Home -- Arabic -- Revelation -- 119 (The Mystery of God in the Words of Jesus)
Previous Lesson -- Next Lesson
شرح وتفسير للآيات الكتابية في سفر الرؤيا
الكتاب ٤ - ليأتي ملكونك (رُؤْيَا يُوْحَنَّا ١٠: ١- ١١: ٢)٠- - الشاهدان الذين سيحضرون في الايام الاخيرة وطرد ابليس من السماء
الجزء ٤.٤ - البوق السَّابع (١١: ١٤- ١٨)٠
٢- سجود الأَرْبَعَة وَالعِشْرِيْنَ شَيْخاً لله (رؤيا يوحنا ١١: ١٦- ١٨)٠
غضب العالم وغضب الله: يشهد الأربعة والعشرون قدِّيساً في غرفة العرش أنَّ الأمم في الأَيَّام الأخيرة ستغضب متعمِّدةً على الله ووصاياه، على فدائه وروحه القدوس (مزامير ٢: ١- ٥)، فلا تكتم بغضها بعد للرب، بل تصرخ جهاراً: "لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا" (لوقا ١٩: ١٤، ٢٧) وتغيِّر وصايا وشرائع الله وتجعل الإنْسَان مركز ثقافتها ومقياسها. ويبزغ فجر عالمٍ جديدٍ بدون الله وبدون فادٍ وسط حقوقٍ عالميَّةٍ للإنسان. ويكون غضب العصاة على الله ورسالته وأوامره وقوَّته موجَّهاً ضدَّ شهود القدير وخدَّامه وكهنته. غضب شاول على كنيسة يَسُوْع ولاحق أفرادها بالتَّهديد والقتل (أعمال ٩: ١؛ رؤيا ١٢: ١٢، ١٧؛ ١٤: ٨؛ ١٩: ٢)٠
إنَّما ينبغي لكلِّ واحدٍ، في الواقع، أن يعترف بالحقيقة بصدد نفسه: "لم أجنِ سوى الغضب". إنَّه لأمرٌ شيطانيٌّ وشرِّيرٌ أن نوجِّه التهمة إلى الله الخالق والدَّيان، وبدل ذلك يجب أن ندين أنفسنا. هذا هو السَّبيل الوحيد للنَّجاة مِن غضب الله. لا تمرُّد، بل انكسار. ليس تحقيق الذات، بل نكرانها هو الذي يؤدِّي إلى تحقيق الخلاص التَّام فينا (متَّى ١٦: ٢٤- ٢٨؛ مرقس ٨: ٣٤- ٩: ١؛ لوقا ٩: ٢٣- ٢٧؛ ١ يوحنَّا ١: ٨- ١٠)٠
أدرك الأَرْبَعَة وَالعِشْرُونَ شَيْخاً عاقبة ثورة الأمم المستمرَّة وتجديفها على الإله المثلَّث الأقانيم: لاَ بُدَّ لغضب الله الشَّديد مِن أن ينفجر. إلهنا ليس بدون غضبٍ (مزامير ٩٠: ٧؛ إِشَعْيَاء ٥: ٢٥؛ حزقيال ٥: ١٣) فعواطفه مقدَّسةٌ، ومحبَّته لا تعرف حدوداً، بَيْدَ أَنَّه يتميَّز غضباً على رفض ذبيحة ابنه الكفَّارية. يتحدَّث العَهْد القَدِيْم أكثر مِن ٢٠٠ مرَّة عن غضب الله. ويوصَف يوم الغضب بالهلع الأعظم للمخلوقات (مزامير ١١٠: ٥؛ حزقيال ٧: ٨- ١٢؛ رومية ٢: ٥) مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ (عِبْرَانِيِّيْنَ ١٠: ٢٨- ٣١). إنَّ غضب الله هو أعظم قوَّةٍ ماحقةٍ في العالم. وفي آخر الأَيَّام سيضرب هذا الغضب جميع درجات الحضارة ومستوياتها (رؤيا ٦: ١٥- ١٧) وكلَّ مَن أسلم نفسه لضدِّ المَسِيْح (رؤيا ١٤: ٩- ١١) وسيُهشَّم جميع أهل الأَرْض بعصا مِن حديدٍ إن لم يُطيعوا الرَّب (رؤيا ١٤: ١٩- ٢٠؛ ١٩: ١٥) وستُعاقَب بخاصَّةٍ بابل المُضِلَّة الكبرى (رؤيا ١٦: ١٩)٠
فلنُصلِّ بضميرٍ صالحٍ قائلين مع داود: يَا رَبُّ لاَ تُوَبِّخْنِي بِسَخَطِكَ, وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ (مزامير ٣٨: ١؛ ٦: ١؛ إِرْمِيَا ١٠: ٢٤). يجب أن نخاف حتَّى الموت لأنَّنا لم نجنِ سوى الغضب. ولكنَّ يَسُوْع لم يغفر خطايانا ويحملها فحسْب، بل أخذ عقابنا أيضاً وأخمد غضب الله (إِشَعْيَاء ٥٣: ٥- ٦، ١٠- ١٢)، وشرب عنَّا كأس الغضب حتَّى الثمالة المرَّة (متَّى ٢٦: ٣٩، ٤٢؛ مرقس ١٤: ٣٦؛ لوقا ٢٢: ٤٢)، وصالحنا مع القدِّيسين. فالمَسِيْح وحده هو سلامنا (رومية ٥: ١؛ ٢ كُورنْثوْس ٥: ١٨- ٢١، أَفَسُس ٢: ١٤)، ومَن يرفض نيابته عنَّا يسقط في غضب الله العظيم الذي لا نجاة أو خلاص منه٠
ولكنَّ القرآن مبدئيّاً يعلن مشدِّداً أنَّ مصير كلِّ مخلوقٍ مقدَّرٌ مسبقاً؛ وأنْ ليس جميع النَّاس فقط، بل جميع المسلمين سيذهبون حتماً إلى جهنَّم، والبعض هناك سيكون لديهم الإمكانيَّة في وقتٍ لاحقٍ لدخول الرِّياض الأَبَدِيَّة، وذلك شريطة أن يكونوا قد صلّوا بما فيه الكفاية وصاموا وقدَّموا الذبائح وجاهدوا فِيْ سَبِيْلِ الإسلام (سورة مريم ١٩: ٧١- ٧٢)٠
يُعلن الكتاب المقدَّس لنا صورةً أخرى للدَّينونة الأخيرة، وبهذه الدَّيْنُوْنَة ينتهي عصر النِّعمة والغفران. سيُدان جميع الذين رفضوا تبريرهم المقدَّم لهم مجَّاناً بواسطة حَمَل اللهِ بحسب أعمالهم؛ وبذلك ثمَّة أمرٌ واحدٌ مؤكَّدٌ: "لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً, لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (مزامير ١٤: ٣) "لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ" (مرقس ١٠: ١٨) "كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ" (مزامير ١١٦: ١١) "تَصَوُّرُ قَلْبِ الإنْسَان شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ" (تكوين ٦: ٥؛ ٨: ٢١) "جَمِيْعُنَا يُعْوِزُنَا مَجْدُ اللهِ" (رومية ٣: ٢٣) وقد جنينا بطبيعتنا غضب الله٠
لقد دين مسبقاً جميع الذين يدخلون الدَّيْنُوْنَة بدون مخلصهم (يوحنَّا ٣: ١٨) ويَمْكُثُ عَلَيْهِم غَضَبُ اللَّهِ (يوحنَّا ٣: ٣٦). وفي نهاية المطاف نصل إلى نقطةٍ واحدةٍ: هل يسمح الإنْسَان بأن تُطهَّر خطيَّته مجَّاناً مَن قِبَل يَسُوْع أم لا؟ (يوحنَّا ١٦: ٨- ٩). في وقت دينونة الله سيرتعب غير المفديِّين مِن التَّعرُّف بخطيَّتهم في نور الله وقداسته، فيُدركون بيأسٍ أنَّهم رفضوا عمداً الخلاص المُعَدَّ لهم٠
أجرٌ أم ثوابٌ؟: أمَّا دينونة الأموات بالنِّسبة إلى أتباع المَسِيْح فهي وقتٌ لتقرير المكافآت. فأولاد الله ليسوا بالطَّبيعة أفضل مِن سواهم مِن النّاس، ولكنَّهم سمحوا لقلوبهم وأذهانهم وألسنتهم وأيديهم أن تتطهَّر بدم يَسُوْع المَسِيْح. وقد تبرَّروا مجَّاناً بواسطة إيمانهم بالمَسِيْح. وفوق ذلك دفعهم الرُّوْح القدُس إلى القيام بالأعمال في محبة الله، وإلى الصلاة المستمرَّة، وإلى التَّضحية الطَّوعية. وستُظهر الدَّيْنُوْنَة كم استطاع المَسِيْح أن يعمل بروحه فيهم وبواسطتهم؛ فهو سيقرِّر "مكافأتهم" أو جزاءهم غير المستحَقِّ الذي هو في النِّهاية ببساطةٍ إتمام نعمة يَسُوْع المَسِيْح. وسيظهر جليّاً لأتباع المَسِيْح إلى أيِّ مدىً أعاقوا الرُّوْح القدُس أو فتحوا قلوبهم له حتَّى يعملوا الأعمال الصَّالحة التي أعدَّها الله الآب قبلاً لهم ليسلكوا فيها (أَفَسُس ٢: ٨- ١٠)٠
أوَّل ذكرٍ للأجر في الكتاب المقدَّس متعلِّقٌ بإِبْرَاهِيْم، فعندما كلَّمه الله ترك بيته ووطنه وخرج كبدويٍّ رحَّالة منتقلاً مِن مكانٍ إلى آخَر دون حماية عشيرته؛ ومن ثَمَّ أكَّد الرَّب لهذا المطيع قائلاً: "لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ (مِن اللُّصوص حولك). أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً" (تكوين ١٥: ١). فأيُّ وكلُّ تفكيرٍ في استحقاقٍ أو أجرٍ هو مستثنىً بهذا الوعد (عِبْرَانِيِّيْنَ ١٠: ٣٥). جليَّةٌ وواضحةٌ هي عظمة وفحوى الأجر الموعود: فالرَّب لم يُعطِ إِبْرَاهِيْم مالاً ولا أرضاً ولا منازل ولا أنسالاً، ولكنَّه أعطى ذاته لخادمه. يعمل المستخدَمون لقاء أجرٍ، أمَّا نحن فلسنا مستخدَمي الله، بل أولاده وبالتَّالي ورثته. والورثة ينالون كلَّ ما لأبيهم. ونحن لنا الامتياز أن نذهب إلى بيتنا، إلى إلهنا أبينا. يقول المَسِيْح: "أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّماءِ" (لوقا ٦: ٢٢- ٢٣؛ متَّى ٥: ١٢) ويضيف بولس: "عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ" (كولوسي ٣: ٢٤)٠
يتحدَّث العَهْد الجَدِيْد في مرَّاتٍ كثيرةٍ عن "أجرة الخطيئة والضَّلال" (رومية ١: ٢٧؛ ٦: ٢٣) أي الموت. ولكنَّ المَسِيْحِيّين ينالون مكافأةً قيِّمةً أبديَّةً، فينالون أكثر بكثيرٍ ممَّا يستحقُّون. إنَّهم ينالون ليس عطايا فقط، بل المعطي نفسه الذي يهب ذاته لهم. إنَّهم ينالون نعمةَ الرَّب يَسُوْع الْمَسِيْح وَمَحَبَّةَ اللهِ وَشَرِكَةَ الرُّوْح القدُس (٢ كُورنْثوْس ١٣: ١٣) والحَيَاة الأَبَدِيَّة تُقيم فيهم. لقد انسكبت محبَّة الله في قلوبهم، وهم متحرِّرون مِن كلِّ إثمٍ وخوفٍ مِن الموت. لهم سلامٌ مع الله، وسرور الله أبيهم مستقرٌّ عليهم. لا ينتظر أولادُ الله أيَّ أجرٍ دنيويٍّ لأنَّهم يعيشون في محبَّة ربِّهم ويأخذون مِن ملئه على الدَّوام نعمةً فَوْقَ نِعْمَةٍ (يوحنَّا ١: ١٦). إنَّ أجرنا هو أن نكون قادرين على خدمة إلهنا الكريم المجيد (١ كُورنْثوْس ٩: ١٦- ٢٣)٠
الصَّلاة: أيُّها الآب السماوي، نعظّمك ونسجد لك، لأنّك لم تبد أخيرا الأشرار وحسب، بل تخلّص أيضاً أولادك، وتبارك عبيدك. لا تمنح لهم مالاً ومُلكاً كأجرة فانية، بل شركة معك شخصياً، كما وعدت لإبراهيم، أنك ستكون له ترساً أميناً وأجرته العظيمة.(تكوين ١٥: ١)٠
: السؤال ١١٩. كيف يبارك الله أحباءه في نهاية الكون؟