Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الثاني المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى ٥: ١-١١: ١)٠
أ- الموعظة على الجبل عن دستور ملكوت السماوات٠
(المجموعة الأولى لكلمات يسوع)٠
أ) التطويبات (٥: ١-١٢)٠
متى ٥: ١-٢
١
وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ. (٢) فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً:٠
تحنن المسيح على الشعب الضال الذي لم يعرف ربه ولا نفسه، فاختار تلاميذ من الجماهير ودعاهم وأفرزهم وقادهم إلى الجبل، حيث جلس معترفاً كمعلم للتوراة يعلّم النخبة ومَنْ حولهم من الشعب. أعلن المسيح في أحضان الطبيعة مبادئ الملكوت الإلهي، وهي الدستور السماوي٠
كانت الغاية من آيات الشفاء الكثيرة التي صنعها يسوع في الجليل التي نقرأ عنها في نهاية الإصحاح السابق أن تفسح المجال لهذه العظة وتجعل قلوب الشعب أكثر استعداداً لقبول التعليم من فم ذاك الذي ظهرت فيه تلك القوة الإلهية الفائقة وذلك الصلاح والرحمة. لعل هذه العظة كانت خلاصة كرازته في المجامع المختلفة في الجليل. كان موضوع كرازته التي بدأ بها "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات". هذه العظة مبنية على الجزء الأخير من تلك الآية، وتبين بأن معنى التوبة هو إصلاح الحياة العملية والرجوع عن آرائنا السابقة. يجيب يسوع على السؤال القديم "ارجعوا إليّ أرجع إليكم قال رب الجنود، فقلتم بماذا نرجع؟" ويبين لنا "بماذا نرجع"٠
كان مكان العظة أحد جبال الجليل. لم يجد المسيح مكاناً مناسباً يعظ فيه كما لم يجد مكاناً "يسند فيه رأسه". بينما كان للكتبة والفريسيين كرسي موسى بكل ما يتبعه من راحة وكرامة ومجد، ومن هذا الكرسي أفسدوا الشريعة. نرى الرب يسوع، المعلم الأعظم للحق، يُطرد إلى البريةولا يجد منبراً إلا بقدر ما يمكن أن تقدمه التلال. بل أنه لم يخرج إلى أحد الجبال المقدسة، جبال صهيون، بل كان الجبل عادياً، وبذلك أظهر المسيح أنه في عهد الإنجيل يريد أن يصلي جميع البشر ويكرزوا في كل مكان بالروح القدس٠
ألقى المسيح هذه العظة، التي كانت بمثابة تفسير للشريعة، "على جبل"لأن الناموس اعطي على جبل"، ولأن هذه العظة كانت أيضاً إعلاناً لشريعة المسيح الجديدة. لكن لاحظ الفرق. فإنه عندما أعطيت الشريعة لموسى "نزل" الرب على الجبل. أما الآن فنرى الرب قد "صعد إلى الجبل". تكلم الرب حينئذ في بروق ورعود أما الآن فيتكلم في صوت هادئ خفيف. في ذلك الوقت امر الشعب بالإبتعاد عن الجبل، أما الآن فيؤمرون بالإقتراب، وياله من تغيير مبارك. إن كانت نعمة الله وصلاحه هما مجده فإن مجد الإنجيل يفوق كل مجد لأن "النعمة والحق بيسوع المسيح صارا" (٢كور٣: ٧؛ عب١٢: ١٨)٠
أما المستمعون فكانوا تلاميذه الذين تقدموا إليه بناءً على دعوته كما يتضح مع مقارنة (مرقس ٣: ١٣، لوقا٦: ١٣). هو وجه إليهم حديثه لأنهم تبعوه عن محبة وليس عن اضطرار. أما غيرهم فتبعوه لطلب الشفاء. لقد علمهم لأنهم كانوا يرغبون في التعلم "يعلم الودعاء طرقه" ولأنهم كانوا يرغبون في فهم تعاليمه التي كانت للآخرين جهالة، ولأنهم كانوا سيعلمون الآخرين. لهذا كان ضرورياً أن يعطوا هم انفسهم معلومات واضحة صريحة عن هذه الأمور٠
بدأ يسوع عظته على الجبل بكلمة «طوبى». ردَّدها تسع مرات، كصوت جرس مجلجل من السماء، معلناً لنا أن الغبطة والسعادة هما أساس شريعة ملكوته. فليس عليك أن تتمم وصايا وفرائض ثقيلة بكد وتعب لتدخل ملكوت الله، بل أن تقبل كلمته اللطيفة ببساطة الإيمان. عندئذ تنجو من الدينونة، وتتحرر من العقاب. يدعوك المسيح إلى غمرة الفرح، لأنه لم يأت ليهلك الخطاة، بل ليخلّصهم ويشفيهم ويرحمهم. فدستور الله للأرض مبني على السرور والشكر والتهلل. وليس على فرائض ودموع٠
السؤال ٤٣: لِمَ ابتدأت شريعة المسيح بكلمة "طوبى" عوضا عن "يجب عليك" ؟