Previous Lesson -- Next Lesson
٥ - معموديّة شاول على يد حنانيّا (٩: ٦ - ١٨)٠
أعمال الرسل ٩:٦-١٩أ
٦ فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ, يَا رَبُّ, مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ. فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ, قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ. ٧ وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ, يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً. ٨ فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ الأَرْضِ, وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً. فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ. ٩ وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ, فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ٠
١٠ وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا, فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا, يَا حَنَانِيَّا. فَقَالَ, هَئَنَذَا يَا رَبُّ. ١١ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ, قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ, وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً اسْمُهُ شَاوُلُ لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي. ١٢ وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ. ١٣ فَأَجَابَ حَنَانِيَّا, يَا رَبُّ قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ, كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. ١٤ وَهَهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ. ١٥ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ, اذْهَبْ, لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. ١٦ لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. ١٧ فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ, أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ, قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ, لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. ١٨ فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ, فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ, وَقَامَ وَاعْتَمَدَ. ١٩ وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً٠
ما كان شاول مرتعباً فقط، بل أوشك على الموت، لأنّ كلّ ما كان مهمّاً في حياته، مِن إيمان وشرف وبرّ وغيرة وإرادة، انكسر دفعةً واحدةً، حين ظهر له المقام، ففهم شاول: إنّني مخطئ، وعدّوٌ لله، وعميلٌ للشَّيطان، فكلّ ثقافتي وتقواي لم تنفعني شيئاً. أنا ثائرٌ وكافرٌ وهالكٌ، فلا يوجد سقوط أعظم مِن سقوط المدّعي بالتقوى في ذاته، مِن عليائه، إلى معرفته أنّ كلّ إنسان هو في طبيعته عدوٌّ لله٠
ولكنّ يسوع لم يُبد مضطهد كنيسته، بل أعطاه فرصة للتوبة؛ فتمتم شاول: ماذا تريد يا ربّ أن أفعل؟ ولم يكن بعدئذ شاول حرّاً، بل استغنى عن حرّيته وأصبح عبداً ليسوع، وقد وجد ربّه وخضع له طوعاً بدون قيد أو شرط إلى الأبد وربّه شفاه مِن عماه الرّوحي، وأبرأه مِن إيمانه المتجمّد بفكر الوحدانيّة فقد أدرك شاول أنّ يسوع هو الرّبّ الحيّ والإله الحقّ الواحد مع الآب والرّوح القدس٠
وهذا الرّبّ امتحن حالاً إيمان المنسحق، وأمره بالذّهاب إلى دمشق، وقبل دقائق كان شاول عازماً أن يدخل أبواب العاصمة راكباً فرساً، مصلحاً غيوراً قويّاً ولكن الآن فقد صار مترنّحاً، منقاداً مِن رفقائه المرتعبين إلى داخل أبواب دمشق، فنزل في بيت أحد الأصدقاء، الّذين تعجّبوا مِن خبر النّور البهي، الّذي أبرق حولهم في البرّيّة٠
ولم يتكلّم شاول مع النّاس، بل انعزل وصلّى وصام، ولم يرد الحياة وانفصل عن كل الأحياء، واتّجه نحو الله، ولم يشتق إلاّ للخضوع للعلي والسّلام مع الله وإطاعته إطاعة تامة فقد أدرك شاول أنّ الرّبّ يسوع حيّ، ولم يرفضه، فصلّى ملتمساً مِنه الغفران والخلاص مِن غضب الله فتعمّق في معاني القيامة مِن بين الأموات وأسرار الصّليب، وبنى نفسه على حقائق العهد الجديد٠
ويسوع يستجيب كلّ صلوات التوبة المستقيمة ووكّل رأساً مؤمناً اسمه حنانيّا، ليذهب إلى شاول ويساعده للدخول إلى الحياة فالرّبّ لم يكلّف رسولاً عظيماً أو ملاكاً بهيّاً، بل إنساناً مغموراً مؤيداً بالله وقد أعلن الرّبّ لشاول المصلّي في الوقت نفسه، مجيء حنانيّا إليه، وأنّه يضع يديه باسم يسوع على رأسه، لكيلا يرفض دخوله إليه٠
وما كان حنانيّا منشرحاً لأمر الرّبّ وتفويضه هذه المهمّة إليه، بل خاف مِن شاول، وارتجف مِن سلطته، لأنّ المؤمنين جميعاً قد علموا أنّ شاول، الشاب المتفقّه بالتوراة، كان شيطاناً مريداً، فاعلاً شرّاً كثيراً، ومضطهداً القدّيسين في أورشليم؛ فبدا مستحيلاً لحنانيّا أن يضع يديه على المتعدّي، ليحلّ فيه الرّوح القدس، مع أنّه لم يعرف يسوع حقّاً، ولم يتب توبة نصوحاً أمام الرّبّ؛ فقطع كلمة حنانيّا المضطرب، وأمره بحدّة: اذهب! فأيّها الأخ إذا دعاك يسوع وأمرك بشيء فاذهب! تكلّم! اعمل! صلّ! نفّذ فوراً أمرَ الرّبّ كاملاً.فَملكُكَ لا ينتظر طويلاً بل ينتظر مِنك الإطاعة المباشرة٠
لم يوضح يسوع لحنانيّا قصّة ظهوره لشاول وسبب تبدّله، لكنّه أَعلم المصلّي المتواضع الغايةَ مِن تعيينه شاول وإرساله؛ فقد اختاره الله إناءً للنعمة ممتلئاً بسلطان الرّوح القدس. هل فهمت كلمة النّعمة؟ لقد جعل الله مِن عدّوه رسولاً، ومِن الحاقد عليه محبّاً، وخلّص الغارق مِن عمى التعصّب والغرور، وجعله فاتح عيون الملايين روحيّاً، وأَحَلَّ الرّوح القدس في الملبوس التائب، وحرّره مِن كلّ ثقة على أسس دنيويّة، وثبتّه في النّعمة والرجاء الحيّ في المسيح. وهكذا حمل شاول اسم يسوع في كيانه، واعترف به بشفتيه وقلبه وذهنه، وعقله كان ممتلئاً باسم يسوع؛ فصار شاول شحناً ممتلئاً بهذا الاسم الفريد، فهل أدركت مَن هو المسيحي الحقّ؟
إِنَّهُ ذاك الّذي يظهر فيه المسيح قولاً وسلوكاً، عفّةً وحقّاً، برّاً وقوّة. فهل يشرقُ المسيح في حياتك جليّاً؟
وكان على بولس أن يشهد للمسيح أمام الملوك والأمراء والولاة، مُقيَّداً كربِّه ومنقاداً بحرّاس. وربّه أرسله أيضاً إلى اليهود المتغرّبين. فكان بولس منشقّاً في محبّته بين الوثنيين وأبناء أمّته، وتألّم قلبه مِن جهالة الأوَّلين، ومِن غيظ الآخرين. والّذي يقرأ رسائله، يدرك بأيّ مقدار تعذّب بولس لأجل اسم يسوع؛ ومع ذلك لم يتفاخر لأجل تألّمه، لأنّه أدرك أن ليس له مكافأة أو استحقاق، إلاّ النّعمة وليس إلاّها٠
وسمع حنانيّا متعجّباً إعلان الرّبّ عن مستقبل شاول. وآمن وذهب ولعلّه استفهم عمّا حدث لشاول في الطريق، لأنّه كلّم الأعمى باسم الرّبّ، الّذي ظهر له على الطريق. وهذا الرّبّ يسوع جعل مِن حنانيّا عدوّه أخاً له، فنعمة المسيح تغيّر النّاس تماماً، وتصلح الأخصام جاعلة إيّاهم إخوة في عائلة محبّة الله.وعرف حنانيّا المصلّي، أن الرّبّ يسوع لم يرسله إلى شاول ليفتح عينيه الجسديتين فقط بواسطة قوّة وضع الأيادي على رأسه، بل علم أنّ غاية هذه المعاملة الطقسيّة هي الامتلاء بالرّوح القدس، وحلول الغفران، وتحقيق السّلام مع الله والتفويض للخدمة، والتقوية للمحبّة في سلطان التواضع. فلم يستطع بولس أن يخرج هذه الفضائل مِن نفسه، ولا مِن ثقافته ولا مِن عنصريّة قومه، بل إِنَّ المسيح أرسل إليه أخاً بسيطاً ممتلئاً بالرّوح القدس، لكيلا يتفاخر أحد٠
وعندئذ وضع حنانيّا غير المثقّف يديه على رأس شاول الفقيه، وفي الحال أبصر الأعمى، وامتلأ طالب الله بروح الرّبّ. ولا يستطيع إنسان أن يفسّر هذه اللحظة في تاريخ بولس إلاّ بما قاله لوقا الطبيب، إنّه وقع مِن عينيه شيء كأنّه قشور، فأدرك فجأة أنّ الديان الأزلي هو أبوه السماوي، والمصلوب المحتقر هو حمل الله الوديع، وأنّ الرّوح القدس هو محبّة الله بالذات، والمسيح المقام هو رجاء المجد المنتظر الآتي قريباً. ففي هذه اللحظة تحقّق خلاص المسيح في التائب، فصار قلبه منوّراً كمصباح كهربائي قد أنير في قبو دامس٠
وبعد معموديته بالرّوح القدس، مارس شاول معموديّة الماء أيضاً، لأنّه أراد إطاعة كلّ كلمات المسيح. وشهد أمام أعضاء الكنيسة و العالم كلّه، أنّه ترك الحياة القديمة والمذهب الجامد، وقد دخل إلى الحياة الأبديّة، وثبت في العهد الجديد؛ فاعتبرَ شاول ماضيه قد دُفن، وقام إنسان جديد اسمه بولس الصغير.
ونقرأ بعدئذ شيئاً مفرحاً، أنّ المفدي لم يبتدئ بتسابيح حماسيّة، ولم ينفجر بشلال التكلّم بالألسنة، بل طلب أكلاً عاديّاً وتغذّى جيداً، لأنّه صام ثلاثة أيام بلياليها. ولم يشرب شيئاً. ولكن بعد ما تصالح مع الله، صحّ جسده ونفسه في تيّار الرّوح القدس، وصار إنساناً عاديّاً ولم يكمل بولس مسيره بزهد وتقشف، بل أكل وشرب وعاش لربّه الحيّ٠
الصلاة: أيّها الرّبّ يسوع، نشكرك لأنّك أرسلت حنانيّا لتملأ شاول بوضع الأيادي بالرّوح القدس. قدنا إلى التوبة الحقّة والرّجوع إليك بصدق، لكي يملأنا روحك المتواضع، ونصبح شاحنات مفعمة باسمك وفضائلك. آمين٠
السؤال: ٤٧. ماذا يعني امتلاء شاول بالرّوح القدس؟