١٣ -- الخُلاَصَة: النَّامُوْس (الشَّرِيْعَة المُوْسَوِيَّة) والإِنْجِيْل
سأل رجلٌ متديِّنٌ مرَّةً يَسُوْع: "أيَّة وصية هي العظمى في النَّامُوْس؟" فأجابه يَسُوْع بعدَدَين مِن سفر التثنية ٦: ٥ ومِن سفر اللاَّوِيِّيْن ١٩: ١٨ وقال: "تحبّ الرَّبّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك، ومن كل قوتك". "وتحبّ قريبك كنفسك". بهاتين الوصيتين يتعلق النَّامُوْس كلُّه والأنبياء .
أعطانا يَسُوْع بهذه الكلمات الموجزة خُلاَصَة رائعة لِلْوَصَايَا العشر. والقسم الأول يصف علاقتنا بالله، شاملاً شكرَنا نحو خالقنا ومخلصنا ومُعزِّينا، بينما يُوضح القسم الثاني علاقتنا بأخينا الإِنْسَان، ويُعيّن خدماتنا نحوه.
لم يُعطِ يَسُوْع جواباً سلبياً لسؤال الرجل التقي. لم يقل ما لا يجوز لنا أن نفعله. لم يفرض يَسُوْع علينا محرّمات قاسية، بل أرشدنا إلى إتمام شعار إيجابّي بفرح، وأظهر لنا باختصار ووضوح ما يليق أن نفعله. ويمكن تلخيص الوصيتين في شعارٍ واحدٍ وهو: المَحَبَّة المقدسة. لنمتحن أنفسنا عن مقدار محبّتنا لله، وعن حقيقة محبّتنا لأخينا الإِنْسَان وحتَّى لعدوّنا، عِنْدَئِذٍ ندرك موقفنا تجاه وصايا الله عملياً.
٠١.١٣ - هل نحبّ الله؟
المَحَبَّة المخْلصة لله هي الوَصِيَّة الشَّاملة والمُلحّة والواضحة، حتَّى لا تَبقى بقِيَّةٌ مِن وقتنا ومالنا وخططنا لأنفسنا، إذا أحبَبْنا الله حقاً. فلْنُسلم له كلَّ ما لَنا وفينا جسداً ونفساً وروحاً، ونضع إرادتنا تحت تصرفه مع أشواقنا شكراً لمحبّته الأُوْلَى. ولْيُثبِّت القُدُّوْس الخالق والمخلِّص المجدِّد بدايةَ حياتنا ومحورَها وهدفَها، فلا تكون لنا أيُّ مهمَّة سواه؛ لأنَّ ربنا غيورٌ، وينتظر محبّتنا الكاملة، وهو غير مستعد أن يقاسمها مع منافس. لهذا يواجهنا هذا السؤال: هل نحبّ الله كما أحبّنا ويحبُّنا هو؟ ما هو مقدار محبّتنا له؟ هل نحبّه بشعورٍ صافٍ، وانفعالٍ، وتفكيرٍ كثيرٍ فيه، متأمِّلين في كلمته بانتباهٍ، لنعرف مشيئته، ونسعى لتتميمها بِعَونه؟ لِيكُنْ كيانُنا شكراً لنعمته، لأنّه منحنا الحَيَاة الَّتي نعيشها. لنحمَده بسكناتنا وحركاتنا لأجل مغفرة خطايانا العديدة الَّتي وهبها لنا بابنه يَسُوْع مجَّاناً. ولنسبِّحْه لأجل فرح السلام وتعزية المَحَبَّة الَّتي سكبها في قلوبنا. ولْنعترِف بأننا لا نقدر أن نحبّ الله محبَّةً كاملةً قُدُّوْسَةً مِن تلقاء أنفسنا. فنحتاج لإتمام هذه الوَصِيَّة إلى رحمة ربنا الحنون. ويشهد الرَّسُوْل بُوْلُس: "إنّ محبَّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالرُّوْح القُدُس المعطى لنا" (رومية ٥: ٥ب). قد رحمنا أبونا السَّمَاوِيّ لنستطيع أن نحبّه محبَّة حقّة، وهو يَمنحُنا حلول محبّته الإِلَهِيَّة الخاصة فينا بواسطة إتيان روحه القُدُّوْس إلى قلوبنا.
٠٢.١٣ - هل نُحِبُّ أخانا الإِنْسَان كأنفسنا؟
يساعدنا روح المَحَبَّة على أن نرى الناس حولنا بعَيْن الله. فلنشهد أمامهم بنعمة يَسُوْع، ونوضح لهم محبّته المخلصة للضالين، ونرافقهم بكلمة قدرته وابتهالات مستمرة وأعمال الخدمة لهم. إنْ كنا نحبّ إخوتنا كما نحبّ أنفسنا، نحبّهم دون قيد أو شرط. فإنْ جعنا نفعل ما في استطاعتنا للحصول على الطعام. إنْ خفنا نفتش بكل حواسنا عن مخرج. وإنْ تعبْنا يغشانا النوم. وهكذا تدفعنا محبَّة المَسِيْح أن نُشبع الجياع بالمِثْل، ونُنقذ اليائسين ونعزِّيهم، ونوفِّر سُبل الراحة للمُتعَبين. لقد أحبَّ يَسُوْعُ الإِنْسَان هكذا حتَّى ساوى بينه وبين كل فرد؛ وأعلن لنا مسبقاً عمَّا سيسألنا، وهو الملك المالك في يوم الدَّيْنُونَة، وقال: ·تعالوا يا مباركي أبي رثوا المَلَكُوْت المعَد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني، عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني، محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك؟ أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: "الحقّ أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (متَّى٢٥: ٣٤-٤٠).٠
يجمع يَسُوْع في شخصه بين المَحَبَّة لله والمَحَبَّة للإنسان. إنْ كنا ندَع يَسُوْع يجذبنا إلى محبّته، نخدم الله والمحتاج معا،ً ليس لكي نخلّص أنفسنا، بل بالعكس: لأنَّنا قد خلصنا نخدم الله والناس بدافع الشُّكْر مسرورين. لا تقوم محبّتنا على البرّ بالأعمال، كما يظن المسلم، بل على الخلاص المتمَّم للجميع في المَسِيْح.
٠٣.١٣ - مَفْهُوْم الشَّرِيْعَة الأكثَر عُمقاً
ترشدنا بشارة الخلاص المتمَّم في المَسِيْح لندرك معنى الشَّرِيْعَة المقدَّسة إدراكاً عميقاً تامّاً. فهدف الوَصَايَا العَشْر هو عونٌ وسنَدٌ مِن الله لنا نحن البشر الطائشين، ليحفظانا كحواجز الطرق الواقية مِن التدهور في هوة بقائنا. كل مَن عاش بحسب شريعة موسى بقي مصاناً وأصبح سعيداً وبلغ رشده. وقال يَسُوْع للشاب الغني: "احفظ الوَصَايَا فترث الحَيَاة الأبدية" . فالشعب الَّذي يسلك في وصايا الله، ويطبِّقها، ويحبّ ربه حقاً، يعيش في البركة، ويختبر الازدهار والنمو الروحي.
ولكن مَن يتأمل في الشَّرِيْعَة بإمعان يضطرب أكثر فأكثر في الحكم على تقوانا الخاصة. لا تتكوّن الشَّرِيْعَة مِن توجيهات وإرشادات ضامنة للحياة فحسب، بل يظهر هدف الوَصَايَا في تسليم الخاطئ كلياً إلى الله، وعزله عمداً عن الخَطِيْئَة. قال الرَّبّ مراراً: "تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (اللاَّوِيِّيْن ١٩: ٢). لا يكتفي الله بمجرد التقوى والتَّدَيُّن الطبيعي اللَّذّين تدعو إليهما الدِّيَانَاتُ الأخرى، بل يريد أن يُغيّرنا، نحن العصاة المتمرِّدين، ويُعيدنا إلى صورته، لنعكس صفاته بالقول والفعل. أكَّد يَسُوْع هذه الدَّعوة السَّمَاوِيّة لأتباعه، وقال لهم: "كونوا أنتم كاملين كما أنَّ أباكم الَّذي في السَّماوات هو كاملٌ" (متَّى ٥: ٤٨). ويَقصد يَسُوْع بهذه الوَصِيَّة أنَّ محبَّتنا لأعدائنا ورحمتنا بالبؤساء هما صدىً لمحبَّة أبينا السَّمَاوِيّ لنا.
٠٤.١٣ - هل تُسبِّب الشَّرِيْعَة هلاكَنا؟
مَن يسمع مطالب الله القُدُّوْس هذه، ويُدقِّق في نفسه باستقامةٍ يرتعب ويتساءل: مَن مِنَّا يحبّ مثلما يحبّ الله، ومَن يدّعي بأنّه قديسٌ كما أنَّ الله قدوسٌ؟ تكشف الشَّرِيْعَة خفايانا، وتضع مرآة الله أمام وجوهنا، وتُعلن عيوبنا كلَّها. إنَّ الشَّرِيْعَة هي المؤدِّب الَّذي يوقظ الخطاة المكتفين بأنفسهم مِن نومهم في أمانٍ موهومٍ، وطمأنينة سطحيَّة. فلْندرِك أنَّ الله يقضي بموت وهلاك كُلِّ مَن يخطئ. مَن حفظ النَّامُوْس (الشريعة) كُلَّه، وإنما عثر في واحدةٍ فقد صار مجرماً في الكلّ .
مَن يراجع الوَصَايَا العَشْر تحت هذا المبدأ الشرعي يكتشف أَصْنَامه الصغيرة والكبيرة في حياته اليَوْمِيّة، ويفكِّر كم مِن مَرّة نطق باسم الله القُدُّوْس باطلاً، ويتذكَّر قلة حفظ وتقديس أيام الآحاد، فيدرك بأنّه هو نفسه المحكوم عليه بالموت منذ أمدٍ بعيد. وعندما يعرف نقص محبّته للوالدين، ويعترف بحقده على أعدائه، ويخجل مِن نجاسة أَفْكَاره وأقواله وأعماله، ويقيس نفسه بطهارة المَسِيْح، وينسحق كلّياً، ويتذكّر أنَّ السارقين والكَذَّابين لا يدخلون مَلَكُوْت الله، يُدرك بفزعٍ أنَّ خُلاَصَة الشَّرِيْعَة هي هلاك جميع البشر. تكشف الشَّرِيْعَة نجاستنا لتقودنا إلى التوبة الدائمة المستمرة. وتكسر المعرفة الحَقَّة لِلْوَصَايَا عجرفتنا وكبرياءنا كلياً. وتوقفنا الشَّرِيْعَة بهول أمام الله القُدُّوْس، فلا نعيش على أساس برنا الخاص فيما بعد، بل على أساس رحمته العظيمة.
جاء يَسُوْع إلى يُوْحَنَّا المعمدان واتّخذ تلاميذه مِن الَّذين اعترفوا بخطاياهم، وتعمَّدوا في نهر الأردن رمزاً لإماتة الأنا وإقامة الإِنْسَان الجَدِيْد. لم يختر المَسِيْح تلاميذه مِن الَّذين يدّعون حفظ الشَّرِيْعَة ويتباهون بتقواهم. ولكنْ مِن الَّذين اعترفوا بخطاياهم، وأرادوا أن يهربوا مِن دينونة الله العادلة عليهم وأنكروا إنسانهم القَدِيْم وأغرقوه بماء المعمودية، واستطاع يَسُوْع أن يبنيهم ويُخْرجهم مِن حكم الشَّرِيْعَة القاتل، ومِن وسط التائبين حول يُوْحَنَّا المعمدان، في منخفض الوادي العميق، وأصعدهم معاً إلى جبال الجليل الَّتي يسطع عليها النور، وأدخلهم في شركته إلى الفرح ونصره الروحي. لقد أتم يَسُوْع مطالب الشَّرِيْعَة الحاكمة، فجاء المشترع شخصياً، وأخذ على نفسه ذنوب البشرية، وأتمّ مطالب الشَّرِيْعَة كلّّها عوضاً عنا. هذا هو السبب الدائم للحمد والشُّكْر عند الَّذين يحبّون يَسُوْع. الرَّبّ معنا، الكاملُ أتى إلى الناقصين، والقاضي أصبح المنجِّي، والمُحْيِي انحنى على المعرَّضِيْن للموت.
٠٥.١٣ - إتمام الشَّرِيْعَة بيَسُوْع
ماذا فعل يَسُوْع بالنسبة لِشَرِيْعَةِ موسى؟ لقد أتَمَّهَا كُلِّيّاً، إذ لم يتممها أحدٌ سواه سابقاً أو لاحقاً. أحبَّ الله أباه دائماً مِن كل قلبه، لم يفسح المجال للمال أن يتسلط عليه. بقي مُتَوَاضِعاً وقنوعاً، ومجّد أباه كلَّ حين. ردَّدَ يَسُوْع اسم الآب الفريد أكثر مِن ١٦٨ مرَّة، كما ورد في الأناجيل الأربعة، فكان أبوه محورَ حياته. ثبتت محبَّة الآب ومحبَّة الابن في وحدتها حتَّى استطاع يَسُوْع أن يقول: "أنا والآب واحد" (يُوْحَنَّا ١٠: ٣٠) و"الآب فيَّ وأنا في الآب" (يُوْحَنَّا ١٤: ١١). وقد ظهرت محبَّة الآب وقداسته في يَسُوْع، فقال: "مَن رآني فقد رأى الآب" (يُوْحَنَّا ١٤: ٩).٠
أحبّ يَسُوْع أمَّه في كل حين، وأطاعها ما دام معها. ويَعترف القُرْآن بأنَّ يَسُوْع لم يكن جبَّاراً شقياً، بل بارّاً ومُعيناً لأمِّه على الدوام (مريم ١٩: ٣٢).٠
أحبَّ يَسُوْع خصومَه، ولم يَغتَبْهم، بل واجههم بالحقّ في اللطف والمَحَبَّة. لم يتزوَّج كداود ومُحَمَّد لأنّه عرف بأنّه يبذل حياته فديةً عن كثيرين. عاش بلا خطيئة قدوساً بالقول والفعل. ومع ذلك أكل مع الخطاة والعشَّارين وقادهم إلى التوبة. لم يمتلك حصاناً، واضطر أن يطلب إلى أصدقائه أن يعيروه حماراً ليركب عليه عند دخوله إلى أورشليم. لا سرقة ولا كذبة ولا شهوة ولا دافع أناني أفسد قَدَاسَة يَسُوْع وكماله. بقي بلا خطيئة، أحبَّ أعداءه وأحبَّ الناس جميعاً حتَّى ساواهم بنفسه، وأخذ ذنوبهم على نفسه، ومات نيابةً عنهم. فموته التكفيري لأجل البشر يعني إتمام النَّامُوْس (الشريعة). "ليس لأحد حبٌّ أعظم مِن هذا أن يضع أحدٌ نفسه لأجل أحبّائه" (يُوْحَنَّا ١٥: ١٣).٠
لقد وُلد يَسُوْع مِن روح الله قدُّوساً ليكمل مطالب الشَّرِيْعَة عوضاً عن جميع الناس، فاستطاع أن يموت كحَمَل اللهِ الطاهر، ورفع خطيئة العالم نهائياً. لهذا صار المَسِيْح نهاية الشَّرِيْعَة، كما كتب الرَّسُوْل بُوْلُس: "غاية النَّامُوْس (الشَّرِيْعَة) هي المَسِيْح. مَن يؤمن به يتبرر" (رومية ١٠: ٤). لا تجد الشَّرِيْعَة سلطةً على أتباع يَسُوْع منذ موته النيابي عنهم ،ولا يحقّ لِلشَّرِيْعَةِ أن تشتكي بعد على الَّذين يقبلون موت حَمَل اللهِ التكفيري. لقد تحرّروا بالإيمان به مِن كل شكوى الشَّرِيْعَة، وماتوا بموته لِلشَّرِيْعَةِ، فلا يعيشون بعد تحت حكم الشَّرِيْعَة. مَن يحرّره الابن فبالحقيقة صار حراً. لن يحلَّ غضب الله القُدُّوْس العادل على أتباع يَسُوْع، لأنّه برَّرهم جميعاً، وسوف يتبرأون في يوم الدَّيْنُونَة الرهيبة لأجل وسيطهم البريء. بِقُربانٍ واحدٍ أكمل المَسِيْح خاصته المقدسين.
إنّما مَن لا يقبل موت المَسِيْح التكفيري، ويرفض ذبيحته نيابةً عنا يبق تحت سلطة الشَّرِيْعَة، وعليه أن يرى كيف ينجز برَّه الذاتي. إنّه يشبه بحّاراً يريد أن يُفرِغ قاربه مِن الماء الَّذي تسرب إليه بملعقة. يبذل جهداً نهاراً وليلاً ويَغرق رغم ذلك أكثر فأكثر. يبغض معظم اليهود، وكذلك المُسْلِمُون، ابنَ الله المَصْلُوْب، فيتجهون بدون وسيط نحو يوم الدَّيْنُونَة. وسيعرفون بذعرٍ ديّانهم يَسُوْع الَّذي أنكروه، وسيعاينونه عند مجيئه: "ويقولون للجبال اسقُطي علينا وللآكام غَطِّينا" (رؤيا يُوْحَنَّا ٦: ١٦؛ لُوْقَا ٢٣: ٣٠). مَن يرفض الارتباط بالمَسِيْح، وينفصل عمداً عن حَمَل اللهِ الوديع، يختار الدَّيْنُونَة الصارمة على خطاياه وآثامه وفساده. مَن يقف علانيةً في وجه نور المَسِيْح لا ولن يجد حجَّة واحدة للاعتراض. وستشتكي الشَّرِيْعَة نفسها عليه، وتحكم على بواعثه وأفعاله بدقَّة. وقد صرّح يَسُوْع بقوله: "هذه هي خطيئتهم، لأنّهم لا يؤمنون بي بعد أن نزعت عنهم إثمهم" (يُوْحَنَّا ١٦: ٨-٩، ٣: ١٨-١٩).٠
اختاروا خطيئتهم عمداً، وطلبوا الدَّيْنُونَة على أنفسهم بكبرياء. لقد شعر مُحَمَّد بالحكم السَّاقط على جميع المُسْلِمِيْن، وأنَّ باب جهنم مفتوحٌ على مصراعيه أمامهم، فصرخ قائلاً: "وإن منكم إلا واردها. كان على ربك حتماً مقضيا" (مريم ١٩: ٧١). يا للهول والفزع! فلا نهاية لدموع وصراخ الباكين عند المُسْلِمِيْن، لأنّهم بَنَوا رجاءهم على الشَّرِيْعَة، والشَّرِيْعَةُ نفسُها ستدينهم، لأن ليس أحدٌ منهم أكملها بلا خطأ. ولا ينجدهم الله بعد ورودهم الجحيم، لأنَّ تقواهم غير كافية للتخليص. وأكثر مِن ذلك قد رفضوا مخلِّصهم الوحيد ووسيطهم القدير، كأنّهم يطلبون سطو غضب الله عليهم، كما قال يَسُوْع: "الَّذي يؤمن بالابن له حياةٌ أبدية، والَّذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياةً، بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنَّا ٣: ٣٦).٠
وماذا يحدث للمَسِيْحيِّين؟ هل هم أفضل مِن قساة القلوب غير التائبين؟ كلا، بالتأكيد لا. إنّهم عرفوا خطاياهم، وندموا عليها وأبغضوها، واعترفوا بها بكلِّ صراحةٍ وتركوها، وأصلحوا ما يمكن إصلاحه. إنّهم منسحقون، ولن ينسوا مِن أين أتوا ومَن كانوا. لقد اضمحلَّت كبرياؤهم، لكنَّهم تبرروا تبريراً أبدياً لأجل دم ابن الله المسفوك لأجلهم، ونالوا منه الحَيَاة الأبدية.
٦.١٣ - شريعة المَسِيْح فينا
الحمد لله! لقد أشفق يَسُوْع، متمِّم الشَّرِيْعَة، على تلاميذه وكتب الشَّرِيْعَة الأبدية في ذهنهم، وغرس روحه في قلوبهم. فليسوا، بعد تبريرهم، بدون شريعة ولا عبيداً تحت قَوَانِيْن جديدة. لأنَّ يَسُوْع وضع نظامه الجَدِيْد في قلوب أتباعه، وقال لهم: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبّوا بعضكم بعضاً. كما أحبّبتكم أنا تحبّون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إنْ كان لكم حبٌّ بعضاً لبعض" (يُوْحَنَّا ١٣: ٣٤-٣٥). لقد لخَّص يَسُوْع في وصيَّته هذه الوَصَايَا العَشْر كلها، وأصبحت وصيته قابلة للتنفيذ والتتميم، كما كتب الرَّسُوْل بُوْلُس إلى أهل رومية: "المَحَبَّة لا تصنع شراً للقريب. فالمَحَبَّة هي تكميل النَّامُوْس (الشريعة)" (رومية ١٣: ١٠).٠
ليست وصيَّة المَسِيْح الفريدة واجباً ثقيلاً غير قابلة للتتميم وملوّحة بتهديد التلاميذ، لأنَّ يَسُوْع منحهم القوَّة الرَّحِيْمة لتكميل وصيته. لقد أفصح الرَّسُوْل بُوْلُس، الفقيه في علم التَّوراة، عَنْ هذا الحقّ بقوله: "ناموس (شريعة) روح الحَيَاة في المَسِيْح يَسُوْع قد أعتقني مِن ناموس (شريعة) الخَطِيْئَة والموت" (رومية٨: ٢). يُنبِت روح الله الثمر المقبول في أتباع يَسُوْع وهو: "محبَّة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفُّف"، وتظهر قوَّة المَسِيْح في "أبناء النور في كلّ صلاح وبرّ وحقّ" (غلاطية ٥: ٢٢؛ أَفَسُس ٥: ٩).٠
٠٧.١٣ - التَّبْشِيْر بالمَسِيْح مِن دوافع شريعته
يعيش في محبَّة المَسِيْح جميعُ المخلَّصين بالنعمة، ولا يعيشون فيما بعد لأنفسهم، بل يعرضون على جميع البشر بِرَّ المَسِيْح وحياته مجاناً. فالتَّبْشِيْر بشخص المَسِيْح هو، إلى جانب الحمد والخدمة، أحد الدَّوافع الرَّئِيْسِيّة الَّتي تُغذِّيها محبَّة المَسِيْح. يذهب تلاميذه إلى العالم أجمع للكرازة بالشَّرِيْعَة والإِنْجِيْل للخليقة كلها. وتكشف الشَّرِيْعَة الخطايا منذرةً بالهلاك كلَّ خاطئ، أمَّا الإِنْجِيْل فيرسم لنا يَسُوْع أمام أعيننا، ويمنحنا برّه الأبدي مِن مجرَّد نعمته. ويعطينا الإِنْجِيْل، بالإضافة إلى ذلك، قوَّة الحَيَاة الأبدية في الرُّوْح القُدُس. لسنا بعد تحت الشَّرِيْعَة، بل شريعة المَسِيْح تسكن فينا. لقد أشفق علينا يَسُوْع المشترع الإلهي ومتمِّم كل بر. لذلك نتقدّم إلى الضَّالِّيْن وفاقدي الأمل بالرجاء الحي، ونشهد للمُسْلِمِيْن واليهود أيضاً بما قاله نحميا: "لا تحزنوا لأنَّ فرح الرَّبّ هو قوَّتكم" (نحميا ٨: ١٠). اعلموا وأدركوا أنَّ خلاصكم مُعَدٌّ لكم. إنّه جاهز وحاضر! خذوه واقبلوه! لا تضطربوا فيما بعد كهالكين تحت لعنة الشَّرِيْعَة. ليس لجهنم حقٌّ في الَّذي يؤمن بالمَسِيْح. لقد أخذ يَسُوْع كل اتّهام ولعنة وغضب الله على عاتقه. "الرَّبّ برّنا" (إِرْمِيَا ٢٣: ٦)! اعرفوه! آمِنوا به! اتحدوا به! هو الشَّرِيْعَة المجسّمة. دمه يطهِّرنا مِن كل خطيئة. هو يمنحكم محبّته الطاهرة، ويعطيكم القوَّة لتحبّوا الله والناس بإخلاص كما يحبُّكم.
محبَّة المَسِيْح هي تكميل النَّامُوْس
(الشَّرِيْعَة المُوْسَوِيَّة)
(رومية ١٣: ١٠)٠
٠٨.١٣ - مسابقة كتاب·"الوَصَايَا العَشْر"٠
أيها القارئ العزيز،
'+ إنْ تعمَّقْت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تُجيب عن الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدّون أن نرسل لك أحد كتبنا الرُّوْحِيَّة جائزةً على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال إجابتك إلينا.
الأسئلة:
أيُّها القارئُ العزيز: نتمنّى أن تكسب مِن تأمُّلاتك في الوَصَايَا العَشْر أفقاً أوسَع لحياتك، و أن تحصل على قوَّة جَدِيْدة مِن ربّك الحيّ. كما نتضرَّع إلى المَسِيْح ليباركك و يحفظك مِن تجارب إِبْلِيْس، بل يجعلك منارةً في الظُّلمة المتصاعدة حولنا. ونحن في انتظار رسالتك القادمة.