Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الأول الفترة التمهيدية لخدمة المسيح ( ١:١- ٤: ٢٥)٠
ب- يوحنا المعمدان يعدّ الطريق للمسيح (٣: ١ – ٤: ١١)٠
٣. إعلان وحدة الثالوث الأقدس (٣: ١٦- ١٧)٠
متى ٣: ١٦– ١٧
١٦
فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، (١٧) وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ٠
(إشعياء١١: ٢؛ ٤٢: ١، متى١٧: ٥)٠
لما اعتمد يسوع انفتحت له السموات، شهادة لرضاها عنه. لم تكن قد انفتحت قبل ذلك لإنسان على الأرض، لأنه لم يوجد أحد من البشر تمكن الله أن ينظر إليه بالرضى التام، إلى أن وقف أمامه يسوع الحبيب، إنساناً وديعاً مطيعاً، وبلا خطيئة٠
بعدما أعلن يوحنا في السابق عن هوية يسوع، ها هي هوية يسوع تُعلن مرة أخرى، ليس من بشر بل من السماء. فمجيء المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه كان بالنيابة عن البشر كممثل لها. وهنا يعلن الآب من السماء عن هوية الرب يسوع ابنه "ابن الله الحبيب" ( ٢ صموئيل ٧: ٤-١٦)٠
عندما اعترف المسيح بواسطة معموديته أنه جاء ليموت نيابة عنا في غضب الله، ويقوم لتبريرنا، ليظهر بر الله الكامل ومقاصد الخالق الحنون، عندئذ انشقت السماوات فوق وادي الأردن، حيث صار صوت من السماء. فمن يقدر أن يمنع القدير من التكلم؟ من يستطيع أن يوقف وحيه؟
انشقَّت السماوات. فمنذ سقوط الإنسان في الخطيئة انغلق الطريق إلى الله. فلما جاء المسيح انفتح هذا الباب المؤدي إلى الخالق، الذي أعلن صميم جوهره. فلأجل يسوع وحده، لنا قدوم إلى الله. إنه الطريق والحق والحياة٠
الروح القدس الذي رفَّ في بداية الخلق على وجه المياه المظلمة، أعلن نفسه في هيئة حمامة نورانية في زرقة السماء، عندما هبط بهدوء على يسوع المعتمد وثبت عليه، رمزاً إلى أنه هو المسيح الممسوح، المعطي روح الله لكل التائبين. ففي معموديته ظهر أن يسوع هو الذي سيعمِّد كل المؤمنين به بالروح القدس. ورأى يوحنا حلول روح الله وثباته على يسوع وشهد به شهادة واضحة٠
كان المسيح ممسوحاً منذ بدايته، لأنه وُلد من روح الله. لكن أباه مسحه في بداية خدمته مرة أخرى بملئه، ليكون الإنسان يسوع ملك الملوك ورئيس الكهنة وكلمة الله المتجسد. لم يُظهر المسيح نفسه عظيماً في هذا الامتياز، بل تائباً عنا، وتواضع جداً حاملاً خطايانا. بذلك تبدو محبة الله القُدُّوسة٠
عاين يوحنا الروح القدس وسمع صوت الله بأذنيه. وهذا الوحي المعلن من فم الله إلى البشر، ممتلئ بالمعاني :٠
سمَّى الله المسيح ابنه. فالأزلي هو الآب. وفي الابن ظهر الآب جلياً. فليس الخالق مستتراً فيما بعد، بل أعلن ذاته في ابنه. والمسيح ليس مخلوقاً، بل مولوداً، حاملاً في نفسه كل ملء اللاهوت جسدياً، بكل صفاته وقواه وأسمائه٠
من يقدر أن يمنع الله أن يقول بأن له ابن إن أراد ذلك؟ كثيرون يعارضون هذه الحقيقة رغم أن الله أعلن وجود ابنه المتواضع، الذي ابتدأ بحمل صليبه في معموديته٠
إن الإبن الحبيب هو المحبة المتجسدة، كما أن الله ليس إلا محبة. والمسيح لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. إن تعمقنا في كلمات وصلوات وأعمال يسوع أثناء سيرته الدنيوية يرينا التفسير العملي لمحبة الله الظاهرة في الحبيب٠
سُرَّ الله بابنه لأن فيه تحققت إرادته: أن تعود صورته الأصلية إلى وجه الإنسان. فاستحق المسيح أن يقول "من رآني فقد رأى الآب " المسيح رسم جوهر الآب، فمن يريد أن يعرف الله فلينظر إلى ابنه يسوع الحبيب٠
المهم لنا أن مجيء المسيح منحنا بصيرة جديدة من نحو الله. إنه الآب، وليس هو إلا محبة قُدُّوسة. فالأزلي لا يظهر ذاته قاضياً غاضباً، بل يدين ابنه أولاً لنخلص نحن. إنه لا يكتفي في خلاصه بتبريرنا، بل يشاء انسكاب محبته في أجسادنا بحلول روحه القدوس فينا لنُولد ثانية، ونصبح خداماً للناس٠
أعلن الوحي الإلهي وحدانية الله، لأن الإبن الحبيب ثبت في أبيه وأتم إرادته وقال: "أنا والآب واحد". يتضح سر وحدانية الله لكل من يولد من روحه، عندئذ يدرك أن الآب في ابنه والإبن في الآب إلى الأبد، لأنه كلمته وروحه المتجسد٠
إن وحدة الثالوث الإلهي لم يُعلن إعلاناً كاملاً واضحاً قبل معمودية ربنا يسوع المسيح. لأننا نرى هنا، الآب والإبن والروح القدس مذكورين معاً، ومتحدين بعضهم مع بعض، ولكل منهم عمل. كان الإبن على الأرض هو الله الظاهر في الجسد. والآب يشهد له بصوت مسموع من السماء، وروح الله نازلاً بهيئة جسدية ليستقر عليه٠
لا شك أن الروح القدس ذكر كثيراً في العهد القديم، لكن ليس بشكل واضح في علاقته بوحدة الثالوث المقدس، لأن القصد الأول للوحي حينذاك هو أن يعلن وحدة الله. عدا ذلك لم يعلن الله نفسه قبل التجسد إعلانا تاما، لأنه لم يكن في الإمكان أن يفعل ذلك قبل أن يصير الكلمة جسداً. لقد صار الحق، والنعمة أيضاً٠
وجّه بعض المعترضين انتقاداً لاذعاً إلى "رواية الصوت الذي سُمع من السماء وقت نزول الروح القدس على المسيح". قال المعترض بأن الحواريين اختلفوا في هذه الرواية، فالبشير متى أورد "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" أما مرقس فكتب "أنت ابني الحبيب الذي به سررت" أما البشير لوقا فكتب "أنت ابني الحبيب الذي بك سررت"٠
إن المعنى واحد والألفاظ أيضاً واحدة، وإنما في بعضها الإلتفات، وهو الإنتقال من المخاطب إلى الغائب، وشهادة كل واحد منهم تؤكد شهادة الآخر٠
الصلاة: نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس، لأنك أعلنت نفسك في وادي الأردن لخلاصنا وتبريرنا وتقديسنا. لا نستحق رفع أعيننا إليك. أما أنت فنزلت بمعموديتك إلى مستوى خطايانا ولم تُهلكنا. ساعدنا لنتَّبعك ونلتصق بك ولا نتركك أبداً، وأن نتغير في شكلنا بالإيمان بك. أكمل عملك بالإيمان فينا، لنثبت أولاد الله الأحباء واجذب كثيرين من أصدقائنا وأقربائنا إلى شركة محبتك٠
السؤال٣٦ : كيف أعلن وحدة الثالوث الأقدس ذاته في وادي الأردن؟