Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الأول الفترة التمهيدية لخدمة المسيح ( ١:١- ٤: ٢٥)٠
ب- يوحنا المعمدان يعدّ الطريق للمسيح (٣: ١ – ٤: ١١)٠
٤. تجربة يسوع وانتصاره العظيم (٤: ١-١١)٠
متى ٤: ٥-٧
٥
ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، (٦) وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأنَّـهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ (٧) قَالَ لَهُ يَسُوعُ: مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ.
(تثنية٦: ١٦، مز٣١: ١١-١٢)٠
حينما يزور رئيس دولة بلداً حليفاً يتعاظم استقباله، ويصطف العسكر، ويقدم الطلاب أزهاراً، وترتفع أعلام خفاقة، وتصدح الموسيقى، ويلبس الرسميون ألبستهم المخصصة. وتتراكض الجماهير في بعض البلدان ليتفرجوا على الاحتفالات السياسية والدينية والرياضية. فيجد الإنسان نفسه منضوياً مع الوحدة الجماهيرية٠
جرَّب الشيطان يسوع لكي يظهر نفسه برؤية مدهشة عظيمة، بأن يطير مع غيوم السماء، محاطاً ومحمولاً بربوات الملائكة البراقة، فتنظره الجماهير المحتشدة ويخرّون ويسجدون له. هكذا جرَّب إبليس يسوع أن ينفذ مجيئه الثاني قبل الأوان، وبدون أن يسفك دمه على الصليب، لأن الشيطان لا يبغض شيئاً كالصليب. وقاد المُجرِّب يسوع إلى محور الحضارة الدينية في أمته، فأوقفه على جناح الهيكل٠
لا تظن أيها الأخ أنك وأنت ضمن الكنيسة، تكون معصوماً عن الأفكار الشريرة، لأنه في محور القداسة يُجرِّب الرجيم المستمعين إلى كلمة الله، ليحوّل أفكارهم عن الله إلى الذات المتكبرة، فيخطئون ويسقطون٠
إن هدف تجارب إبليس، التي حاول أن يصنعها مع يسوع وأتباعه هو اقتلاعهم من وحدتهم بالله. فأعاد المحاولة لزرع الشك في قلب يسوع قائلاً: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل وسط الساجدين، فيلتفتون إليك ويصرخون: قد أتى مسيح الله مباشرة من السماء. عندئذ يتبعك العالم، فلا حاجة إلى الصليب». وأضاف الخبيث العبارة الثقيلة: «مكتوب» واقتبس آية من الكتاب المقدس بعد أن حرَّفها عن معناها وحذف جزءاً منها. إن الوعد الأصلي هو "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك". فقد حذف المجرب الجزء الأخير "لكي يحفظوك في كل طرقك" وقد غلبه يسوع في التجربة الأولى بهذه الكلمة عينها «مكتوب» ذاكراً كلمة أبيه، ثابتاً في كلمة الله الموحاة لنا. فاستخدم الشيطان نفس الأسلوب، لكنه جعل من الحق كذباً٠
فالمسيح اقتبس هذا الكلام باعتباره القانون أو الدستور له كإنسان متكل على الله وخاضع له، وغير مرتاب في حقيقة كونه معه. لأن التردد في تصديق الله، أو الشك في صدق كلمته، ينتج من عدم الإيمان. كان بنو إسرائيل قد جربوا الله في البرية إذ قالوا " أفي وسطنا الرب أم لا؟" ( خروج ١٧: ٧) لأنه كان في وسطهم ليعتني بهم ولم يصدقوا. ونكون نحن مثلهم إذا كنا نرتاب في حضور إلهنا معنا واعتنائه التام بنا٠
ليست هنالك مدينة مقدسة على الأرض تُعفيناً وتُنجينا من إبليس وتجاربه. فقد جرب آدم الأول في "جنة مقدسة" وجرب آدم الثاني في "مدينة مقدسة". فعلينا أن لا نلقي السلاح في أي مكان. بل إن المدينة المقدسة هي المكان الذي يخرج إليه إبليس بكل قوته ليجرب أولاد الله بتجربة الكبرياء والفخر. ولكن شكراً لله فإن أورشليم العليا، تلك "المدينة المقدسة" لا يدخلها شيء دنس، هناك نكون بعيدين عن التجربة إلى الأبد٠
فانتبه! إن الشرير يعرف الكتاب المقدس بجزئياته وتفاصيله ويستخدم آياته وأفكاره بالتواء وتأويل بعد تغييره جوهرها٠
نجد كثيراً من الكتب في العالم، دينية كانت أو فلسفية أو سياسية تستخدم كلمات الإنجيل ومبادئ الوحي محاولة المزج بين الحق والأكاذيب الباطنة المغرضة. ميِّز ياأخي الأرواح بدقة، واعلم أن كل روح مستكبر هو من الشيطان، ومن يكرم نفسه فليس من الله٠
إن المسيح لو تجاوب مع تجربة إبليس ووافق على إظهار نفسه بطريقة عظيمة وألقى بنفسه إلى الأسفل للقي حتفه ومات، لأنه لم يعمل إرادة الله الذي لا يريد ربح الناس بالعجائب بل بالصليب وحده. لو اهتم يسوع لصوت إبليس لكان في أسفل السافلين، تاركاً شركته مع أبيه السماوي. لقد قصد الشرير إهلاك ابن الله، غير أن يسوع استطاع تمييز صوت إبليس عن صوت أبيه، واختار طريق التواضع والحق، ولم يظهر في الهيكل المجيد بل خدم أولا في بلاد الجليل المحتقرة والمنبوذة من قبل اليهود٠
إن أجنحة الهياكل هي أمكنة للتجربة، بمعنى أن الأمكنة العالية أمكنة للتجربة، أمكنة للمزالق، فالتقدم في العالم يرفع الإنسان ويجعله هدفاً مباشراً للشيطان ليصوب سهامه نحوه. فالله يطرح الإنسان إلى الأسفل ليرفعه فيما بعد، أما الشيطان فيرفعه إلى الأعلى ثم يتركه يهوى إلى الأسفل٠
أجاب يسوع المُجرِّب مرة أخرى بكلمة قاطعة: «مكتوب أيضاً: لا تُجرِّب الرب إلهك». وكل الذين يعرفون أن الله لا يوافق على أعمالهم المقصودة، ورغم ذلك يلتمسون منه أن يساعدهم في حياتهم اليومية، فإنما هم يجربون الله بعنادهم ويعاكسون روحه. فلا بد أن يختبروا غضبه في النهاية. هل عندك قدرة السمع في قلبك لتميز صوت الله؟ هل تعرف محبته ولطفه وطهارته وتواضعه؟ فلا تنفذ شيئاً يعارض مقاصده هذه. ليس في مصلحة الإنسان أن يعمل ضد صوت ضميره المدرب على الإنجيل. فإن لم تعرف ما هي مشيئة الله في أمرك فانتظر صبراً. ليَفتَح لك باباً آخر، ويوضِّح لك ماذا يُريد هو أن تعمل أنت. فلا تجرب الرب إلهك٠
الصلاة: أيها الرب يسوع نشكرك لأنك لم تطلب الأُبّهة والتظاهر، بل طريق التواضع. ونجدك عند المرضى والخطاة والمُحتَقَرِين. وقد طلبت الهالكين. علمنا الموت عن استكبارنا، لكيلا نتكبر بين أصدقائنا، بل ننكر أنفسنا ونطلب البائسين ونبارك الضالين، لننسجم مع مقاصدك الخلاصية٠
السؤال٣٨ : لماذا لم يرمِ المسيح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل؟