Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الثاني المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى ٥: ١-١١: ١)٠
ب. معجزات المسيح في كفرناحوم ومحيطها ( ٨: ١- ٩: ٣٥)٠
٦. إخراج الشياطين من الملبوسَين (٨: ٢٨- ٣٤)٠
متى ٨: ٢٨-٣٤
٢٨
وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدّاً، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. (٢٩) وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللّهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟ (٣٠) وَكَانَ بَعِيداً مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. (٣١) فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ (٣٢) فَقَالَ لَهُمُ: امْضُوا فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ. (٣٣) أَمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ الْمَجْنُونَيْنِ. (٣٤) فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ٠
(مر٥: ١-١٧، لو٤: ٤١؛ ٨: ٢٦-٣٧، ٢بط٢: ٤، يع٢: ١٩)٠
يسوع المسيح هو الرب على عناصر الطبيعة، وعلى الأبالسة أيضاً، إذ ليس لهم حق البقاء حيثما يدخل المولود من روح الله٠
جاءت الأرواح في الرياح العاصفة المميتة على بحيرة طبرية ليُغرقوا يسوع وتلاميذه قبل وصولهم إلى الشاطئ، فانتهر يسوع، وهو في السفينة، الأرواح المختبئة في وسط النوء، وأسكت الثوار المنتشرين في الأجواء، وطلب من أتباعه الإيمان المطلق، ليتيقنوا أن الشياطين لم تجد فيهم حقاً ولا قوة٠
سافر يسوع عبر البحيرة إلى منطقة المدن العشر التي اشترت امتيازات خاصة من السلطة الرومانية، ورغب أن يجد الراحة هناك، مبتعداً عن ازدحام الجماهير المتراكضة وراءه، ومن اضطهاد اليهود٠
لم تكن المدن تابعة للحضارة اليهودية، لأن أهلها كانوا يرعون قطعاناً كبيرة من الخنازير، فاعتبرهم اليهود نجسين٠
في طريقه برفقة أتباعه إلى مدينة "الجرجس" مر بين القبور المنحوتة في صخور الجبل، فخرج من بينها مجنونين عريانين، لم يتجرأ أحد من أبناء المدينة أن يمر من هذه الطريق خوفاً على نفسه من هذين المجنونين الملبوسين بأرواح شريرة. حاول أهل المدينة أن يربطوهما بسلاسل، إلاّ أنهما تمكنا من تكسيرها سهولة، فخاف الجميع من الأبالسة العاملين والنشطين في هذين الرجلين٠
لم يتكلم يسوع بكلمة واحدة عندما هاجمه الملبوسان اللذان توقفا فجأة، عندما أدركت الأرواح التي فيهما، أن الرجل الواقف أمامهم هو يسوع. فانطلقت صرخة قوية حركت الأموات من قبورها، قائلة" لماذا أتيت إلينا قبل حلول الدينونة لتعذبنا؟ نعرفك، أنت ابن الله". أدركت الأبالسة وبسرعة البرق أن ابن العلي القدير وقف أمامهم، إذ أن أشعة قداسته خرقتهم وأدانتهم، فأدركوا أنهم ملعونون ومحكوم عليهم أن يذهبوا حالاً إلى الهلاك. فطلبوا من يسوع، متمنين أن يسمح لهم بالحلول ولو مؤقتاً في قطيع الخنازير المتواجد بقربهم في المراعي. وبطلبهم هذا اعترفوا بسلطان المسيح عليهم. إنهم لا يستطيعون حتى إيذاء الخنازير دون إذنه وسماحه. والذي يُعزِّي كل شعب أنه ولو كانت قوة إبليس عظيمة جداً، إلا أنها محدودة، لا تتناسب مع حقده وخبثه، سيما وأنها خاضعة لسلطان الرب يسوع المسيح، صديقنا الأمين، ومخلصنا القوي. ومما يعزينا أيضاً أن الشيطان وجنوده لا يستطيعون أن يتعدوا الحدود المسموح لهم بها "وقلت إلى هنا تأتي ولا تتعدى، وهنا تتخم كرياء لُججك"(أيوب٣٨: ١١)٠
خاف الرعاة فهربوا نحو المدينة مُخبرين أصحاب القطيع بالفاجعة التي ألمت بقطيعهم. كما وصفوا لهم كيف تحرر المجنونان والملبوسان من الأرواح الشريرة. هبَّ كل السكان راكضين إلى المكان لمشاهدة الأعجوبة التي حدثت هناك. لكن عندما رأوا يسوع مع الرجلين الجالسين باحترام ووقار، ارتعبوا من شخصيته، وأدركوا أنه من المستحيل أن يعيش نجس على الدوام في حضرته. لذا فضلوا حضارتهم وعلاقتهم مع الأرواح النجسة المهلكة، فطلبوا من المولود من الروح القدس أن يفارقهم. لبى المسيح طلبهم، وانصرف من بينهم لأنه لا يمكث بين الناس الذين لا يرحبون به ولا يفرحون بوجوده بينهم، فتركهم لسيطرة الأبالسة والشياطين ( متى ٥: ١-٢٠؛ لوقا ٨: ٢٦- ٣٩)٠
تم للشياطين ما أرادوا من إغراق الخنازير. فإنهم أغرقوها، ثم جعلوا القوم يعتقدون أن المسيح هو الذي أغرقها، وبذلك أوغروا صدورهم من نحوه. لقد أضلَّ الشيطان أبوينا الأولين بغرس أفكار خاطئة في عقلهما عن الله، وأبعد الجرجسيين عن المسيح بالإيحاء إليهم أنه أتى إلى كورتهم لإبادة ماشيتهم، وأن أضراره أكثر من فوائده، لأنه إن كان قد شفي رجلين فقد أغرق ألفي خنزير. هكذا يزرع الشيطان زواناً في حقل الله، يصنع أضرارً في كنيسة المسيح، ثم يلقي التبعة على المسيحية، ويوغر صدور البشر ضدها٠
نتعلم من هذه الحادثة أن سكنى الأرواح النجسة في البشر نادر الوقوع، إلا عندما يصدر صوت رجل من امرأة او العكس، أو يصدر صوت رجل من فم شاب، فهنا يكون الدليل على أن هناك أرواح عديدة تقطن في هذا الشخص٠
إن من يرفض ألوهية المسيح وبنوته لأبيه السماوي، أو يبغض حقيقة صليبه باستمرار، فهذا الشخص ملبوس من جماعة من الأرواح المضادة للمسيح ( ١يوحنا ٢: ٢٢-٢٥؛ ٤: ١-٥)٠
يعيش بعض الناس وسط جو محاط بالأرواح وهم مجربون من قبلهم باستمرار وذلك ناتج عن اتصالهم السابق بهم وطلب الشفاعة منهم، أو بسبب استشارتهم لبعض العرافين لمعرفة مستقبلهم وحظهم في هذه الحياة، أو الإستعجال في الحصول على زواج مبارك٠
من يرغب أن يتحرر من الأرواح الشريرة، ومن التقيد بها، لا بد أن يعترف أمام الله بكل خطاياه، ويقطع في الحال أية علاقة له مع هذه الأرواح المهلكة. عندها يلتجئ إلى ابن الله الحي الذي يغفر الخطايا، ويغلب كل روح نجس وشرير، إكراماً لشخصيته القدوسة، وقوته السرمدية، ثم يسكب المسيح الروح القدس في قلب الذي غُفر له ليتعزى ويتقوى. عندما يقرأ المتحرر من الأبالسة، كلمة الله في الإنجيل باستمرار، ويحفظ آيات المسيح عن ظهر قلب، ويشترك في اجتماعات روحية، ويصلي برفقته أحد خدام الرب، في هذه الحالة يتحرر المسكون من كل الأرواح تحريراً كاملا ونهائياً طالما أنه برفقة المسيح وملتزما بتعاليمه ووصاياه٠
قال المعترض، ورد في (متى٨: ٢٨) أنه لما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور. وورد في (مرقس٥: ٢ ولوقا ٨: ٢٨) أنه "استقبله من القبور انسان به روح نجس"٠
نجيب أن مرقس ولوقا اقتصرا على ذكر المجنون الذي كان أشد هيجانا والذي تجلت قدرة المسيح في شفائه إياه كما يظهر من عبارتيهما حيث يذكر هياجه بالتفصيل ليشهرا عظمة الاعجوبة التي صنعها سيدهما بشفائه. أما المجنون الثاني فلم يكن شفاؤه مدهشاً لذلك أهملا ذكره٠
لنفرض أن شخصين توجها إلى مستشفى الأمراض العقلية وبعد خروجهما رويا ما شاهداه، ونسجا على منوال متى ولوقا بأن اقتصر احدهما على ذكر واحد وصرف النظر عن المعتوه الآخر، بينما الراوي الثاني ذكر الإثنين. فهل يجوز أن نقول أن كلامهما متناقض؟ كلا، لكن لو أثبت أحدهما ما نفاه الآخر أو العكس، لأصبح ذلك تناقضاً، في هذه الحالة يتحقق تعريف التناقض٠
الصلاة : أيها الآب القدوس، نتهلل ونفرح لأجل انتصار يسوع على الأبالسة في منطقة " الجرجس" وتحرير الملبوسَين من أرواحهم الشريرة. نشكرك لأجل تحرير كل ملبوس أو مجنون في أيامنا باسم المسيح. نعظمك لأنك تنجينا من الشرير وأعوانه وتحفظنا في شركة مع المسيح. يارب اسكب فينا من روحك القدوس لنثبت في رحابك محفوظين في اسمك الأبدي. نطلب منك يارب أن تحرر كل الملبوسين الكثر في عصرنا هذا، ليتعظم حلول ملكوت ابنك الوحيد٠
السؤال ٩٠ : ماذا تعلمت من تحرير الملبوسَين في عبر الأردن؟