Previous Lesson -- Next Lesson
٤ - إنشاء كنيسة فيلبي (١٦: ١١ - ٤٠)٠
أعمال الرسل ١٩:١٦-٢٤
١٩ فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ, أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. ٢٠ وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ قَالُوا, هَذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا, وَهُمَا يَهُودِيَّانِ, ٢١ وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا, إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ. ٢٢ فَقَامَ الْجَمْعُ مَعاً عَلَيْهِمَا, وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. ٢٣ فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً فَأَلْقَوْهُمَا فِي السِّجْنِ, وَأَوْصُوا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. ٢٤ وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هَذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ, وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ٠
كانت هذه الجارية العرّافة بمثابة بقرة حلوب للكثير مِن الأغنياء الّذين لم يبالوا بعذاب هذه الملبوسة النفسي، بل كوّموا أموالاً مِن كذب الشيطان ومكره بواسطتها. فاغتاظوا لمّا انتهى فجأة مورد رزقهم، فصاروا كالمجانين، وتربّصوا ببولس وسيلا، وقبضوا عليهما وجروهما بشغب وعنف إلى رئيس البلديّة، واتّهموهما بإثارة التمرّد في المدينة. طبعاً إِنَّهم لم يقولوا شيئاً عمّا فعله الرسولان مِن تحرير تلك المستعبدة مِن كابوس التباسها، بل ألصقوا برسل وداعة المسيح أنّهم ثوريون مِن اليهود، ويدخلون عوائد غير مستحبة وغير لائقة لروماني شريف. فأثاروا حمية العساكر المتقاعدين الّذين كانوا يقطنون مدينة فيلبي، خاصّةً بعد انتهاء خدمتهم. فسرعان ما اهتاجوا، لأنّ موالي العَرَّافة كانوا معروفين ومحترمين. وهكذا تقدّمت أمواج الجماهير صاخبة إلى دار البلديّة. ولمّا وصلوا إلى رئيسي البلديّة، رأى هذان المسؤولان أنّ الرّأيَ العامَّ ضدّ اليهوديَّين، فأعطى أحدُهما علامةً لخدم البلديّة، فشنّوا هجوماً على الرسولين، ومزّقوا ثيابهما، حتّى عرّوهما وضربوهما ضربات أليمة كثيرة، وأشبعوهما تعييراً وسخرية، أمام مشهد الجماهير المستهزئة٠
ولأجل الاستخبار عن هذين المشاغبين المضروبين، فقد ألقيا في السجن، في غرفة داخليّة ضيّقة وسخة، وظهراهما داميان مِن الجَلد، وجسماهما منهوكان متألّمان وأكثر مِن ذلك، فقد وضعوا أرجلهما في المقطرة، القيد الشديد، وصفدوهما بسلاسل ثقيلة كيلا يهربا. فبماذا فكّر المسكينان المحبوسان؟ أَلَعَنا الرومان؟ أو تأسّفا لتحريرهما العرَّافة مِن شيطانها؟ أو خافا مِن مغبة الاعتداء على الكنيسة النامية حديثاً؟ لا ثمّ لا! فإنّ المحبوسين تكلّما مع ربّهما في الصّلاة، وباركا مضطهديهما، وأدركا أنّهما اشتركا في حمل صليب المسيح٠
أعمال الرسل ٢٥:١٦-٢٨
٢٥ وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللَّهَ, وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. ٢٦ فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ, فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا, وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. ٢٧ وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ, وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً, اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ, ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. ٢٨ فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً, لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاً رَدِيّاً, لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا٠
لم يسترح الرسولان بعد عذابهما، وتشقّق ظهريهما الداميين في أحد المستشفيات تحت إشراف علاج راهبات لطيفات، بل كانا مقيّدين بالمقطرة والسّلاسل، جالسين في العراء على الصخور، والظلمة مخيّمة ورابضة عليهما. ولكنّهما لم يشتما ولم ينوحا. بل رتّلا معاً؛ فالصّلاة بصوت خفيف لم تكفهما، لأنّ قلبهما امتلأ شكراً وحمداً لانتصار المسيح، بعد المنع الطويل مِن الرّوح القدس في آسيا الصغرى. لقد أشرقت أصباح غلبة المسيح في أوروبا، فعلى الظلمة أن تسمع اسم المُقام مِن بين الأموات، ولا حائل مطلقاً دون حلول ملكوت الله وانتشاره في الأرض. فرتل المعذّبان بصوت عال حتّى سمعهما السُّجناء الآخرون٠
وكان منتصف الليل، لمّا بلغت ترانيم الحمد عنان السّماء. وهذا الخبر في أعمال الرسل كان رمزاً معزيّاً لكثير مِن المعذّبين والمضطهدين في تاريخ الكنيسة، إذ ارتفع حمدهما في منتصف وخلال الغَسَق. عندئذ جاوبهما الله فجأة، ليس بظهور ملاك ولا بكلمات وحيّ، بل بزعزعة زلزال. فبان لهما لأوَّل وهلة كأنّما الشيطان يزيد في تعذيبهما، وسقطت حجارة وأتربة مِن السّقف عليهما. ولكن بعد قليل انفتحت كلّ أبواب السجن بقوّة، وسقطت عنهما كلّ سلاسلهما المعذّبة. ومع ذلك لم يهرب بولس مستغنماً الفرصة مع السجناء الأُخر الّذين كانوا مضطربين في أعماق قلوبهم مِن الترتيل، وجواب الله عليه بالزلزلة، حتّى ما تجرأوا على الحراك، وربّما خافوا مِن دينونة الله على خطاياهم الظاهرة٠
لكنّ رئيس السجن انتفض مِن فراشه، ورأى أبواب السجن مفتوحة، ظانّاً أنّ السجناء كُلَّهم قد فرّوا. فخاف مِن عار هربهم مِن يده، ومما ينتظره مِن محاكمة وعذاب أليم، وقتل له، واستعباد لعائلته، وهكذا مشحوناً بهذه المخاوف والتصوّرات استلّ سيفه مزمعاً أن يخرق صدره به٠
ورأى بولس مدير السجن المزمع على الانتحار وسيفه بيده، فصرخ به: قف! لا تقتل نفسك! لا تخف، لم يهرب أحد. السُّجناءُ كلُّهم موجودون هنا. فالمحبّة في صوت بولس وتعزيته بهذا الكلام الرقيق كان عكس ما اعتاده هذا الضابط مِن شتائم السُّجناء ولعناتهم ووحشيتهم وصراخهم. وكان إذا أُتيحت للسجناء فرصة، مزّقوا حرّاسهم وانطلقوا هاربين. لكن الآن يا للغرابة! أبواب السجن مفتوحة، ومع ذلك ها هم السُّجناء لا يهجمون عليه كالوحوش، بل إِنَّ أحدهم، وهو بولس، يناديه بكلّ كلام لطيف، حتّى لا يضرّ بنفسه ويوردها الحتف. فصدم هذا الكلام عقل الحارس وفاق تصوره، فاستغربه جداً، لأنّ عدوّه أحبه وخلّصه مِن الانتحار، فصار يفتح عينيه ويحملق محاولاً تجميع أفكاره وكأنّه كان في حلم عميق٠
الصلاة: أيّها الرّبّ يسوع الحيّ، دعنا نسمع صوتك اللطيف إن سقطنا في اليأس والحيرة. علّمنا أن نسمع كلمات محبّتك إن زال رجاؤنا. واجذبنا إلى تعزيتك لكي نعيش في قوّتك ولا نموت أبداً٠
السؤال: ٨١. لماذا رتّل السجينان المعذّبان ترانيم الحمد في غسق الليل؟