لاَ تُنَجِّسْهُ أَنْتَ. ١٠ وَكَانَ هَذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ, ثُمَّ انْتُشِلَ الْجَمِيعُ إِلَى السَّمَاءِ أَيْضاً. ١١ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَالٍ قَدْ وَقَفُوا لِلْوَقْتِ عِنْدَ الْبَيْتِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ مُرْسَلِينَ إِلَيَّ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ. ١٢ فَقَالَ لِي الرُّوحُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ. وَذَهَبَ مَعِي أَيْضاً هَؤُلاَءِ الإِخْوَةُ السِّتَّةُ. فَدَخَلْنَا بَيْتَ الرَّجُلِ, ١٣ فَأَخْبَرَنَا كَيْفَ رَأَى الْمَلاَكَ فِي بَيْتِهِ قَائِماً وَقَائِلاً لَهُ, أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً, وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ, ١٤ وَهُوَ يُكَلِّمُكَ كَلاَماً بِهِ تَخْلُصُ أَنْتَ وَكُلُّ بَيْتِكَ. ١٥ فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ, حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضاً فِي الْبَدَاءَةِ. ١٦ فَتَذَكَّرْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ, إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. ١٧ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَعْطَاهُمُ الْمَوْهِبَةَ كَمَا لَنَا أَيْضاً بِالسَّوِيَّةِ مُؤْمِنِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ, فَمَنْ أَنَا. أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللَّهَ.. ١٨ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ سَكَتُوا, وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللَّهَ قَائِلِينَ, إِذاً أَعْطَى اللَّهُ الأُمَمَ أَيْضاً التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ.٠
صنع روح الله ببطرس عجائب بارزة، أوّلاً شفاء الأعرج في لدّة، ثانيّاً إقامة الميّتة في يافا. فهل مِن مزيد على ذلك؟ نعم خلاص الأمم المحتقرة بالنّعمة فقط، فهذا كان القمّة في تطوّر جريان قوّة الله، وقد فتح الله في نعمته، بواسطة الأعجوبة في قيصريّة، الباب للأمم، ليدخلوا ملكوت الله بدون ممارسة الختان، وبدون الدروس الشريعيّة، وبدون علاقة بسلسلة الأسباط، وبدون عبوديّة لطقوس الهيكل؛ فروح المسيح خلّص أناساً بكلّ حريّة، وحقّق فيهم خلاص الصّليب جهراً. وهذه الحادثة الّّتي وقعت في قيصرية، كانت رسميّاً بداية تبشير العالم، والانفصال الجهري بين تاريخي العهدين القديم والجديد٠
وكان هذا سبباً لتزعزع كثير مِن المسيحيين مِن الأصل اليهودي، فتجمّدت عقولهم، وفار دمهم، واغتاظوا مفكّرين أنّ بطرس أسرع وباع امتياز إسرائيل إلى أعضاء القوّة الاستعماريّة. فأين الختان رمز عهدنا مع الله؟ وأين الاقتصار على اختيار ذرّية الأسباط الاثني عشر فقط؟ وأين المتطلبات العديدة مِن الشريعة؟ فإن سمع رئيس الكهنة والفرّيسيون أنّنا قد أدخلنا وثنيّين بدون شريعة للعهد مع الله، فسوف يلعنوننا ويضطهدوننا مرّة أخرى، فثار الإخوة وهيّجوا الكنيسة الأصليّة في أورشليم٠
ولمّا رجع بطرس إلى القدس، نشب خلاف عنيف بين المؤمنين، وانشقّوا فريقين، أوّلهما النّاموسيّون (الشريعيون) المتمسّكون بأحرف الشريعة، وثانيهما بطرس والشهود الستّة، الّذين رافقوه مِن يافا إلى قيصرية. فالتقليديون لم يشتكوا على بطرس لأنّه بشّر الأمميين، ولم ينزعجوا مِنه إذ قبلهم برمز المعموديّة في الكنيسة؛ بل اشتكوا عليه لأنّه لم يختن المتجدّدين، ولم يهوّدهم، وأكل مع غير المختونين، وعاشرهم كأنّهم عائشون في العهد نفسه مع الله، كما هو حالُ المختونين المختارين٠
لم يقاوم بطرس إِخوتَهُ المتعصِّبين، لأنّه كان قبلاً غليظاً عنيداً مثلهم، حتّى أنّه عارض أمر الله في الغيبوبة بقوله، لا ألمس شيئاً دنساً. ولكنّ الأمر المكرّر ثلاثاً: ما طهَّره الله لا تُدنِّسْه أنت، كسر فهم الشَّريعة عند بطرس، وسحق معارضته المستكبرة. وأخيراً رأى بطرس كيف أنّ كلّ هذه الحيوانات الوسخة رُفِعت إلى السّماء، ولم تُلفَظْ إلى الأرض والبحر، وذلك رمزاً لاعتبار الله أن النَّجِسين هم طاهرون لأجل المسيح، وأدخلهم أفواجاً إلى السّماء. وقد اختبر بطرس معاني هذه الرؤيا بواسطة اختباراته مع كرنيليوس، وفهمها فهماً واضحاً، وشهد لإخوته أنّ الله اختار النّاس كلّهم وخلّصهم قدّسهم، وليس أعضاء العهد القديم فقط؛ والقدّوس طهّر كلّ إنسان بدم المسيح.فالنّعمة أعظم مِن عقولنا، وأوسع مِن شريعتنا، وأرحم مِن قلوبنا٠
وأعطى بطرس مِن نفسه حساباً لكلّ مَن طلب مِنه توضيحاً، رمزاً أنّه لم يكن السلطان المطلق في الكنيسة يعمل ما يشاء، بل جاوب الغُيُرَ بتواضع، وأراهم كيف أنّ الرّوح القدس أكّد عليه الذهاب إلى كرنيليوس، وأنّ ملاك الرّبّ أمر قائد المئة أن يستدعي بطرس رسول الخلاص إلى بيته٠
لم يتصرّف بطرس بشيء مما لم يؤمر به، بل تكلّم وبشّر المستمعين فقط. وعندئذٍ حدث الأمر العجيب، أنّ الرّوح القدس انسكب على الوثنيين المستمعين، كما انسكب مِن قبل على اليهود المنتظرين المصلّين. وأبرز بطرس في مدافعته، أنّ موهبة الله أُعطِيت للإيمان بالمسيح، كما حدث في قيصرية، ومثلما حصل للرسل أنفسهم قبل ذلك، فلا قيمة لأعمال الشريعة ولا للختان، لأنّ قبول الرّوح القدس هو نعمة فقط ليس إلاّ.وأثبت بطرس خدمته بطريقة أقوى مما قاله، أنّه لا يقدر أن يمنع الله إذا أعطى روحه للمؤمنين بالمسيح، فلو شاء بطرس تحوير مقاصد الله، لكان ذلك مستحيلاً. فكان إثبات بطرس نوعاً مِن التنكيت والاستهزاء بالناموسيين (بالشريعيين) المتعصبين، ولكنّ مقدام الرسل حاول تخليصهم أيضاً ونجح بعظته لهم، إذ سكت المشتكون أمام محبّة الله العظيمة إلى حين٠
وعندئذ ابتدأت تسابيح الحمد بين أكثريّة الرسل، وعمّ الشُّكرُ الشُّيوخَ لأجل هذا التطوّر الجديد، حيث أصبح النّاس يخلصون بدون شروط الشريعة اليهودية، وإِنَّما بالإيمان بالمخلّص وحده، ويحصلون على الرّوح القدس بواسطة الاستماع للإنجيل وحده. فتعظيم الله كان كبيراً، لأنّ الرّبّ نفسه فتح الباب لتبشير العالم بواسطة بطرس مقدام الرسل٠
الصلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لتدخّلك في سيرة تاريخ الكنيسة، بواسطة إعلاناتك المجيدة لاستفانوس وبولس وبطرس. نعمتك هي الّتي مهّدت التبشير للأمم ونفّذته. فإنّك ستكمل عملك المجيد، وتدعو شعباً لا يُحصى مِن كلّ الأمم وتقدّسه، وتحفظه إلى يوم مجيئك القريب. تعال أيّها الرّبّ يسوع، وعلّمنا أن نبشّر إلى ذلك الحين، في إرشاد وقوّة روحك القدّوس، بالحكمة والاجتهاد، تمجيداً لاسمك الجليل، آمين٠
السؤال: ٥٧. لِم تخاصم النَّاموسيُّون (الشريعيون) مِن المسيحيين مع بطرس؟