Previous Lesson -- Next Lesson
٧ - بولس في أثينا (١٧: ١٦ - ٣٤)٠
أعمال الرسل ٣٠:١٧-٣٤
٣٠ فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا, مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. ٣١ لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ, بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ, مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.٣٢ وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ, وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ, سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً.. ٣٣ وَهَكَذَا خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ. ٣٤ وَلَكِنَّ أُنَاساً الْتَصَقُوا بِهِ وَآمَنُوا, مِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ الأَرِيُوبَاغِيُّ, وَامْرَأَةٌ اسْمُهَا دَامَرِسُ وَآخَرُونَ مَعَهُمَا٠
لقد أرى بولس الفلاسفة عظمة الله الخالق، ومعنى الإنسان كصورة إلهيّة مِن ذرّيته. فمَن يهلك هذه الصورة في ذاته، يسقط في الدينونة. والله عيّن يوماً سيدين فيه الجميع، فكلّ ضمير وكلّ شعور للحقّ، وكلّ أديان العالم تعلم أنّ الله سيدين الجميع. فلا بدّ مِن الدينونة العادلة. والمقياس في هذه المحكمة الإلهيّة هو الله بنفسه وقداسته، كما قال: كونوا قدّيسين، لأنّي أنا قدّوس. فالدَّينونة هي الفكر الرابع الأساسي الّذي قدّمه بولس لمستمعيه٠
فنظراً لحقيقة الدَّينونة المقبلة علينا، دعا بولس كلَّ النّاس للرجوع وتغيير التفكير وتجديد الأذهان. إنَّنا لا نعيش لنتبع مُثُلاً عليا، ولنشترك بخرافات آلهة أو أرواح، بل نسرع حتماً إلى يوم الدين هدف البشر. فليست الأحلام ولا الأفكار الإلحاديّة ولا التمتّع بالفنون تعني الحياة، بل الاستعداد للدينونة. ولم يترك الله الخيار للإنسان أن يستعدّ ليوم الدين حسب رغبته أو لا يستعدّ، بل يأمر كلّ النّاس، في كلّ القارات، أن يرجعوا إليه، ويتركوا غباوة الفلسفة الملحدة، ولا يبنوا ذواتهم على آلهة العلوم التكنولوجيّة الميتة؛ فإنّ الله وحده هو الحقيقة، وليس دين بدون يوم الدّين. فالدّعوة إلى التّوبة، كانت الموضوع الخامس الّذي طرقه الرسول بولس في محاضرته٠
وبعد هذا التمهيد الطويل العميق، ابتدأ بولس بالجزء الثاني مِن عظته، قائلاً: إن الله سيمارس دينونته بإنسان واحد يسوع المسيح، فهو قدّوس وبلا لوم ولم يجد الموت حقّاً فيه. وهذا الرجل هو الوحيد الّذي أقامه الله مِن الأموات. هو حيّ وقد غلب الخطيئة، والموت، وكلّ التجارب، واختبر كلّ الضيقات ووسوسة الشيطان. فلهذا له الحقّ والقدرة أن يدين كلّ النّاس، وقد دُفع إليه كلّ السلطان في السّماء وعلى الأرض. فإبراز المسيح ديَّاناً هو الفكرة السّادسة في العظة على أكمة الأريوباك٠
ولكن ليس هدف المسيح الهلاك أو إبادة الخطاة، إنّما يقصد إنشاء مملكة السّلام وتنفيذ الخلاص لكلّ البشر. ولا يتمّ الدخول في رحاب الله بواسطة تلاعب الأفكار الفلسفيّة، بل بواسطة الإيمان الّذي هو التسليم المطلق إلى الله. والمسيح يساعدنا على هذا الإيمان، ويمنحنا عهداً جديداً، هو إمكانية الهرب مِن الدينونة. فلم يطلب المسيح منّا توبة مِن تلقاء أنفسنا، ولا تغيير الذهن بقدرة عقولنا، بل المسيح يعيننا على التّوبة والتّغيير والإيمان، الّذي ليس مجرّد تصديق، بل علاقة شخصيّة مع المسيح الحيّ. والرّوح القدس هو القوّة الّّتي تثبتنا في الإيمان والسلوك الطاهر. فالإيمان بالمسيح يجدّد الإنسان، ولهذا السبب لا نستطيع أن نؤمن في الوقت نفسه بآلهة وأرواح وفلسفات، ونتبع مع ذلك المسيح، لأنّ التسليم الكامل لمخلّصنا يغيّرنا إلى صورته. فهل أدركت الفكرة السابعة في عظة بولس، وهي أنّ المسيح يمنحنا الإيمان لا الفلسفة طريقاً إلى الخلاص الأبدي؟
وأهمّ شيء نقتدي به في حياة المسيح هو قيامته المجيدة، ففيها تبلورت قوّة الله وقداسته وحكمته، إنّه محطّم الموت نهائيّاً وكلّ الضيق، والدموع غلبت في قيامته. ففكرة التشاؤم مِن الدينونة، وعدم جدوى حياتنا ليست هدف تاريخ البشر. ويجب علينا ألاّ نتبع الفلسفة الرواقيّة المتقشّفة، فالحياة الأبديّة في الطهارة والمجد والفرح تشرق في أفق مستقبلنا، وقد دعا بولس الفلاسفة بفكرته الثامنة المبدئيّة إلى الإيمان بالمسيح الحيّ المحيي، الظاهرة فيه الحياة الأبديّة بواسطة قيامته. فبهذا المبدأ أعطى مستمعيه هدفاً تاريخيّاً وتنظيماً فكريّاً لقبول هذه الحياة المسيحيّة٠
فضحك عندئذ المفكّرون، لأنّ الفلسفة البشريّة تنتهي بالموت، وكلّ إدراك بشري ينتهي في الباب المؤدّي إلى الآخرة، والمفكّر المستقيم يعترف أنّه لا يقدر أن يفكّر إلاّ بالممكن المعقول. فقيامة المسيح هي، للعقل الإنساني الطبيعي؛ غير معقولة وخرافة، فالأثينيون عثروا بقبر المسيح المفتوح، وظهرت فلسفاتهم عن تصوّر الفكر ومحدوديته، والريب المشكّك فيما بعد الموت، وعدم الإيمان مطلقاً، وقال بولس بكلّ صراحة في رسائله، إنّه ما مِن إنسان يستطيع إدراك ألوهيّة المسيح بدون الرّوح القدس، فمَن يتشبَّث بروحه الخاصّ لا يكون مستعدّاً لحلول روح الله فيه٠
إنّها لضربة مريرة لبولس أنّ نخبة الفلاسفة وتلاميذهم، مِن كلّ العالم، استهزأوا به جهراً، أو أهملوه وراء ظهورهم، قائلين بسخرية: إن شاء الله نسمعك مرّة ثانية. وبالحقيقة لم يسمعوا مرّة ثانية كلمة الله، لأنّ بولس ترك المدينة صامتاً حزيناً، فكبرياء الفلاسفة حرمتهم مِن خلاص المسيح. وبولس وضّح لنا في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 12؛ 2: 15 بحدّة قاطعة الفرقَ بين الفلسفة والإيمان. ولا تستطيع إدراك اختبارات بولس في أثينا، إلاّ إذا تعمّقت بالفقرة المذكورة في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس٠
ولكنّ الشهادة بوحدة الله الخالق العظيم، والدّعوة إلى التّوبة قبل دينونة الله، وعرض الإيمان بالمسيح المقام، لم تبق بدون ثمار، إذ إنّ رجلاً مِن المسؤولين في محكمة آريوس باغوس، وامرأة محترمة، وبعض الأفراد قبلوا الإيمان بالمسيح، وتجدّدوا بواسطته إلى الحياة الأبديّة؛ فتكوّنت في أثينا، وسط كبرياء الفلاسفة العمي، كنيسةٌ صغيرةٌ متواضعةٌ عائشةٌ مِن ملء حياة المسيح المُقام مِن بين الأموات٠
الصلاة: أيّها الإله القدّوس، نسجد لك، لأنّ ملكوتك غير مبني على حفظ الناموس (الشريعة)، ولا على المفاهيم الفلسفيَّة المختلفة، بل على الإيمان بابنك يسوع المسيح الّذي حرَّرنا مِن خوف الدَّينونة إلى ابتهاج الحياة الأبديّة٠
السؤال: ٨٧. ما هو المخرج الوحيد مِن دينونة الله في يوم الدين؟