Previous Lesson -- Next Lesson
٢ - انتعاش روحي في أفسس ومحافظة آسيا الأناضولية (١٩: ١ - ٢٠)٠
أعمال الرسل ٨:١٩-١٢
٨ ثُمَّ دَخَلَ الْمَجْمَعَ, وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجّاً وَمُقْنِعاً فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ. ٩ وَلَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَتَقَسَّوْنَ وَلاَ يَقْنَعُونَ, شَاتِمِينَ الطَّرِيقَ أَمَامَ الْجُمْهُورِ, اعْتَزَلَ عَنْهُمْ وَأَفْرَزَ التَّلاَمِيذَ, مُحَاجّاً كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إِنْسَانٍ اسْمُهُ تِيرَانُّسُ ١٠ وَكَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ, حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا, مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ. ١١ وَكَانَ اللَّهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ, ١٢ حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى, فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ, وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ٠
منذ مجيء المسيح الأوّل، أصبح شعار تاريخ عالمنا كيان ملكوت الله على الأرض ونموّه وإكماله. وكلّ التَّطورات السِّياسيّة والثَّوريَّة والدِّينيّة والاقتصاديَّة، ليست إلاّ مخاضاً لظهور ملكوت الله أبينا. وقد دعا يسوع لهذه المملكة الرُّوحيَّة الحاضرة فيه باستتار، فهو الملك الإلهي وربّ الأرباب. ولكنّه لم يسيطر الآن على شعوب الأشرار، بل أرسل روحه اللطيف المنسكب إلى قلوب المصلّين. فمنذ هذا الوقت، حضر ملكوت الله مستتراً في الكنيسة الحقّة، وامتدّ إلى جميع القدّيسين الحامدين أمواتاً وأحياء، لأنّهم شعب الله الحيّ. ولكنّنا نترقّب وصول المسيح الظاهر، ليتضح للخليقة كلّها أنّه ربّ المجد، وأَنَّ موكب انتصاره يمرّ بهتاف في جميع البلدان. هل وصل ملكوت الله إلى قريتك ومدينتك ومدرستك؟ إنّ المسيح قال حيث يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، هناك أكون في وسطهم٠
إنّ عظات بولس عن ملكوت الله بمثل هذه الأفكار، كانت طيلة ثلاثة أشهر مواضيع أبحاثه مع المجتمعين في كنيس اليهود في أفسس، وكلّ أهل العهد القديم استمعوا بلذّة وانتباه، لأنّ كلّ يهودي يترقّب انبثاق سلطان الله على الأرض. ولكنّ بولس تقدّم وقال: لا يأتي الملكوت في المستقبل، بل قد صار. فالملك مولودٌ وكان حيّاً، وقُتل وغلب الموت، وأطفأ غضب الله، ومحا خطايانا، وارتفع إلى أبيه مالكاً وبانياً ملكوته.لم يناقش بولس ملكوت الله كموضوع فلسفي، بل أعلنه وطلب الخضوع الكامل له، والتَّسليم إلى الملك الإلهي. فليس ديننا فكراً تقيّاً، أو قانوناً مستحيلاً تطبيقه، بل التصاقاً بشخص حيّ، يسوع المسيح المنتصر على الموت والشيطان٠
لم يكن كلّ المستمعين في كنيس أفسس موافقين على عظات بولس ولم يتوبوا جميعاً، بل إِنَّ بعضهم تقسّى، وعارضوا الرسول وشتموه جهراً. وللعجب فإنّ عامة النّاس لم يسكتوهم، إنّما بقوا صامتين، وأرادوا مشاهدة الفريق الّّذي سيغلب. عندئذ قرّر بولس الانعزال، لأنّ كرازة الإنجيل ليست مسابقة، بل إعلان وخلاص وفداء، فمَن يسمع ويطع يخلص ومَن يقبل المسيح مخلّصاً شخصيّاً يعش إلى الأبد٠
وبعض المستمعين قرّروا نهائيّاً تسليم حياتهم ليسوع، وتبعوه وأرادوا أن يسمعوا أكثر عن ربّهم الحيّ، فقد أصبحوا تلاميذ. وأفرز بولس هذه الجماعة المستعدّة لملكوت الله مِن الشاتمين والسامعين بلا مبالاة، وكوّن مِن التلاميذ كنيسة حيّة٠
ولهذه الغاية استأجر بولس داراً كبيرة مشابهة للجامعة، ولم يعلّم المستمعين يوم السبت فقط، بل وزّع كلّ يوم للجائعين إلى خبز الحياة الغذاء الرّوحي. ويا للعجب! فإنّ بولس كان يشتغل صباحاً وبعد الظهر بيديه لكسب معيشته، ويعظ ظهراً ومساء في أوقات الاستراحة. فكان هذا الرَّجل الطرسوسي ملبوساً بمحبّة الله، وممتلئاً بمواهب النّعمة، فبذل حياته في سبيل ملكوت يسوع. وعظ بولس واشتغل طوال سنتين، بكلّ قوّة قلبه وجسده، رغم ضعفه الشخصي، حتّى كملت نعمة المسيح في ضعفه٠
وكثيرون مِن أهل القرى والمدن المحيطة تراكضوا إلى أفسس، ليروا هذا الرجل اليهودي الغريب وتكلّموا عنه في السوق وفي مجالس النساء وحلقات الشبيبة، فكان هو موضوع الأبحاث. الكلّ شعروا أنّ بولس لم يقدّم لهم أفكاراً فلسفيّة فارغة بمثل عليا، بل تجري مِنه قوّة الله مباشرة إليهم، مزعزعةً القلوب ومجدِّدةً النَّاس وخالقةً رجاءً في اليائسين٠
وحدثت عجائب فائقة، لقد شُفي المَرضى أَيَّامَ المسيح بلمس ملابسه، وبمرور بطرس شُفِيَ المرضى بفيئه، وعند بولس خطفوا وزرة مهنته أو منديله الّذي كان يمسح به عرقه، ولمّا تناوله المرضى شفوا، إن كانوا قد آمنوا بالمسيح. ولكن انتبه، إِنَّ بولس لم يصنع عجائب وآيات، بل الله برهن قدرته وطرد أمراضاً وأرواحاً شرّيرة مِن المساكين بواسطة الإيمان بالمسيح الّذي كان بولس رسوله.
وابتدأ في محافظة آسيا انتعاش روحي كبير، لم يحدث مثله في أي منطقة مِن حوض البحر المتوسط قبلاً. لقد فكّر بولس قبل سنين أن يذهب تلقائيّاً إلى أفسس لتبشيرها، لكنَّ الرّوح القدس منعه مِن الذَّهاب إلى العاصمة فأطاع الرسول جذب الرّوح، وانقذف إلى أوروبا، وللمرّة الثانية رفض التجربة، ولم يبق في أفسس رغم الفرص الإيجابيّة، بل أتمّ نذره مطيعاً لربّه. فلهذا أثبت يسوع الحيّ إطاعة عبده وفتح بواسطته كنوز ملكوته، وأظهر قدرته، لأنّ يسوع حاضرٌ وعاملٌ ومخلِّصٌ، حيث يستسلم النّاس مطيعين لروحه٠
الصلاة: نعظّمك أيّها الآب السماوي لموكب انتصار ابنك الواصل إلينا اليوم، ونشكرك لأجل القوّة الإلهيّة النَّابعة مِن الصَّليب. قدِّسْنا إلى طاعةٍ كاملةٍ. لتكن مشيئتك، وليأت ملكوتك عندنا وفي كلّ الأرض٠
السؤال: 92. كيف ظهر ملكوت الله في أفسس؟