Waters of Life

Biblical Studies in Multiple Languages

Search in "Arabic":
Home -- Arabic -- The Ten Commandments -- 11 Ninth Commandment: Do Not Bear False Witness Against Your Neighbor

Previous Lesson -- Next Lesson

الموضوع ٦ -- الوصايا العشر في خروج ٢٠
حَاجِز الله الوَاقِي مِن سُقوطِ الإِنْسَان

١١ -- الوَصِيَّة التَّاسِعَة: لاَ تَشْهَدْ شَهَادَةَ زُورٍ



سفر الخروج٢٠: ١٦
لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.


٠١.١١ - سُلطَة اللِّسَان

لساننا صغير، ولكنّه يتمتع بسُلطة هائلة. وهو في أغلب الأحيان أقوى مِن المال أو العضلات أو الدَّواء الغالي. وتشبه كلمة لساننا عود الكبريت الَّذي يستطيع في لمح البصر أن يحوّل غابةً جافَّةً إلى بحر نار ملتهب. وعلى عكس ذلك، فإنَّ الكَلِمَة المفيدة تشبه المجذاف الَّذي يقود عملاق المحيط بهدوء إلى المرفأ الأمين. يستطيع الإِنْسَان باللِّسان عَيْنِه أن يَكذب، ويلعَن، ويجدِّف على الله؛ أو أن يقول الحقَّ، ويحمد الله، ويُعزِّي المتشائم. كيف يتمّ هذا؟ أعطانا الرَّسُوْل يعقوب في الأصحاح الثالث من رسالته ثلاثة أمثلة بنّاءة تقودنا إلى التوبة. وينبغي أن نمتحن الكلمات الَّتي ينطق بها لساننا في نور كلمة الله، لأنَّ كلّ كلام رديء يشير إلى قلب فاسد غير متجدِّد، كما يكشف كلّ قول لطيف على أنّه مِن روح محبَّة الله الحالّ في قلب المتكلِّم.


٠٢.١١ - ضرورة تقديسنا

نحتاج إلى المخلِّص يَسُوْع الَّذي يطهِّر لساننا النَّجس، ويجدِّد ذهننا المرفوض بروحه القُدُّوْس ليملأنا بحقِّه. ارتجف إِشَعْيَاءُ الكاهنُ النبي الوقور، الَّذي اختاره الله ليقف أمامه ليصالح الناس مع القُدُّوْس الواحد في الثَّالُوْث، فعندما لاحظ حُضور الرَّبّ أصابه رعبٌ في صميم قلبه، وصرخ: "ويلٌ لي إني هلكتُ لأني إنسانٌ نجس الشفتين، وأنا ساكنٌ بين شعب نجس الشفتين، لأنَّ عينيّ قد رأتا الملك الرَّبّ". فطار إليَّ واحدٌ مِن السرافيم وبيده جمرةٌ قد أخذها بملقط مِن على المذبح، ومسَّ بها فمي، وقال: "إنَّ هذه قد مسَّت شفتيك، فانتُزع إثمك، وكُفّر عن خطيئتك" (إِشَعْيَاء ٦: ٥-٧).٠

يَعرف الإِنْسَان نفاق قلبه، وكيد ذهنه، وخداع نفسه بنفسه معرفةً واقعيةً متى قابل الله فقط. وعندها يُبصر فجأةً أنَّ الله الحقّ هو المقياس لنا. نُدرك في نوره أننا مشحونون نجاسةً وكذباً ولوثةً وخبثاً ساماً. يعيش الإِنْسَان عادةً سطحياً دون الالتقاء بالله القُدُّوْس. ولا تتغير هذه الحالة إلا إذا اقترب مِن ربِّه، وعِنْدَئِذٍ يكتشف كل شيء فوراً. سقط الرَّسُوْل بطرس، بعد أن رأى قدرة ربه، إلى الأرض أمام يَسُوْع، وصرخ: "اخرج مِن سفينتي يا رب، لأني رجلٌ خاطئٌ" (لُوْقَا ٥: ٨)، لأنّه لم يعد يحتمل دُنوّ القدير منه، وعلم بأنَّ يَسُوْع نظر إلى أعماق قلبه وأدانه. ورغم ذلك، دعاه يَسُوْع الَّذي عرف إنكاره مسبقاً ليكون صيَّاد ناس، مثلما دعا الرَّبّ إِشَعْيَاء بعد توبته ليكون رسوله.

إنَّ يَسُوْع هو الحقّ المتجسّد. وروحه هو روح الحقّ بالذات (يُوْحَنَّا ١٤: ١٧). يَحْزَن روح الحقّ بسبب كلّ كذبة وإشاعة كاذبة، وكل اتّهام باطل، وكلّ ثرثرة تخرج مِن فمنا. الله لا يَكذب. إنّه طاهرٌ، وكلمته حقٌّ، وتتحقَّق حتماً. يريد أن يجدِّدنا حقاً، ويؤهِّلنا للصدق في محبّته المُتَوَاضِعة، ويحثنا على قول الصدق في المَحَبَّة، ويربِّينا على العيش في المَحَبَّة الحَقَّة. مَن يلقي قولَ الحقّ ببرودة، ودون رحمة، في وجه إنسانٍ، يشبه قاتلاً متعمداً. ولكن مِن يُداهن الآخَر باللطف والابتسام، ويكتم عنه الحقيقة، يكذب بالرغم مِن محبّته له. مَن يمدح إنساناً ويكرمه باستمرار، أو "يمسح له الجوخ"، ولكنّه يغتابه خلف ظهره ويَتَكَلَّم عنه بسوء، فهو كاذبٌ. فالمدح المتزلف والتشنيع يتّفقان في الغالب معاً. إنَّ المَحَبَّة بدون صدقٍ كذبٌ، والحقّ بدون محبَّةٍ قَتْلٌ.


٣.١١ - مَصْدَر الكذب على أنواعِه

إنَّ الله الواحد في الثَّالُوْث هو الحقيقة والحقُّ بحدِّ ذاته. وعلى العكس مِن ذلك الشَّيْطَان. يدعوه يَسُوْع "كذَّاباً وأبا الكَذَّاب"، و "قتَّالاً للنَّاس من البدء". و"الشِّرِّيْر" و"رئيس هذا الدهر" (متَّى ٦: ١٣؛ يُوْحَنَّا ١٦: ١١). كل ما يصدر عنه هو كذبٌ وخداعٌ، حتَّى وإنْ ظهر صادقاً مستقيماً.

أضلّ الشِّرِّيْر حواء بسؤال ماكر مُحرِّفاً الحقيقة، وقدّم التَّحريف بعلامة سؤال. وأظهر الله كأنانيٍّ كذَّاب. وزعزع ثقة حواء بالله. وعِنْدَئِذٍ استيقظت في حوَّاء روح الكِبْرِيَاء والشهوة والتمرّد على الله.

قاد الرُّوْحُ القُدُس يَسُوْعَ، بَعد معموديته، إلى البرية ليُجرَّب مِن إِبْلِيْس. فبَعدما صام وصلى أربعين نهاراً وأربعين ليلة، قاوم المجرب الَّذي تقدّم إليه محرِّفاً الحقيقة بسؤاله مرَّة أخرى، وقال له: "إن كنت ابن الله؟"... فلو نطق: "أنت ابن الله!" لكان قد أثبت الحقّ؛ ولكنّه جعل مِن الحقيقة سؤالاً، محاوِلاً أن يُوقِع يَسُوْع في شكّ في بنوّته لأبيه السَّمَاوِيّ، ليفصله عنه، ويضلّه، ليخدم نفسه بنفسه. لم يجبه يَسُوْع بكلامٍ من عنده، ولم يدخل في نقاش مع الشِّرِّيْر، ولم يَتَكَلَّم بدافع اختباراته الغنية، بل ردَّ عليه وقال: "إنّه مكتوب". لقد أثبت يَسُوْع كلمة الله الموحى بها والمكتوبة، على عكس الالتواء الشَّيْطَاني والكذب. لا يوجد أسلوبٌ آخر في هذا العالم للفوز على "أبي الكَذَّاب" سوى الاعتماد على كلمة الله المعلَنة لجميعنا.

مِن العجيب أنَّ الشَّيْطَان يعرف الكِتَاب المُقَدَّس أيضاً، ويستخدمه بمكرٍ وحيلةٍ. لقد ردّ على رفض يَسُوْع، وأورد مباشرةً نصاً مِن الكِتَاب المُقَدَّس، ولكنّه انتزع معناه مِن سياق النص؛ وحاول أن يدفع بيَسُوْع إلى الكِبْرِيَاء والتناقض مع أبيه. فأجابه يَسُوْع للمرة الثَّانِيَة : "إنّه مكتوب أيضاً لا تجرّب الرَّبّ إلهك" الَّتي وضعَت نِيَّاتِ الشَّيْطَان المضِلّة في نور الحقّ الإلهي. يتبيّن مِن هذا الكفاح العظيم بين ابن الله والشَّيْطَان أنَّ الشِّرِّيْر لا ينطق بأَكَاذِيْب مكشوفة وضخمة فحسب، بل تتضمَّن وساوسه أحياناً ٨٠ إلى ٩٠ بالمائة مِن الحقّ. ولكنْ تظهر كلماته أخيراً كذباً وتضليلاً وخداعاً وعصياناً على الله وعلى ابنه. امتحِن الفَلْسَفَات والأَدْيَان والمذاهب المختلفة الَّتي أتَتْ بعد المَسِيْح فتجد فيها أَكَاذِيْب وأضاليل ماكرة، رغم إظهار بعض الحقّ. ويخدع الشَّيْطَانُ، حتَّى اليوم، بعضَ المُؤْمِنِيْن وطُلاب الحقّ زاعماً أنَّ الكِتَاب المُقَدَّس مُحَرَّفٌ ومنسوخٌ ومؤلَّفٌ بأيدي بشر.. إلى آخِر ما هُنالك مِن مزاعم وافتراءاتٍ باطلةٍ، لا أساس لها مِن الصِّحَّة. فَلا تسمَح لوساوسه بأن تدخل قلبك، بل حارِبْه كما حاربه يَسُوْع القائل: "إنَّه مكتوبٌ".


٠٤.١١ - الخدعةُ الكُبرى

لا تحتوي العَقَائِد الَّتي تتضمَّنها الدِّيَانَات البرّاقة على أَكَاذِيْب محضة وغليظة وضخمة فحسب، بل تَعرض على الإِنْسَان أيضاً شرائع ضروريةً وبرامج بنّاءةً وجذَّابةً. إنما أساس هذه الأَفْكَار والأَنْظِمَة مبنيٌُّ على خطأ مبدئي. فالحَقَائِق الجزئية تُساند الأضاليل الرَّئِيْسِيّة.

يَظهر الإسلام للأجانب كأنّه دين الله، لأنّه يشمل حَقَائِق مأثورةً مِن العَهْدَين القَدِيْم والجَدِيْد. ولكن جميع المُسْلِمِيْن ينكرون بشِدَّة ابنَ الله المَصْلُوْب.

وتُعلن مذاهب الإِنْسَانِيّة بأنَّ الإِنْسَان "صالحٌ"، قابلٌ للتهذيب بواسطة مناهج تربوية ثقافية عالية، إنما يهمل أتباعُ هذه الفَلْسَفَات الحقيقةَ أنّ كلَّ فَردٍ خاطئٍ فاسدٌ لا مجال لإنقاذه مِن دينونة الله إلا بيَسُوْع المَسِيْح وإيَّاه مَصْلُوْباً.

وتمزج كذلك الشُّيُوْعِيّةُ والبدعُ الأخرى الأَكَاذِيْبَ المُنَمَّقَة بحَقَائِق واضحةٍ، وتقود الإِنْسَان أخيراً إلى الإلحاد الفظيع.

وينزع اللاَّهُوتِيُّون والجماعات المتديِّنة آياتِ الكِتَاب المُقَدَّس مِن سياقها الحَقِيْقِيّ، لِتَحُثَّ المُشْتَاقِيْن إلى البرّ على تقديس أنفسهم بأنفسهم، بدل أن تُقرّ بأنَّ يَسُوْع هو الطريق الوحيد إلى الآب.

أمَّا يَسُوْع المَصْلُوْب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ فهو وحده المفتاح للحق والحَيَاة. سنَظهر جميعاً أمام المجيد كذَّابين. ولكن مَن يؤمن به بتواضع ويتغيّر يصبح حكيماً وعادلاً وصادقاً، ويستطيع أن يهرب مِن أدغال الضَّلال المنتشرة في العالم كُلِّه.

لا يُمْكِنُ حَصْرُ وابلِ الأَكَاذِيْب الَّتي تُمْطِرُنا بها الإذاعاتُ والصحفُ والمجلاتُ والتلفزيونُ يَوْمِيّاً، والَّتي يُنطَق بها في مهرجانات الأحزاب، وفي خطب الاحتفالات. لا تُقدِّم هذه الخطب والمحاضرات أَكَاذِيْبَ بدائيَّةً وبسيطةً، وإنما تُلَفَّقُ بجُمْلَتِهَا على ضوء سَيْكُولُوجِية الجَمَاهِيْر، ويُخَطَّطُ ردُّ فِعْل المستمعين سلَفاً. فيظهر الحزب المُعَارِض وكأنَّه قمَّة الفساد، أمَّا الحزب المُنَاوِئُ له فيبدو كأنَّه المُنْقِذ الوحيد. وكثيراً ما يبوء هذا الأسلوب المُضلِّل بالفشل، فتخلق المعلومات الخاطئة المتعمَّدَة استياءً شديداً لدى الجُمْهُوْر، يؤدِّي بالنتيجة إلى عكس الغاية المرجوَّة. إنَّ قَلْبَ الحَقَائِق يُولِّدُ الحِقد والرَّفض، وما يُمكِن أّن ينتج عنهُما مِن عواقب وخيمة.


٠٥.١١ - الأَكَاذِيْبُ اليَوْمِيّة

إنَّ الكذب لا يسيطر على السِّيَاسَة الكبرى فحسب، بل على الحَيَاة اليَوْمِيّة أيضاً، فَيُشَوِّه الحَقَائِق ويَقلب الخير شرّاً والشرَّ خيراً. كثيراً ما تتحوَّل جلسات القهوة إلى مراتع للاتهام والكذب، كما تتحول الحلقات المنظَّمة لبحث قضايا بنّاءة إلى حلقات نقد وإدانة للغائبين. وكَم مِن مرَّةٍ اغتاب فيها الحاضرون زميلاً لهم، فدخل هذا الزَّميل عليهم فجأةً، فتغيَّرَت وجوهُهم، وتغيَّر حديثهم وانتقل بسرعة البرق إلى موضوعٍ آخَر؟! كلُّنا مراؤون منذ حداثتنا.

ربما لم ننطق بأَكَاذِيْب ضخمة ضد الشخص الَّذي اغتابه الحاضرون، إلاَّ أنَّنا شوَّهْنا سمعته، وحرّفنا حقَّه أو قصرناه. يُوسوِسُ إلينا "أَبُو الكَذَّاب" أَكْثَر مِمَّا نعلم. فينبغي أن نتوب حقاً، وندرك تشويهنا للحَقَائِق، ونرفض استخدامنا نصفَ الحقّ، ونعترف بأنَّ الكذب خطيئة مميتة. يجب علينا أن نتحدَّث عن الغائبين وكأنّهم حاضرون بيننا. ربما يجدر بنا أن ننسف حلقات حديث سامّ، ونضع حداً للثرثرة، أو نُطالِب بحقّ الشخص الغائب في أن يوضِح أمرَه لنضع حدّاً للإجحاف والتَّفرقة. يحتاج قول الحقّ إلى جرأة أدبية؛ ونحن مسؤولون أمام الرَّبّ عن الدِّفاع عن كلّ شخص غائب يهاجمه الحاضرون. إنَّ الوَصِيَّة التَّاسِعَة تأمرنا بأن نكون كسمكة تسبح ضدَّ التيَّار على الدوام. نقع أحياناً في مأزق حرج، نضطر فيه فجأة أن نحدِّد موقفنا، ولكنَّنا لا نقدر أن نتفوّه بالأمر صراحةً دون أن نشهد على المعنيِّين، أو نفضح أنفسَنا أمام الجميع. ونميل في هذه الحالة إلى الكذب الاضطراري، أو قول نصف الحقيقة، أو قد تفلت مِن لساننا "كذبةٌ بيضاء"، أو عبارةٌ لبقةٌ، أو كلامٌ ماكرٌ، يصرف الأنظار عن الحقيقة. لقد صَدَقَ المثَلُ الدَّارج: "يَجِدُ عذراً بأسرع مِمَّا تَجِدُ الفأرةُ مَنْفَذَهَا".

لقد سمّم الكذب مجتمعنا. فلا يُصدِّقُ أحدٌ الآخَر، أو يثق به كلياً. يعتقد الكَثِيْرُوْن بأن مَن يُخاطبهم يفكِّر بخلاف ما يقول، أو العكس بالعكس. إنَّ سوء الظنّ يفصل الناس بعضهم عن بعض، مثلما يفصل لوح الزجاج غير الشَّفَّاف الحاضرين بعضهم عن بعض. يقودنا الكذب إلى العزلة، ويحرق القلب، ومِن ثمَّ يعود فيصعد، في أوقات السكينة، إلى الوعي. طوبى لمن يلتمس القوَّة مِن يَسُوْع، والجرأة على أن يعترف جهراً بأَكَاذِيْبه، وتشويهه الحَقَائِق، وإهانته الآخرين، وسَتره الواقع وتضليله واستنكاره؛ فيطلب مِن المعنيِّين الصفحَ والغفران. إنَّ مثل هذا الاعتراف العلني ينقّي الجو، ويُعزِّزُ الثقة، ويحطِّم كبرياءنا الحقيرة.


٠٦.١١ - مَن يفهم أخاه الإِنْسَان حقاً؟

يليق بنا أن نمتحن أنفسنا لنعرف إنْ كنَّا نفهم إخوتنا كما يقدّرهم الله. يقول لنا يَسُوْع بصراحة: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَِنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَِخِيكَ دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ." (متَّى ٧: ١-٥). مَن يدرك معنى هذه الوَصِيَّة المبدئية، المكتوبة في مَوْعِظَة الجَبَل، ويقبلها بصمت ويتأمل فيها ينتقد نفسه أوَّلاً قبل أن يرفض الآخر، ولا يقضي عليه أدبياً. من المحتمل أن يكون أخونا الإِنْسَان قد اقترف خطأ عينياً مقداره كالقذى في العين. إنّما لا نلاحظ، ولا نريد إخراج الخَشَبَة الَّتي في عيننا. يظهر أنَّ كلّ إنسان يميل إلى أن يبرِّر نفسه ويهمل خطاياه الواقعة، كالحقد، والنجاسة، والبخل، والحسد، وقلّة الذمّة، وتدنيس يَوْم الأَحَد، أو قلَّة المَحَبَّة لِلَّه والوالدين. مَن ينكر نفسه منقاداً بروح الله، لا يرفض الآخرين بدافع الكِبْرِيَاء وبالسرعة، أو يحتقرهم، بل يفكِّر في كيفية مساعدتهم كما ساعده الله.

لا يَقدر إنسانٌ أن يحكم على آخَر بعدل حقّ، فنحن لا نعرف طبيعة الآخَر، ولا تأثيرات البيئة الَّتي صقلته إلى ما هو عليه. ما عساه يكون موقفنا تجاهه، لو أنَّنا كابدنا ما كابده مِن مصاعب؟ وإلى أيِّ درجةٍ كان يمكنه أن يصل لو أنَّه اختبر ما اختبرناه نحن مِن بركات وإرشادات؟ ترشدنا الوَصِيَّة القائلة: "تحبّ قريبك كنفسك" (لاويين ١٩: ١٨) إلى التَّرَوِّي قبل إطلاق أحكامنا على أخينا الإِنْسَان. إنَّ مِن واجبنا أن نحبَّه، لا أن ندينه ونكرهه.

وهنا تطرأ مشكلة الحلف. أجل، من يدري إن كان قد رأى الواقع كما كان، وسمع الحقّ الشامل، وفهم كلّ شيء بالضبط! لا يُعقل مطلقاً أن ندرك الحقيقة بأكملها كما يراها الله. إنَّ حكمنا على أخينا الإِنْسَان يبقى حكماً ناقصاً على الدَّوام. مَن يدرك هذه الحقيقة لا يتسرَّع في كلامه على الآخرين، بل يفكِّر أوَّلاً، ويصلِّي لأجلهم، ويحاول أن يفهمهم حقاً. ليت الرَّبّ يمنحنا عين الأُمِّ وليس عين الشرطي!


٠٧.١١ - كيف ينبغي لنا أن نقول الحقَّ؟

ماذا نفعل أمام قدراتنا المحدودة على إدراك الحقّ؟ أنَعتبر الكذب ضرورياً لاَ بُدَّ مِنْه، والصدق مستحيلاً؟ كلا أبداً! ينبغي أن نشهد كشهود عيان عن حدوث أي حادثة أمام المحكمة بصدق ووضوح. ولذلك نطلب الحكمة مِن الله لئلا نغدر بإخوتنا وأخواتنا أو نثقل على كاهلهم فوق الحقّ. ويحتاج المَسِيْحِيُّون في أوقات الاضْطِهَاد خاصَّةً إلى النعمة، ليقولوا الصدق بأسلوب صحيح، دون أن يكذبوا. نحتاج نحن إلى قيادة الرُّوْح القُدُس لئلا نعرّض أعضاء الكَنِيْسَة للخطر، أو نثقل على كاهلهم. نقول الحقّ دائماً، ولكن لا نستطيع إعلان الحقّ كلّه فِيْ سَبِيْلِ المَحَبَّة والخدمة. يظن الَّذين لا يتبعون المَسِيْح بأننا نكذب، أو نلوي الواقع مثلهم، لأنّهم لا يعرفون روح الحقّ. لا يقدرون أن يتصوّروا بأن الرُّوْح القُدُس يدفعنا ويقودنا دائماً إلى قول الصدق.

يُرشدنا الإِنْجِيْل إلى التدرّب في حياتنا اليَوْمِيّة، في المدرسة وفي المجتمع، في عائلاتنا وفي أوقات الفراغ، على إظهار حسَنات أخينا الإِنْسَان، فلا ننتقد أخطاءه. عِنْدَئِذٍ نجتهد في التفكير الحسن بأصدقائنا وأعدائنا، ولا نكذب. كتب الرَّسُوْل بُوْلُس إلى أهل كُوْرِنْثُوْس: "المَحَبَّة تتأنى وترفق. المَحَبَّة لا تحسد. المَحَبَّة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبِّح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحقّ، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المَحَبَّة لا تسقط أبدا" (١ كُوْرِنْثُوْس ١٣: ١-٨).٠

لا يصدر مِن روح المَحَبَّة حكمٌ هدّامٌ على أيِّ إنسانٍ، بل يتضاعف الجهد لمساعدته، وفهمه، وتقويمه، بروح التواضع والمَحَبَّة. كتب الرَّسُوْل بُوْلُس إلى أهل أَفَسُس، الَّذين بلغوا درجة لا يُستهان بها مِن النضج الروحي في ممارسة الخدمات المَسِيْحِيَّة: "اطرحوا عنكم الكذب، وتكلّموا بالصدق، كل واحد مع قريبه. لأننا بعضنا أعضاء البعض" (أَفَسُس ٤: ٢٥). لا نخلو مِن الجِهَاد فِيْ سَبِيْلِ قول الصدق بالمَحَبَّة، حتَّى وإن سعَينا إلى النضج في الرُّوْح القُدُس؛ بل على عكس ذلك، يحاول الشَّيْطَان أن يغرّر بالمُؤْمِنِيْن أنفسهم ليجرَّهم إلى نوع مِن الكذب والحكم الصارم على الآخَرين، ورفض ذوي الرأي المختلف. إن كان يَسُوْعُ نفسُه قد جُرّب فإنّه لا يعفينا مِن التجربة. لذلك كتب الرَّسُوْل بُوْلُس إلى أهل أَفَسُس: "تقوّوا في الرَّبّ، وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إِبْلِيْس. فإنَّ مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الرُّوْحِيَّة في السَّمَاوِيّات" (أَفَسُس ٦: ١-١٢).٠

يُرينا يُوْحَنَّا رسول المَحَبَّة، بنوعٍ خاصٍّ، أين تقع جذور الكذب في حياة الإِنْسَان: "مَن هو الكَذَّاب إلاّ الَّذي ينكر أنَّ يَسُوْع هو المَسِيْح" (١ يُوْحَنَّا ٢: ٢٢-٢٣). "مَن لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً، لأنّه لم يؤمن بالشهادة الَّتي قد شهد بها الله عن ابنه" (١يُوْحَنَّا ٥: ١٠). أمَّا مَن يعيش في محور الصدق، فيستطيع أن يَثبت صادقاً في الحَيَاة العملية مع ربِّه.


٠٨.١١ - مَكْرُ الله في القُرْآن!٠

يُظهر الإسلام، بخصوص الصدق، روحاً غريباً. نقرأ في آل عمران ٣: ٥٤ "ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين". يُقصد بالماكرين هنا اليهود الَّذين تآمروا ليقتلوا المَسِيْح. ولكنَّ الله، بحسب المَفْهُوْم الإِسْلاَمِيّ، استغفلهم، وأنقذ يَسُوْع مِن أوجاع الصَّلِيْب، ورفعه إليه حيّاً. ما أعظم الغرور! لقد خلّص الله يَسُوْع، حسب القُرْآن، مِن الموت صلباً بواسطة مكره العظيم. لا يوجد تشويه لتَارِيْخِيَّة موت يَسُوْع على الصَّلِيْب أفظَع مِن هذا الالتواء والكذب. لقد اضطرّ الله في الإسلام أن يكشف القناع عن وجهه تجاه المَصْلُوْب، ويعلن أصله بصفته عدواً للحق، ورئيساً للكذابين والخدَّاعين (النِّساء ٤: ١٤٢). يتّضح هنا للعيان حقد الشَّيْطَان على ابن الله المَصْلُوْب. فالإسلام يُظهِر القُدُّوْس بالذات كأنّه ماكرٌ فِيْ سَبِيْلِ محو تَارِيْخِيَّة الصَّلِيْب. يُدعى الله في القُرْآن "خير الماكرين"!

لم يكن مِن قبيل المصادفات أن يَرى أتباعه أيضاً في المكر وسيلةً شرعيَّةً لنيل مآربهم الخاصة ولنشر الإسلام. إنَّ مُحَمَّداً أذِنَ للمُسْلِمِيْن رسميّاً بالكذب والخداع في أربع حالات: في الجِهَاد، وأثناء مصالحة خصمَين، والرَّجل تجاه امرأته، كما المرأة تجاه زوجها. فمن يقدر أن يصدِّق في الإسلام قريبَه أو عدوَّه؟ بعد إعلان هذه المبادئ، الكلُّ يشُكُّ في الكُل، لعدم وجود الصدق المطلَق بين المُسْلِمِيْن. (قارن ما جاء في سُنن أبي داود، في كتاب الأدب: "حدّثنا الرّبّيع بن سليمان... عن أم كلثوم بنت عقبة: ما سمعت رسول الله يرخّص في شيء مِن الكذب إلا في ثلاث. كان رسول الله يقول:"لا أعدّه كَذِباً (كاذباً) الرجل يصلح بين الناس، يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والحرب خدعة، والرجل يحدّث امرأته، والمرأة تحدِّث رجلها". وقد جاء الحَدِيْث نفسه في سُنن "الدارقطني"، في كتاب الكلام (الباب ١٩). وجاء في سُنن "الترمذي" في كتاب البِرّ (الباب ٢٦)، عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله: "لا يحلّ الكذب إلاَّ في ثلاث: يحدّث الرجل امرأته ليُرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس". وجاء الحَدِيْث نفسه في مسند ابن حنبل (الباب ٦).٠


٠٩.١١ - كذبة الحَيَاة، أو صدق الله

مَن لا يَقبل المَصْلُوْب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ منقِذاً وربّاً لحياته لا يحلّ فيه روح الحقّ، بل تصبح حياته كلها كذباً، لأنَّه يعيش في كذب عام، مضلِّلاً سعيَه خادِعاً نفسَه. لقد سفك يَسُوْع دمه على الصَّلِيْب كفَّارةً عن الخطاة الهالكين والكَذَّابين التائبين. وبعد قيامته مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ سكب على المصلِّين المُنْتَظِرِيْنَ روح الحقّ الَّذي ظهر في يوم الخمسين (العنصرة) بهيئة ألسنة مِن نار، موضحاً بذلك ما أراد أن يخلقه جديداً: لقد منحنا ألسنة جديدة لكي نجهرَ بخلاص المَسِيْح، ونعترف بالصدق في المَحَبَّة. ونشهد بالله الآب والابن الرُّوْح القُدُس الإله الواحد، وخلاصه المُتَمَّم، ونصلِّي في الوقت نفسه لأجل إخوتنا وأخواتنا غير المُؤْمِنِيْن ليَتَجَدَّدوا مثلنا مِن الأساس، ويتغيروا كُلِّيّاً ويعيشوا في المَسِيْح.

طوبى للإنسان الَّذي له صديقٌ يصلِّي لأجله ويقول له الصِّدق بالمَحَبَّة. إنّه أفضل مِن ألف صديق يمدحونه باستمرارٍ، كاذبين. لذلك نطلب إلى يَسُوْع أن يجعلنا صادقين، ويُرشدنا إلى قول الصِّدق بالصَّواب والحَق. لقد أمرنا قائلاً: "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد عن ذلك فهو من الشِّرِّيْر" (متَّى٥: ٣٧).٠

www.Waters-of-Life.net

Page last modified on August 01, 2017, at 05:29 PM | powered by PmWiki (pmwiki-2.3.3)