Previous Lesson -- Next Lesson
٤ - تأسيس كنيسة إِيقونية (١٤: ١ - ٧)٠
أعمال الرسل ١:١٤-٧
١ وَحَدَثَ فِي إِيقُونِيَةَ أَنَّهُمَا دَخَلاَ مَعاً إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ وَتَكَلَّمَا, حَتَّى آمَنَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ. ٢ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ غَرُّوا وَأَفْسَدُوا نُفُوسَ الأُمَمِ عَلَى الإِخْوَةِ. ٣ فَأَقَامَا زَمَاناً طَوِيلاً يُجَاهِرَانِ بِالرَّبِّ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ, وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا. ٤ فَانْشَقَّ جُمْهُورُ الْمَدِينَةِ, فَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ الْيَهُودِ وَبَعْضُهُمْ مَعَ الرَّسُولَيْنِ. ٥ فَلَمَّا حَصَلَ مِنَ الأُمَمِ وَالْيَهُودِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ هُجُومٌ لِيَبْغُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا, ٦ شَعَرَا بِهِ, فَهَرَبَا إِلَى مَدِينَتَيْ لِيكَأُونِيَّةَ, لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ, وَإِلَى الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. ٧ وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ٠
لم يهرب بولس وبرنابا بلا وعي مِن أنطاكية تاركين الأناضول، بل ذهبا في طريقهما مرافقين يسوع المسيح في موكب انتصاره، فوصلا إلى إِيقونية، المركز الاقتصادي الآخر داخل الأناضول. ونراهما كيف دخلا أوَّلاً إلى كنيس اليهود، لأنّهما خضعا لنبوات العهد القديم، عالمين أنّه ينبغي أن يسمع اليهود أوَّلاً بُشرى الخلاص، ليقبلوه أو يرفضوه٠
وسرعان ما كُوّنت في إِيقونية كنيسة قويّة، مؤلَّفة مِن يهود مؤمنين بالمسيح، وأمم متجدّدين. وعلى غرار عظة بولس النموذجية داخل كنيس اليهود في أَنطاكية، التي سجّلها لنا لوقا في الأصحاح 13، هكذا كان تبشير بولس في إِيقونية أيضاً. وعندما دخل أناس أفواجاً إلى رحاب المسيح، وقبلوا حياته الأبديّة، غار رئيس الكنيس اليهودي حاسداً ،وعارض تفسير بولس للتوراة، وجدّف على يسوع المصلوب الحيّ، فحدث انفصال أليم نهائي، الّذي لم يقصده بولس راضياً. وهذا الانفصال ما نتج مِن خطأ في التبشير، ولا نجم عن استكبار أو أنانيّة بولس، بل كان نتيجة حتميّة لإعلان الإنجيل الحقّ. فكلمة الله تُخلّص أو تقسّي، تحرّر أو تربط. فعلينا أن نعتبر التنقية الرّوحيّة في الكنيسة وكلّ انفصال بالتواضع في سبيل الإنجيل نعمة كبرى٠
لماذا لم يؤمن كثير مِن اليهود بيسوع الناصري المسيح المصلوب وربّ السّماء؟ يقول لوقا، إِنَّهم (أي اليهود) رغم المعرفة والإدراك وجذب روح الله، لم يريدوا أن يؤمنوا، فذهنهم وإرادتهم كانا ضد الله، فكانوا غير مستعدِّين لقَبول النِّعمة، لأنّهم بنوا دينهم وبرّهم على أعمالهم الخاصّة، وقدرتهم الإنسانيّة. وهكذا رفضوا التوبة الضروريّة، ولم يمارسوا التسليم للمسيح، وكرهوا المخلّص القائل إِنّه هو الطريق الوحيد إلى الله. وحتّى اليوم لا يكون الإنسان مستعِّداً لقبول المسيح، إن اعتمد على الشريعة ظاناً أنّها الطريق المستقيم إلى السّماء. فهذا الإنسان المسكين يغرّ نفسه، لأنّه لم يدرك غرقه في الخطايا؛ فثقته وثقته بتقواه الشخصيّة تمنعه مِن التوبة والاعتراف والانكسار، فيظنّ هذا المرائي المتخيّل أنّه غير محتاج إلى يسوع المخلّص، ويرفض يده المنجّية الممدودة له. فهل أنتَ محتاجٌ إلى يسوع؟ وهل تعرف نفسك الضَّعيفة الملَّوثة بخطايا عديدة؟ هل تتمسّك بمخلّصك ليلاً نهاراً كلّ يوم؟
لقد سمّى لوقا الرسولين بولس وبرنابا إخوة، لأنّهما تعاونا بمحبّة كبيرة، وانسجام متواضع، في أُخوَّة الرّوح القدس؛ فلم يفكّر أحد منهما في ذاته، ولا عمل عملاً مستقلاً عن الآخر، بل صلّيا معاً، واشتركا في إعلان انتصار المسيح٠
ولمس كلاهما البغضة النامية، ولكنّهما لم يهربا، بل استمرا يشهدان للكنائس الحديثة بملء قوّة المسيح، حتّى جرت بالإيمان المتزايد في الكنيسة شفاءات وآيات عجيبة، دالّة على وجود المسيح الحيّ بينهم، فقوي التبشير أكثر فأكثر. وإلى الآن لم تتقطع نعمة المسيح منذ ذلك الوقت؛ وهو المستعدّ لينزل مواهبه على المؤمنين سنداً لشهادتهم. فكانت النّعمة والإيمان العنصرَين الأساسيَّين في تبشير الرسل٠
والانفصال في كنيس اليهود عمّ جميع أصقاع المدينة، حتّى صارت كلّ عائلة منشقَّةً إلى فريقين الأوّل مال لليهود ومصالحهم التجاريّة، والهدوء في المدينة، فأبغضوا الفكر الجديد، وكانوا مستعدّين لطرد بولس وروحه المثير، بينما الفريق الآخرَ شعر بقوّة المسيح، وأرادوا تنفيذ انتصاره، وصَلَّوا لحلول بركة الله مِن أجل نهضة روحيّة وتطوّر في المدينة، فاصطدم الفكر الجديد والتقليد القديم. والمتصلّبون لم يعرفوا كيف يغلبون فريق محبّة الله، لأنّ أعمال الرسل وكلماتهم أضاءت كأنوار برّاقة في الليل. ولمّا لم يستطع اليهود أن يغلبوا بولس وبرنابا روحيّاً، تآمروا مع رؤساء المدينة وشيوخ البلديّة لتعذيب الرسولين ورجمهما بالحجارة، فلجأوا إلى العنف والقتل، لأنّ روحهم الشريعي لم يستطع أن يغلب الرّوح القدس الحرّ٠
ولاحظ الرسولان هذا القصد مسبقاً، ومضيا مِن إيقونية هرباً إلى مدينة أخرى، لأنّ الموت في سبيل المسيح ليس هو الوصيّة الوحيدة مِن الرّبّ، بل الأهم مِن ذلك أحياناً هو أن تكون الحياة مِن أجله استمراراً لخدمة اسمه، ورفع كلمته، فأصغِ جيّداً إلى ما يقوله لك الرّوح القدس في حالتك، ولا تعجّبن إن صادفتك ضيقاتٌ واضطهاداتٌ وشتائم وضغط مؤلم، لأجل اسم يسوع، لأنّ رسول الأمم بولس، هرب مِن مدينة إلى أخرى، ومِن بلاد إلى أُخرى، وتشجّع كلّ مرّة مجدّداً، ولم يبال بعداوة مضطهديه، بل بشّر بعظمة خلاص المسيح في وقت مناسب وغير مناسب. فصلّ أيّها الأخ وأَصغِ إلى إرشاد الرّوح القدس ولا تصمت، بل جاهر بعظمة محبّة المسيح، فتلبس قوّة مِن فوق٠
الصلاة: نشكرك أيّها الرّبّ المسيح، لأنّك قوّيت بولس وبرنابا لكيلا يتشاءما رغم استمرار الاضطهاد والضيق. قد قوَّيتهما وأَرشدتَهما وشجَّعتهما على تمجيد اسمك القدّوس. فساعدنا لكي لا نخاف مِن أحد، بل نمجّد اسمك بجرأة وحكمة في قوة روحك القدّوس٠
السؤال: ٦٨. لماذا هرب بولس وبرنابا مِن مدينة إلى مدينة؟