Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الرابع النّور يغلب الظلمة (١٨: ١- ٢١: ٢٥)٠
٣- المحكمة المدنية أمام الوالي الروماني (١٨: ٢٨- ١٩: ١٦)٠
ب- التخيير بين يسوع وباراباس (١٨: ٣٨- ٤٠)٠
٣٨ وَلَمَّا قَالَ هَذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ, أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. ٣٩ وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِداً فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ.. ٤٠ فَصَرَخُوا أَيْضاً جَمِيعُهُمْ, لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ. وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصّاً٠
تيقّن بيلاطس مِن صدق يسوع وانّه ليس خطراً. فخرج إلى اليهود المنتظرين خارجاً، وشهد جهراً ببراءة المتهم. وكلّ الأناجيل تثبت هذه الحقيقة انّ يسوع كان بلا خطيئة حسب الشريعة الدينية وحسب القوانين المدنية. فلم يقدر أحد أن يثبت عليه خطأ. وأعلى ممثّل للسلطة المدنية اعترف رسميّاً ببراءة يسوع. وأراد بيلاطس أن يتخلّص مِن هذا الإنسان الغريب يسوع. وتمنّى بنفس الوقت ارضاء اليهود أيضاً. فاقترح عليهم اطلاق الأسير على أساس العادة بالعفو عن واحد مِن المحبوسين اليهود كلّ عيد فصح. وساير بيلاطس تخطيط رئيس الكهنة، إذ سمّى يسوع باستهزاء ملك اليهود. فلو تركه، وهو الوالي الروماني، لفقد يسوع شعبيته الوطنية، لأنّه لم يحرّر أمته مِن الاستعمار، فيعتبرونه عميلاً لا وطنيّاً. لكنّ رؤساء الكهنة والشّعب المترقّب جنّوا عندما سمعوا اللقب ملك اليهود، فرفضوا هذا النوع مِن الملوك رفضاً باتاً. فلقد كان قصدهم مخلّصاً بطلاً مصارعاً ورجل سلطة وعنف. فاختاروا باراباس المجرم، مفضلين رجل الخطيئة على قدّوس الله الوديع٠
ج- جلد يسوع وجلبه أمام المشتكين عليه (١٩: ١- ٥)٠
١ فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. ٢ وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ, وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ, ٣ وَكَانُوا يَقُولُونَ, السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ. وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ٠
لقد كان على بيلاطس، أن يطلق يسوع حراً، ويقبض على المشتكين عليه. ولم يعمل ذلك الواجب، بل لوى الحقّ وفتّش على حلّ وسط آخر. فأمر بجلد يسوع ظلماً. فهذه العقوبة الرومانية كانت مريعة مهلكة، لأن سيور السوط حوت في طولها قطعاً مِن عظام ورصاص محدّدة تقطع قطعاً. فلَمّا أخذ الجند بأيديهم الخشنة يسوع، وربطوه على عمود، وظهره عار وانهالوا عليه ضرباً، فتسبّب عن ذلك كشط جلدة ظهره، وتمزيق لحمه حتّى الضلوع. وهذه الأوجاع قاسية إلى درجة لا ينطق بها. وكثير مِن المعذّبين كانوا يموتون أثناء جلدهم. ويسوع البريء الوديع القدّوس تألم كثيراً في جسده ونفسه. فطريقه انحنى إلى الأسفل سريعاً. وأخذ الجند يسوع الممزّق ليسخروا منه مغيظين ومستهزئين. وكان الجنود يعيشون في خوف مِن عصابات اليهود، ولا يتجاسرون على التطواف أثناء الليالي. فإذ وقع في أيديهم الّذي يقال عنه ملك اليهود فلا بدّ أن ينتقموا منه. فهكذا انصبت عليه كلّ أحقادهم الّتي ضدّ الشعب. وهكذا ركض أحد العساكر وقطع بسيفه عثّاكلّ مِن الشوك قضباناً. وصنع منها اكليلاً، ووضعه على رأس يسوع المنجرح، وضغط الاكليل الشوكي حتّى انغرز عميقاً في رأسه. وآخرون أتوا برداء قديم مِن لباس الضباط، ولفّوه به. فامتزج دمه بلون الرداء الأرجواني حتّى بان يسوع كلّه دماً. وفوق هذا لطمه وضربه المندفعون بوحشيتهم. وبعضهم سجد له، كانّما يهيئون الملك لساعة تتويجه. وبما انّه بين هؤلاء الجنود أفراد ممثلون لسائر الشعوب الأوروبية، فقد اشترك كلّ العالم عمليّاً بالاهانة والتجذيف على حمل الله٠
٤ فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ, هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. ٥ فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوَانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ, هُوَذَا الإِنْسَانُ٠
طالع بيلاطس ملفّ يسوع سابقاً، وعلم انّه بريء. فخرج هذا الوالي لثالث مرّة إلى رؤساء اليهود المرائين كأنه لصيق بهم، لكيلا يغضبوا وليحفظهم في علاقة طيبة معه. وأعدّهم للمقابلة مع يسوع. وشهد لهم للمرّة الثانية انه لم يجد فيه علة. وأراد أخيراً إجراء المقابلة بين يسوع واليهود مواجهة، ليظهر الكذب ويستبين الحقّ. فأتى بيسوع بعدئذ مدفوعاً مِن الجند وآثار الضربات والتمزيق عليه ودماؤه سائلة، وعلى رأسه اكليل الشوك. وحول كتفيه رداء أرجواني أحمر مبتل بدمه الكريم. وما آلم صورة البؤس! يسوع كالمسكين وقف بين الرجال اللابسين لباساً فخماً، وبين الجدران والأعمدة المرمرية الصمّاء٠
أتدرك حمل الله، رافعاً خطيئة العالم؟ هل ترى ربّ المجد ممسوكاً ومجروحاً لأجلنا؟ ادإن اتّضاعه ارتفاعه لأنّ محبّته العظيمة ظهرت في صبره الفائق. فوقف أمام ممثلي البشر الشرقيين والغربيين، مستهزءاً به ومظلوماً ومتوّجاً بالشوك. وكلّ تيجان العالم بجميع جواهرها المتلألئة لا تقاس بشيء أمام تاج يسوع الشوكي المرشوش بدمه، الّذي طهّر خطايا كلّ النّاس. وبيلاطس رغم انّه أغلظ النّاس قلباً، تأثّر مِن صورة يسوع هذه. لم ير حقداً في وجهه، ولا سمع لعنة مِن فمه. صمت يسوع. وصلّى في صميمه إلى أبيه. وبارك أعداءه. وحمل خطايا مبغضيه. فنطق الوالي مضطرباً: هوذا الإنسان! لقد شعر بجلال يسوع وكرامته ومحبّته. واعترف هذا الروماني بهذه الكلمة، كأنّه يقول: المسيح هو الإنسان الوحيد، الّذي يحمل صورة الله في جسده. فرحمته ورثاؤه أشعّت منه حتّى وهو في ساعة خطر الموت. فالقوّة للثبات في الإنسانية الإلهيّة كانت دائماً كامنة فيه، لأنّ الكلمة صار جسداً، وقداسته اضاءت حتّى وهو في ضعفه وتمزيق جسده. فلم يتألّم يسوع لأجل ذاته بل لأجل خطيئتي وخطاياك وذنوب كلّ النّاس لأنّه بريء٠
د- خوف بيلاطس مِن ألوهية يسوع (١٩: ٦- ١٢)٠
٦ فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا, اصْلِبْهُ. اصْلِبْهُ. قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ, خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ, لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً. ٧ أَجَابَهُ الْيَهُودُ, لَنَا نَامُوسٌ (شريعة), وَحَسَبَ نَامُوسِنَا (شريعتنا) يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ, لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ٠
كانت ساعة الجلد والاستهزاء طويلة. فانقضّ كثير مِن الجماهير عن باب دار الولاية. لكن رؤساء الكهنة والشيوخ وخدّام الهيكل لم يلينوا أو يتراجعوا، بل تربّصوا حاقدين. وتعاهدوا أن يطلبوا اماتة يسوع حالاً، بصراخ وهياج وشغب عنيف. فلَمّا رأوا يسوع فار غيظهم جميعاً، لأنّه حتّى الّذين كانوا يميلون إليه، أدركوا بهذا المشهد أنّ هذا المجلود ليس رجل الله بل متروكاً منه. فالعلّي سمح للأمم النجسة أن تمزّقه! ولم يقم يسوع بأعجوبة خلاصية لينجّي نفسه. فضعفه ظهر لهم برهاناً لذنبه. واعتبروه كذاباً مضلاً مجدفاً. فطلبوا بصوت واحد مِن بيلاطس قتله أشنع قتلة، تلك المختصّة بالمجرمين والعبيد الفارين. وأخرجوه بهذا الطلب مِن شركة أمّتهم والمساهمة في البركة الإلهيّة وأسلموه إلى آخر عمق العار٠
كانت ساعة الجلد والاستهزاء طويلة. فانقضّ كثير مِن الجماهير عن باب دار الولاية. لكن رؤساء الكهنة والشيوخ وخدّام الهيكل لم يلينوا أو يتراجعوا، بل تربّصوا حاقدين. وتعاهدوا أن يطلبوا اماتة يسوع حالاً، بصراخ وهياج وشغب عنيف. فلَمّا رأوا يسوع فار غيظهم جميعاً، لأنّه حتّى الّذين كانوا يميلون إليه، أدركوا بهذا المشهد أنّ هذا المجلود ليس رجل الله بل متروكاً منه. فالعلّي سمح للأمم النجسة أن تمزّقه! ولم يقم يسوع بأعجوبة خلاصية لينجّي نفسه. فضعفه ظهر لهم برهاناً لذنبه. واعتبروه كذاباً مضلاً مجدفاً. فطلبوا بصوت واحد مِن بيلاطس قتله أشنع قتلة، تلك المختصّة بالمجرمين والعبيد الفارين. وأخرجوه بهذا الطلب مِن شركة أمّتهم والمساهمة في البركة الإلهيّة وأسلموه إلى آخر عمق العار٠
ما أحبّ بيلاطس في تلك الأيام الشغب في أورشليم. وما أراد كذلك أن يقتل قتلاً غير شرعي، لكيلا يستطيع اليهود امساكه مِن أيّ جهّة. فقال لهم متخلّصاً بكلّ سهولة: خذوه أصلبوه. أنا لا أحاججكم به، ولا أقول شيئاً. إنّما مِن جانبي، فأنا على يقين مِن براءته. وهكذا اعترف بيلاطس للمرّة الثالثة جهراً، انّ يسوع بريء وبلا لوم. وبهذا الاعتراف حكم بيلاطس على ذاته بالذنب، لأنّه ما كان له الحقّ بجلد أسير لديه بريء. وعلم اليهود آنذاك، أن الحقّ ما كان يسمح لهم بقتل إنسان، ولعلّ بيلاطس يعود فيداعيهم ويقاصصهم بسبب ذلك، رغم كلماته اللطيفة معهم. والناموس (الشريعة) اليهودي ما كان يحكم بالصلب، لأنّ البرية لا أشجار فيها، بل انّهم كانوا يقتلون المجرمين بالرجم، إذ الحجارة متوفرة كثيراً. وقد جعل الناموس (الشريعة) قلوب اليهود قاسية، حتّى لحفوا أنفسهم بوصاياه ضدّ نور الله الحقيقي. فأبغضوا يسوع، لأنّه قد أعلن لهم سابقاً بنوته لله. فلو كان هذا الممزّق الّذي أمامهم ابن الله، لأضاءت حوله هالة مجده كملاك. لكن منه نزف دم ظاهر، صورة المسكنة والعار. وكان الشيوخ يعلمون انّه في حالة صدق بنوة المسيح لله، ينبغي عليهم الخضوع والسّجود له حالاً. ولهذا طلبوا صلبه رأساً برهاناً لعدم ألوهيته الظاهرة في العذاب واللعنة الواقعة عليه. فيتبرّرون هم بواسطة موته، ليس فداء بدمه الكفاري، بل بابادته الّتي ما منعها الله٠
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع، نشكرك لآلامك وعذابك واحتمال ضربات السياط. ونسبّحك لأجل صبرك ومحبّتك وجلالك. أنت ملكنا. ساعدنا لنطيعك. وعلّمنا مباركة الأعداء والرحمة للمبغضين. ونحمدك لأنّ دمك يطهّر ذنوبنا. نحن شعبك يا ابن الله. ثبتنا في قداستك لنسلك في رحمتك شكراً لآلامك٠
السؤال: ١٠- ماذا نتعلّم مِن صورة المسيح المجلود الحامل رداء الأرجوان وتاج الشوك؟