Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الثاني النّور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه (الاصحاح ٥: ١- ١١: ٥٤)٠
ثالثاً: السفرة الأخيرة إلى أورشليم (٧: ١- ١١: ٥٤)٠
وموضوعها انفصال الظلمة عن النّور
١- كلمات يسوع في عيد المظال (٧: ١- ٨: ٥٩)٠
ج- الناموسيون (الشريعيون) يأتون بالزانية إلى يسوع ليحاكمها (٨: ١- ١١)٠
١ أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. ٢ ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ, وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. ٣ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ ٤ قَالُوا لَهُ, يَا مُعَلِّمُ, هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ, ٥ وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ (الشريعة) أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ. ٦ قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ, لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ٠
انطلق أعضاء المجلس غاضبين إلى بيوتهم، لأنّ يسوع أفلت مِن بين ايديهم. فاعتقدت الجماهير أنّ الرؤساء قد سمحوا ليسوع بحرّية التكلّم في الهيكل لتصديقهم به أو عدم تيقنهم مِن أمره. وبالحقيقة فانّ الأعضاء تابعوا التجسّس على يسوع لايقاعه في الفخ. فكان يسوع يغادر كلّ مساء أسوار المدينة، مجتازاً وادي قدرون المعتبر نجساً بقبوره وأكوام أوساخه المنتنة، وينام مع تلاميذه في كهوف جبل الزيتون. وما كان يتقدّم الجنود إلى تلك المنطقة ليلاً، خيفة مِن أرواح الأموات. أمّا يسوع فهو الحياة والنّور في ذاته الظافر على كلّ السلطات المستترة، لأنّه كان مضموناً في الله الآب٠
وعاد يسوع في اليوم التالي إلى وسط المدينة، ودخل الهيكل المزدحم بالنّاس. فلم يهرب يسوع مِن العاصمة بانتهاء عيد المظال، بل أخذ يتجول بجرأة بين أعدائه. وكان الفرّيسيون آنذاك يلاحقون المخالفات الناموسية (الشريعية) في الأمة كبوليس الأخلاق، وخاصة في ذلك العيد الممتليء بالفرح والخمر. وقد كمشوا امرأة تزني، فتبادر إلى خاطرهم لأوّل وهلة، ان يجربوا يسوع بها. فينكشف إن كان يميل إلى الشعب السافل أكثر مِن الناموس (الشريعة) المقدّس. فإن تساهل في أمرها وبرّر ارتكابها الزنى، يظهر أمام الله والنّاس مضلاً نجساً ومهلكاً تقاليد الأمة الدينية. وعندئذ يستحق الحكم رجماً. وان تمسّك بالناموس (بالشريعة) ورجم الزانية، فيبرهن انه يدين طيش وليونة الشعب. وهكذا يفقد شعبيته، لأنّ حكمه على الزانية يعني الحكم على الشعب كلّه، إذ كلّ إنسان موصوم بالخطأ. وهكذا اتوا بها وأقاموا أمامه، ليرى حكمه فيها٠
٦ وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. ٧ وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ, انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ, مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّئةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ. ٨ ثُمَّ انْحَنَى أَيْضاً إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. ٩ وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ, خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً, مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ٠
لَمّا اشتكى الفرّيسيون على الزانية أمام يسوع وهو خالق الكون، انحنى على الأرض، وكتب باصبعه في التراب. ولا نعلم ماذا كتب. فلربّما كان يعطي لأعدائه وقتاً للتفكير، انّهم واقفون أمام القدّوس المحب. ولربّما كتب لب وصيته الجديدة بكلمة واحدة وصورها في تراب الأرض: المحبّة. ولكن الشيوخ لم يفهموا تباطؤه. ولم يلاحظوا انّ ديان العالم الصبور استعد ليصيبهم في صميمهم. فالحوا عليه لينطق بكلمة حاسمة، مستهزئين في قلوبهم لظنهم، انهم قد ورطوه في مهلكة، لا يستطيع النجاة منها. وإذ ذاك انتصب يسوع ونظر إليهم بحزن ورحمة وقداسة. ان نظره كان نظر الله. وكلمته هي الحق، ولا ريب فيه. فقال حكمه القاطع: الّذي هو فيكم أيّها القادة والشيوخ والرؤساء بلا خطيئة، فليبدأ بالقاء الحجر الأوّل عليها٠
ما بدّل يسوع حرفاً مِن الناموس (الشريعة) وما غيره، بل أكمله تماماً. ولا شك أن الخاطئة استحقت الموت. وهذا ما اثبته يسوع جليّاً، لأنّه وافق مبدئيّاً على استحقاقها الرجم. انّ الله قدّوس. فانّك تستحقّ لأجل نجاساتك الرجم اليوم٠
وما دان يسوع الزانية فقط بل الأتقياء أيضاً. وهكذا طلب إليهم، أن يبرهنوا على براءتهم بابتدائهم برمي أوّل حجر. وبهذا الأمر مزّق الأقنعة التقوية مِن على وجوه المتعصّبين. فليس أحد صالحاً مِن تلقائه. ولا إنسان خال مِن الخطايا. كلّنا ضعفاء، مجربون ساقطون. فلا فرق أمام الله، بين خاطيء ومتظاهر بالتقوى، لأنّ الجميع زاغوا وفسدوا وأصبحوا أشراراً في طبيعنهم. ومَن يتجاوز وصيّة واحدة، فقد كسر الناموس (الشريعة) كلّه، وأصبح مستحقّاً الهلاك حالاً. وكلّ الشيوخ والناموسيين (الشريعيين) كانوا يذبحون للتكفير عن خطاياهم حيوانات في الهيكل. واعترفوا بهذا ضمناً بانهم خطاة. فأصابتهم كلمة يسوع في ضمائرهم. لقد أرادوا القبض على الناصري. فانقلبت الآية، وإذا به يكشفهم ويدينهم ويوقعهم في الفخ الّذي أرادوا أن يوقعوه فيه. وبنفس الوقت حافظ يسوع على الناموس (الشريعة) ورفعه عاليّاً. فاحنى المشتكون رؤوسهم شاعرين انهم واقفون أمام ابن الله، مرتجفين مِن قداسته ومتزعزعين في قلوبهم. وكلّهم رأوا ذنوبهم وهلاكهم واقعاً٠
نطق يسوع بجملته الفريدة ولم يزد عليها. ثم تابع كتابته على الأرض. لقد انحنى الله إلى الأسفل، إلى وساخات البشر. فمحبّته وحقّه يترافقان معاً. وترك يسوع في أرضنا آثاراً تفيض رحمة وقداسة. والحضور الّذين شاهدوا المساجلة بين يسوع والفرّيسيين، ارتجفوا أيضاً ونخزوا في قلوبهم مِن سلطانه. فعاصفة الرّوح القدس طردتهم مِن أمام ربّ المجد. وأدرك الشيوخ قبل غيرهم ازدراءهم وحقارتهم، فانصرفوا. وهكذا لحق بهم سائر الشباب المتحمسين، فاذا المكان فارغ رهيب. لم يبق أحد هنالك مع يسوع. وحتّى التلاميذ انسحبوا خجلاً وخزيّاً٠
٨: ٩ وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسَطِ. ١٠ فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَداً سِوَى الْمَرْأَةِ, قَالَ لَهَا, يَا امْرَأَةُ, أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ. أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ. ١١ فَقَالَتْ, لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ, وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً٠
هنالك ارتجفت المرأة أيضاً. فانتصب يسوع واقفاً للمرّة الثانية ناظراً إلى الخاطئة بنظرة الرحيم العادل وسألها: أين مشتكوك وقضاتك؟ ألم يدنك ويرجمك أحد؟ وشعرت المرأة أنّ يسوع القدّوس لم يهلكها. فشخصت فيه فزعة راجية وأدركت: أنّ لهذا الرجل وحده الحقّ بادانتها ورجمها. انّه مخالف بشخصيته للجميع٠
لكنّ يسوع يحب الخطاة. وما جاء مبيداً ما قد هلك، بل طالباً الضّالين. فما قاصص المرأة الشرّيرة، بل أنعم عليها. وكلمته هي كلمة الله. فالقدّوس يهبنا عفواً عظيماً. ولم يستطع يسوع أن يعفو عن الخاطئة لولا انّه حمل خطيئتها على كتفيه مستعدّاً أن يموت لأجلها ولأجل العالمين. فما دان الخاطئة، بل تحمّل على نفسه دينونتها. وهكذا يعطيك يسوع الغفران الكامل والعفو العام، لأنّه مات لأجلك. فآمن بمحبته مستلماً تحريرك مِن الدينونة. واقبل أيضاً روح يسوع المتسامح حتّى لا تدين الآخرين. ولا تنس انّك خاطيء مثل سواك، ولست أفضل مِن غيرك البتّة، حتّى المجرمين. فلئن زنى أحد، أفلست نجساً؟ ولئن سرق، أفأنت أمين؟ وإن تعجرف إنسان، أفرأيتك متواضعاً؟ لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنّكم بالدينونة الّتي بها تدينون تدانون، وبالكيل الّذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الّذي في عين أخيك، وأمّا الخشبة الّتي في عينك فلا تفطن لها؟
فيا أيّها الأخ. إن كان يسوع وهو ربّ البِرّ والقداسة لم يدن أحداً حتّى الزانية، فكم بالأولى أنت الخاطيء النجس، انه لا يحق لك أن تلحق إهانة بأيّ إنسان كان، مهما ازدادت فضائحه جرماً واستبشاعاً!
وأمر يسوع تلك المرأة ألاّ تعود إلى الخطأ فيما بعد. فوصيّة الله بالطهارة والاستقامة ثابتة لا تلين. وارشد يسوع المرأة المشتهية للمحبّة أن ترجع إلى الله، وتعترف بخطاياها. فتنال قوّة الرّوح القدس مِن دم حمل الله. فلم يطلب يسوع مِن الزانية أمراً مستحيلاً، بل منحها القوّة للقلب المنسحق، لتعيش في قداسة الربّ. وهكذا يأمرك أيضاً ألاّ تخطيء فيما بعد. فهو مستعدّ أن يسمع اعتراف حياتك، ويمنحك القوّة لتقديس ذاتك٠
الصّلاة: أيّها الربّ يسوع، اخجل أمامك، لأنّي لست أفضل مِن الزانية. اغفر لي إذا دنت إنساناً أو اضرّرت به، لأنّي لست أفضل منه. ومزّق قناع التقوى مِن وجهي، وطهّرني مِن كلّ الذنوب. واشكرك لعفوك عنّي. واسبّحك لصبرك ورحمتك. ساعدني لكيلا أخطيء فيما بعد البتّة. قوّ عزمي وثبتني في الطهارة، وارشدني إلى حياة في القداسة. يا رب خلّصني مِن ذاتي، وبارك على الكثيرين مِن حولي٠
السؤال: ٧- لِمَ هرب المشتكون على الزانية مِن أمام يسوع؟