Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الثاني المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى ٥: ١-١١: ١)٠
ب. معجزات المسيح في كفرناحوم ومحيطها ( ٨: ١- ٩: ٣٥)٠
٤. مبادئ اتِّباع يسوع (٨: ١٨-٢٢)٠
متى ٨: ١٨-٢٠
١٨
وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعاً كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِالذَّهَابِ إِلَى الْعَبْرِ. (١٩) فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي (٢٠) فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ
(لو٩: ٥٧-٦٠، ٢كور٨: ٩)٠
ينبوع قوة المصالحة هو المسيح الذي يمنح غنى محبته لكل مؤمن به، ويغيّر القلوب، وينير الأذهان. إنما رغم شفائه للمحتاجين بقى قنوعاً لا بيت له ولا مأوى، لأنه منع ذاته من زخارف الدنيا، لم يشتهِ مغريات العالم. شفى المرضى مجاناً ولم يطلب منهم تعويضا نتيجة خدماته٠
كان المسيح فقيراً، وهذا يحرر أتباعه من الرجاء الباطل، بأنهم ينالون وظائف أو مالاً أو غِنى. لو أصبحت كنيسة المسيح غنية بالممتلكات والنقود لما كانت كنيسة حقَّة، لأن محبة الله تدفعنا لبذل ما عندنا لا لجمع الأموال. فإن تبعت يسوع لا تنتظر غِنى أو ضماناً أو مركزاً، إلا حلول قوة الله فيك، وتعزية روحه في قلبك ودافع محبته للمحتقرين. وهذا هو الامتياز المسيحي٠
هنا نرى المسيح يعالج نوعين مختلفين من الطباع، الأول حاد الطبع متعجل (الآية ١٩)، والثاني بليد متلكئ( الآية ٢٠). وقد كانت التعليمات التي أعطيت مناسبة لكل منهما، وهي في نفس الوقت نافعة لنا٠
جاء شخص متعجل في الوعد إلى المسيح، وهو كاتب، متعلم بل عالم، أحد الذين درسوا التوراة والشريعة وكانوا يفسروها. عبَّر عن استعداده لاتباع المسيح بقوله "يا معلم أتبعك أينما تمضي". لم يكن ممكناً أن يتكلم إنسان أفضل من هذا. وقد كان استعداده لتكريس حياته للمسيح، هو كان متأهباً جداً، ويبدو أنه كان مصمِّماً من كل قلبه. لم يدعه المسيح إلى ذلك، ولم يحثه أحد من التلاميذ، بل تقدّم من تلقاء ذاته وبمحض رغبته لكي يكون تابعاً للمسيح عن قرب. لم يكن مدفوعاً من أحد بل متطوعاً. كان ثابت العزم جداً، ويبدو أنه سبق له التفكير في هذا الأمر وتوطيد العزم عليه. لم يقل "إني أفكر أن أتبعك" إني قد وطدت العزم أن أتبعك "يا معلم أتبعك"٠
كان تصريحه مطلقاً وغير محدود "أتبعك أينما تمضي". ليس فقط "إلى العبر" بل حتى إلى أقصى الأرض. مثل هذا الرجل قد نميل إلى الوثوق به كل الثقة. مع ذلك يتبين من إجابة المسيح أنه كان متعجلاً في عزمه، وأنه كان جسدياً في غاياته. إما أنه لم يفكر في الأمر قط، أو أنه فكر في ناحية غير التي كان ينبغي أن يفكر فيها. لقد رأى المسيح يصنع المعجزات، وكان يأمل أنه سوف يقيم ملكوتاً زمنياً، ولذا أراد أن يكون له نصيب فيه قبل الوقت٠
اختبر المسيح استعداده ليتبين إن كان مخلصاً فيه أو غير مخلص. أراد أن يبين له أن "ابن الإنسان" هذا الذي يتلهف على اتباعه ليس له أين يسند رأسه. ومن هذا الوصف عن فقر المسيح الشديد نتعلم أنه من الغريب جداً أن ابن الله عندما أتى إلى العالم وضع نفسه بهذا الشكل المتواضع جداً لدرجة أن يكون محروماً من المأوى الذي لم تحرم منه اصغر المخلوقات. إن كان قد ارتضى بأن يأخذ طبيعتنا، فإن المرء يميل إلى الظن بأنه كان ينبغي أن يأخذها في احسن وأمجد مظاهرها وظروفها. لكنه اتخذها في أسوأ حالاتها٠
إن المخلوقات الدنيئة تؤمِّن لنفسها الراحة، فللثعالب أوجرة، ورغم أنها ليست فقط غير نافعة بل مؤذية للإنسان إلا أن الله يعد لها أوجرة تأوي إليها. يحاول الإنسان إبادتها لكنها تجد لها مأوى، فاوجرتها حصون لها. أما الطيور، ورغم أنها لا تعتني بنفسها إلى أنها يُعنى بها وتجد لها اوكاراً٠
حينما كان الرب يسوع المسيح على الأرض كابد أنواع الفقر. "من اجلنا افتقر" بل افتقر جداً، لم يكن له مقر، لم يكن له مكان راحة، لم يكن له بيت ملك يسند فيه رأسه، ولا وسادة خاصة ييسند عليها رأسه. كان هو وتلاميذه يعيشون على التبرعات التي كانت تقدم إليهم. إنه قبل هذا ليس فقط لكي يظهر بمظهر التواضع في كل شيء ويتمم الكتب التي تحدثت عنه بأنه يكون فقيراً بل لكي يبين لنا أن ثروة العالم باطلة الأباطيل، ويعلمنا بأن ننظر إليها بكل احتقار، لكي يشتري لنا أموراً أفضل، وبذلك يغنينا٠
إنه من الغريب جداً أن يصرّح المسيح هذا التصريح في هذه المناسبة. فإذا ما تقدم كاتب إلى المسيح ليتبعه كنا نتوقع أن يشجعه المسيح ويقول له "تعال فأعتني بك". فإن كاتباً واحداً كان يستطيع أن يخدمه أكثر من اثني عشر صياداً. على أن المسيح رأى قلبه، وأجابه حسب أفكار قلبه، وبذلك علَّمنا كيف نأتي إليه٠
يريدنا المسيح قبل أن نعتزم أي عمل من ناحية الحياة الروحية، ان نجلس أولاً ونحسب النفقة. أن نفعل ذلك بعد تأمل دقيق. أن نختار طريق التقوى لييس لأنه لا يوجد طريق آخر، بل لأنه لا يوجد طريق أفضل. ليس امتياز للمسيحية أن تأخذ الناس في غفلة منهم قبل أن ينتبهوا. إن الذين يعتنقون أية عقيدة كرهاً يهجرونها في تبرم. إذا فعلى قدر ما نصرف من الوقت في الشؤون الروحية يكون إنتاجنا أسرع. وعلى من يريد اتباع المسيح أن يقدر أسوأ الظروف، وأن يتوقع المصائب والضيقات٠
أبرز يسوع الفرق بين نفسه وعلماء العالم وأحبار الأديان بقوله إنه أفقر من الحيوانات وأقل استقراراً من الطيور، فالأرض ليست وطنه، وهو غريب فيها، مطرود من البشر ومصلوب من شعبه. من يتبعه يصبح غريباً وفقيراً مثله٠
فهل قررت اتباع يسوع رغم الصعوبات والضيقات المؤلمة؟ ٠
الصلاة: أيها الآب السماوي، وطننا عندك. في العالم تملك الخطيئة والمال. نحن غرباء هنا. ساعدنا لئلا نطلب غِنى وشرفاً وضماناً لأنفسنا. حررنا من جميع أوهامنا، لتغيّرنا إلى خدّام، ويجري منّا الخلاص إلى محيطنا٠
السؤال ٨٧ : إلى أي مدى كان يسوع فقيراً قنوعاً؟