Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثاني النّور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه (الاصحاح ٥: ١- ١١: ٥٤)٠
ثالثاً: السفرة الأخيرة إلى أورشليم (٧: ١- ١١: ٥٤)٠
وموضوعها انفصال الظلمة عن النّور
٤- اقامة لعازر ونتائجها (١٠: ٤٠- ١١: ٥٤)٠
ب- التقاء يسوع بمرثا ومريم (١٠: ١٧- ٣٣)٠
١٧ فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ. ١٨ وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشَرَةَ غَلْوَةً. ١٩ وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا٠
أشممت مرّة ميتاً مضت عليه أربعة أيام؟ فصار متفسّخاً ومنتناً كثيراً. هكذا مضى على لعازر أربعة أيام، وهو موضوع في القبر. فقد دفنوه بنفس اليوم الّذي مات فيه، ووصل خبره إلى يسوع في اليوم ذاته. فما كانت جدوى لمجيء المسيح سريعاً إلى صديقه بعد أن صار جثّة في القبر. فموته كان محقّقاً لا ريبة ولا أمل فيه٠
وبيت عنيا كانت على الجهة الشرقية لجبل الزيتون في اتجاه وادي الأردن البالغ عمقه الألف متر. وفي أسفله البحر الميت الشهير. وخلف جبل الزيتون باتجاه الغرب وعلى مسيرة ثلاثة كيلومترات، هي ذي أورشليم منتصبة على تلّة يفصلها عن ذلك الجبل وادي قدرون. وجاء إلى بيت المتوفى أصدقاء كثيرون ورتّلوا وبكوا وحلشت النساء شعرهن ولطمن صدورهن. فتفاقم الحزن أكثر، لأنّ لعازر كان العائل الوحيد لأختيه العازبتين. وكانت الدموع غزيرة، فاشتركت النفوس بهذا اليأس الأليم. وقد خيم شبح الموت على كلّ المجتمعين منتظراً ابتلاعهم أيضاً إلى حين٠
٢٠فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاَقَتْهُ, وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْتِ. ٢١ فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ, يَا سَيِّدُ, لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. ٢٢ لَكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ. ٢٣ قَالَ لَهَا يَسُوعُ, سَيَقُومُ أَخُوكِ. ٢٤ قَالَتْ لَهُ مَرْثَا, أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ, فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ٠
لَمّا سمعت مرتا بقدوم يسوع انطلقت مِن البيت، وأسرعت نحوه متلهفة وهي تفكّر بحزن أنّه لو كان حاضراً ساعة موت أخيها، إذا لمنع المسيح الشبح المخيف مِن صيده ولقلب بكلمته مرض الموت. فاعترفت مرتا بإيمانها هذا، لَمّا قابلت الربّ. ومع ذلك فهي موقنة بقدرته غير المحدودة لهذا لم تغرق في حزن الموت أمامه طويلاً، بل وثقت بيسوع انّ قوّته ستقبض على الموت. فلم تتكهن ماذا وكيف سيصنع الرّبّ، لكنّها آمنت بسلطانه المطلق بلا قيد ولا شرط. وهي مؤمنة بالرابطة الّتي تربط الله بيسوع، حتّى انّها اعترفت باستجابه الآب لصلوات ابنه يسوع دائماً. وجاوب يسوع على شهادة إيمانها رأساً، بوعده العظيم: سيقوم أخوك. فما فهمت مرتا قصده مِن هذه الكلمة في أعماقها تماماً، بل اعتبرتها وعداً منه ان أخاها لن يسقط في العدم، لكنّه سيقوم مع كلّ الأموات في اليوم الأخير إلى الدينونة العادلة. فلم تبق مرتا عديمة الرجاء، لأنّها كانت تعلم أنّ الموت ما هو النهاية. إنّما القيامة إلى الحياة الأبديّة هي ما ينتظر المؤمنين٠
٢٥ قَالَ لَهَا يَسُوعُ, أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا, ٢٦ وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا. ٢٧ قَالَتْ لَهُ, نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ, الآتِي إِلَى الْعَالَمِ٠
قال يسوع لمرثا المؤمنة على مسمع مِن تلاميذه تلك الآية العظيمة، انّ القيامة آتية لا ريب فيها. وها هي ذي الآن في شخصيتي. ليس انّكم ستقومون في يوم القيامة الأخيرة، بل تقومون اليوم بحضوري فعلاً. فانّي ممتليء الحياة، وحامل قيامتكم في ذاتي. أنا الخالق والمحيي. ومنّي يخرج الرّوح القدس إليكم، الّذي لا يخلق مِن العدم حياة قابلة للموت، إنّما يمنحكم حياة الله بالذات. أنا سأموت لأرفع خطاياكم لتنالوا الحياة الإلهيّة. فسأموت موتكم على الصليب، لكيلا يجد الموت سلطة فيكم فيما بعد. ولسوف أحقّق قيامتكم بقيامتي، لكي تدفنوا معي في الإيمان. فموتي هو موتكم وحياتي حياتكم. انّي أعيش وفيّ تعيشون أيضاً٠
والشرط الوحيد لنيل حياة المسيح هو العهد الإيماني مع يسوع. وكما ان التيار الكهربائي لا يجري في الأسلاك ليضيء اللمبة ويحرّك المحرّك إلا إذا كبست مفتاحه، هكذا تيّار حياة المسيح لا ينتقل منه إليك إلاّ إذا ارتبطت به بإيمان. فمَن يؤمن بالمسيح يحيا حقّاً٠
وكلّ مَن لا يؤمن به يبقى في الموت، وبدون رجاء، وفي اليأس والخلو مِن المعرفة الحقّة بالله. فالإيمان بالمسيح يفتح بصائرنا للآب وحياته الأبديّة. ومحبّته تغرس فينا الابتهاج والسرور والحياة والسّلام والقوّة الّتي لا تزول. والانسان الممتليء بحياة المسيح لا يموت، لأنّ روح الله أبدي. وهذا الرّوح هو الّذي يتمركز في قلوب المؤمنين بالمسيح٠
لم يلق يسوع خطاباً مثيراً معلناً انتصاره على الموت بعد حادثة إقامته لعازر بل قبل ذلك، لأنّه هدف تحقيق القيامة الرّوحية في الحضور، ليقوموا مِن عدم الإيمان والموت في الخطايا، بواسطة ثقتهم به، قبل اجرائه الأعجوبة الكبرى. وأكّد المسيح لكلّ الأحياء بروحه أثناء عظته، انّ الموت لن يسودهم، لأنّهم اشتركوا بالإيمان في قيامته الخاصّة مسبقاً. فهل أدركت الوعد المطلق مِن فم المسيح؟ فإن آمنت به فلن تموت أبداً. لا تنظر إلى موتك المقبل، ولا قبرك المفتوح، بل حوّل أنظارك إلى يسوع، واشكره لهذا التفويض العظيم، لأنّه يثبتّك في الحياة الأبديّة٠
الصّلاة: أيّها الربّ يسوع. أنت عظيم منذ الأزل، وتثبت أبديّاً عبر القرون. ألوهيتك ممتلئة الحياة. والموت لم يجد فيك سلطة. لقد متّ موتنا، وأقمتنا بقيامتك. نسجد لك ونشكرك، لأنّك أشركتنا في حياتك، لكيلا يجد الموت سلطة فينا. نحبّك ونشكرك لتحريرنا مِن الذنب وخوف الموت. ونطلب إليك، لأجل عبيد خوف الموت أن يعرفوك ويؤمنوا بك ويحيوا٠.
السؤال: ٢٥- كيف نقوم اليوم مِن الموت؟
٢٨ وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً, قَائِلَةً, الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ, وَهُوَ يَدْعُوكِ. ٢٩ أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. ٣٠ وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ, بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. ٣١ ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا, لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ, تَبِعُوهَا قَائِلِينَ, إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ٠
لعلّ يسوع قد طلب مِن مرثا احضار مريم إليه، لكي تسمع منه بعيداً عن ضجيج الحزانى، كلمة الحقّ والتعزية، فتتقدّم إلى إيمان زائد بسلطان محبّته. إنّ المسيح ينتصر بواسطة جرأة الإيمان وليس بتشاؤم الحزن. فأراد احضار مريم المنسحقة إلى نور حضور الله، لتنعش وتنشط روحيّاً. ربّما ما كانت قد سمعت مريم بمجيء المسيح، لأنّها كانت غارقة في الحزن. ولكن لَمّا رجعت مرثا إليها وقالت لها بوضوح ان يسوع يطلبها شخصيّاً، فعندئذ أفاقت مضطربة وانطلقت لملاقاة الربّ، حتّى انّ كلّ الحضور اندهشوا لأمرها، متسائلين إلى أين انطلقت، اذاهبة هي إلى القبر لتبكي مدراراً؟ فقام الجميع وتبعوها إلى حيث كانت الجثّة مدفونة. فكان هذا الموكب صورة للحياة الدنيا الذاهبة إلى الفناء. إذ يبتلعهم اليأس والتشاؤم. إنّ كلّ فلسفة ودين وحزب، لا يقدر أن يعطي جواباً حقّاً على مشكلة الموت، فانّه لا قيمة له. فبالموت تظهر حقيقة الرجاء ومتانة تعزية المؤمنين٠
٣٢ فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ, خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ, يَا سَيِّدُ, لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. ٣٣ فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي, وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ, انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ٠
رأت مريم يسوع. وبعواطفها الشديدة ارتمت عند رجليه منكسرة مؤمنة متمرمرة. واعترفت بإيمانها وهي ساجدة، انّ يسوع قادر أن يصنع عجائب إلهيّة ولو كان حاضراً لَمّا بلغ الموت أخيهما المحبوب. ولم تسم يسوع معلّماً أمام الجماهير بل ربّاً بكلّ وضوح. كما أنّ مرتا سمتّه في حديثها معه على انفراد، الرّبّ. وهذا يدلّنا على الإيمان القوي المتحقّق في بيت الأخوة الثلاثة بأنّ الله حضر في يسوع. لكنّ الموت زعزع هذا الإيمان وجعل الأختين متقلقتين٠
ولَمّا رأى يسوع هذا الإيمان المضطرب في اتباعه الأمناء مع جهل الجماهير، انزعج آنذاك واستاء بالرّوح. وقد أبصر كيف خضع الكلّ لسلطة الموت. وتألّم لأنّ مريم المخلّصة بكت أمامه، واضطربت رغم حضور المنتصر الإلهي، فأبصر انّ العالم كلّه موضوع في الشرّير. وشعر مرّة أخرى بثقل خطيئة العالم الضاغطة على كتفيه. ورأى بروحه ضرورة الصليب وقبره المفتوح كطريق وحيد ليتغلّب على الحزن في الأموات الباكين العادمي الإيمان. واستيقن أن قيامته المزمعة أن تأتي، هي الحكم القاطع على شبح الموت وضعف الإيمان ويأس التشاؤم٠