Home -- Arabic -- Revelation -- 155 (The Harlot Close Up)
Previous Lesson -- Next Lesson
شرح وتفسير للآيات الكتابية في سفر الرؤيا
الكتاب ٦ - بابل الزَّانية وعبادة الله نهاية المُضِلِّة العظيمة والاستعداد لعرس الحَمَل (رؤيا ١٧: ١- ١٩: ١٠)٠
الجزء ١.٦ - دينونة الله لبابل الزَّانية (رؤيا ١٧: ١- ١٨: ٢٤)٠
٢- صورةٌ مقرَّبةٌ لبابل الزَّانية (رؤيا ١٧: ٣- ٦)٠
الكنائس بين الدَّعوة الرُّوحية والقوَّة الدُّنيويَّة ( ٣- ٤): لقد كانت الرُّؤْيَا المذهلة لدينونة الزَّانية العظيمة التي رآها يوحنَّا في البرِّية مصدر وحيٍ للعديد مِن المفسِّرين والمتأمِّلين السَّوداويِّين. فاعتقد البعض أنَّ سقوط الكنيسة الأثيم حدث حين لم يضطهد الإمبراطور قسطنطين المسيحيين بعد في مملكته مثلما فعل أسلافه مِن قبل، بل سكت عن الكنائس الأرثوذكسيَّة وضمَّها فيما بعد إلى مملكته، فصار قسطنطين، بوصفه كبير الأساقفة، ربَّهم الأعلى. ومنذ ذلك الحين اختلطت الدَّولة بالدِّين، السِّياسة بالكنيسة، القوَّة باللاَّقوَّة في الشَّرق الأوسط. فأُسكِت الوعظ والنَّقد والتَّصحيح المتبادَل على نطاقٍ واسعٍ. وأصبحت الكنيسة أداةً في يد الدَّولة. واستوطنت التَّسويات الفاسدة بخصوص مسائل الإيمان، بل سُمح للأساقفة والرُّهبان بأمرٍ مِن الإمبراطور الرُّوماني الشَّرقي أن يصوغوا اعترافات الإيمان الأساسيَّة للمسيحيَّة. وتمتَّعت الكنائس الأرثوذكسيَّة، بوصفها كنيسة الدَّولة، بامتيازات حاسمةٍ، وأعطت الحكَّام، ليس في أحيانٍ نادرةٍ، موافقتها الضِّمنية. وكان المنشقُّون يُضطهَدون اضطهاداً دمويّاً مِن قِبَل الدَّولة والكنيسة٠
يعتقد مفسِّرون آخرون أنَّ الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة هي المقصودة برؤيا يوحنَّا، وأنَّ "بابل الزَّانية" تُشير إلى "المدينة العظيمة" روما. في أمواج هجرات النَّاس الواسعة النِّطاق قُهرَت روما ودُمِّرَت عدَّة مرَّاتٍ. ولكنَّها كانت كلَّ مرَّةٍ تقوم مِن جديدٍ عبر تقاليدها المحلِّية وقوَّة الأُسَر الملتحمة. وفي النِّهاية تبلورت دولةٌ كنسيَّةٌ حكم فيها البابا الخاصُّ على البلاد والنَّاس والسِّلاح والمقدَّسات. على أثر الهجرات الواسعة النِّطاق تُركَت الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة ممسكةً بيدها مقاليد الأمور بثباتٍ. فحاربَت لمدَّة قرونٍ في أوروبا بمكرٍ وقوَّةٍ للحفاظ على سلطانها على الأباطرة والملوك. وكانت الحروب الصَّليبيَّة مع بؤسها الذي دام أكثر مِن مائتي سنةٍ خيبةً سياسيَّة – دينيَّة لإساءة فهم روما المتعطِّشة للقوَّة. في صورة إعلان يوحنَّا جلست المرأة المتسربلة بالقرمز والأرجوان بثباتٍ على السّرج مدَّةً طويلةً في روما. يملك البابا حتَّى يومنا هذا على دولته الكنسيَّة الصَّغيرة، ويتمتَّع بنفوذٍ عالميِّ النِّطاق، وهو لم يُبطل قطّ أيّاً مِن المراسيم التي سنَّها الباباوات السَّابقون قَبْلَه٠
فيما يخصُّ الكنائس البروتستانتيَّة، كانت هذه الكنائس منذ بدايتها معتمدةً على قوَّة الملوك المحلِّيين ورجالات الدَّولة وأمرائها (دوق وكونت... إلخ.) وكان شعار القانون السَّائد هو: "إيمان الملك هو إيمان البلاد". ولم تكن الكنائس المحلِّية في أيِّ موقعٍ قادرةً على اتِّخاذ قرارات بطريقةٍ مستقلَّةٍ، لأنَّ الحاكم آنذاك كان في الوقت نفسه سيِّد الكنيسة الأعلى. وكانت كراسي اللاَّهوت المهنيَّة في الجامعات الوطنيَّة تُعيَّن وتُموَّل على حدٍّ سواء مِن قِبَل حكومة البلاد، حيث إنَّ تعليم الإكليروس لم يكن في يد الكنيسة وحدها. وحتَّى في يومنا هذا يعكس رفع ضريبة الكنيسة مِن خلال دوائر الدَّخل الحكوميَّة التَّعاون الوثيق بين الكنيسة والدَّولة. تتمتَّع الكنائس في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة باستقلاليَّةٍ أوسع. ومع ذلك كثيراً ما يرى المرء علم الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة منصوباً بجانب منبر الكنيسة مشيراً إلى التزام الولاء للدِّيمقراطيَّة الأمريكيَّة٠
يُظهِر تاريخ الكنيسة أنَّ علاقة التَّعاون أو الخضوع أو التَّبعيَّة بين السُّلطات الدُّنيوية والرُّوحية اختلفت في دولٍ معيَّنةٍ، وتغيَّرت على مرِّ الزَّمان. أمَّا السَّعي الحثيث وراء القوَّة والتَّملُّك والنُّفوذ في السِّياسة فبقي امتحاناً أساسيّاً للكنائس٠
نقيض ذلك، عاش يسوع ورُسُله فقراء لا حول لهم ولا قوَّة. وعملوا في سلطان الله بواسطة روحه القدُّوس (أَعْمَال الرُّسُلِ ٣: ٦، ١٦). أعلن يسوع بكلِّ بوضوحٍ لأتباعه: لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ (متَّى ٦: ٢٤). حالَما تسعى الكنائس وممثِّلوها وراء الاهتمام الدُّنيوي بالقوَّة والنُّفوذ تُعرِّض نفسها إلى خطر خسارة قوَّة الرُّوْح القُدُس٠
الصًلاة: أيها الآب السماوي، نعظمك ونشكرك لأجل جماهير المؤمنين الأمناء في الكنائس التي تكرز فيها الإنجيل الكامل. ساعد الأحبار والمسؤلين فيها أن يستغنوا عن المقدرة الدنيوية وعن التدخل في الأمور السياسية، بل أن يختاروا إقتناع المسيح وحياة رسله البسيطة. آمين٠
١٨٣. لماذا سلك المسيح ورسله بعيدا عن السلطة السياسية كانوا عائشينا بالقتناع؟