Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجزء التَّاسِع - قيامةُ المَسِيْح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات (مرقس ۱٦: ۱-۲۰)٠
٦. دعوة التَّلاَمِيْذ وإرسالهم إلى الخليقة كُلِّهَا (مرقس ۱٦: ۱٥)٠
مرقس ۱٦: ۱٥
١٥ وَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيْل لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا٠
ما أعجب إرسال التَّلاَمِيْذ الشَّاكِّين غير المقتدرين لتبشير العالم!٠
كان يَسُوْع، قُبَيْل هذه الدَّعوة، قد وبَّخهم على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم. وبَعد هذا التَّوبيخ مُباشرةً دعاهم رسلاً، ووضع على عاتقهم وفي قلوبهم مسؤولية تبشير العالم٠
يا لها مِن تعزيةٍ عظيمةٍ! إنَّ المُقَام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات لم يُرسل قدِّيسين صالحين أقوياء ليغلبوا الأَرْوَاح ويُبشِّروا المسكونة، بل أرسل فاشلين جُبناء قليلي الإيمان لهذه المهمَّة الخطيرة٠
ولا شكَّ أنَّ الرُّسُل تعلَّموا مِن هذه الدَّعوة الفريدة أن ليس القادرون أن يعملوا شيئاً صالحاً لله، بل هو نفسه العامل في ضعفهم، كما أنَّهم فهموا أنَّ بِرَّهم ميتٌ وعقلهم غبيٌّ، لأنَّهم لم يفهموا قيامة المَسِيْح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، ولم يؤمنوا بانتصاره، رافضين شهادة شهود العيان٠
أمَّا الحيُّ فرحمهم، وظهر في وسطهم، وأقنعهم بوجوده الحقيقيِّ الملموس. فمخاطبته إيَّاهم برَّرَتهم، ومحبَّتُه قَوَّتْهُم. فهو ظهر لهم ليُقوِّيهم ويُشجِّعهم ويُباركهم. قَد ملأَهُم بإِنْجِيْله، وهو في ذاته الإِنْجِيْل... هو محور بشارتهم٠
وكلَّمهم بما معناه: "لا تبقَوا جالسين خائفين، بل اركضوا باسمي. لا تدوروا حول أنفسكم، بل تقدَّموا طالبين أُناساً غرباء. لا تقصروا اجتماعاتكم وتأمُّلاتكم على زملائكم المؤمنين، بل فتِّشوا عن الأشرار والصَّالِحين، وابحثوا عن الأغبياء والعباقرة. لا تُهملوا الأغنياء ولا الفقراء، لأنَّ الجميع أمواتٌ في الذُّنوب. ليس إنسانٌ صالحاً من نفسه. الجميع بحاجة إلى غفران حَمَل الله. ليس مخلوقٌ عائشاً مِن ذاته. وُضع للجميع أن يموتوا. أمَّا الحَيَاة الأَبَدِيَّة فهي نصيب كلّ مَن يؤمن بابن الله القائل: أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيَحْيَا. وكلّ مَن كان حيّاً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد.. أتؤمِنون بهذا؟"٠
إنَّ ظهور المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات جعل التَّلاَمِيْذ شهور عيان للحقيقة. فهُم لم يفهموا آنَذَاكَ معنى موته وعمق مصالحته، لكنَّهم تأكَّدوا بدون بحثٍ أنَّ يَسُوْع حيٌّ وليس ميتاً. فالصَّلِيْب لم يكن نهايته، بل قد ترك القبر وغلب الموت، وليست للموت أيّ سلطة عليه٠
وفيما هذا الإيمان يَعْمُر قلوبهم، انطلقوا إلى عالم الذُّنوب والفَناء، وأعلنوا حياة الله الظَّاهرة في المَسِيْح. فإِنْجِيْلهم لم يقصد أموراً دنيويَّة، ولا بشارة، بالمفهوم القيصري للإِنْجِيْل، بانتصار في غزوة أو بتعيين خليفة له؛ بل تضمَّن هذا الإِنْجِيْل الإلهي رسالةً للخليقة كلِّها. الله قد وهب حياته الخاصَّة في المَسِيْح لكلّ مَن يؤمِن. ليس الموت بعد النِّهاية الّتي لا بُدَّ منها، فقد حلَّ رجاءٌ جديدٌ في قلوب جميع المؤمنين بالمَسِيْح٠
شعر الرُّسُل بعرض مَلَكُوْت الله وطوله وعلوِّه، ولاحظوا بداية الخليقة الجديدة الّتي تشمل أيضاً في نهايتها الحيوانات والنَّباتات والذَّرَّات والنُّجوم. فقد ظهرت نوعية الخلق الجديد في المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات. وينبغي لكلِّ زائلٍ ومائتٍ أن يتجدَّد بقوَّة حياة الله. قد صالح الابنُ العالمَ الشِّرِّيْر مع أبيه. فله الحقُّ والسُّلطان أن يُنشئ خليقةً جديدةً، ويُجدِّد الكون، ويُبطل الموت والخطيئة والشَّيْطَان. فقصد الإِنْجِيْل ليس المال والملك والسّلطة الدُّنيوية والرفاهية. المَسِيْح الحيّ هو القدوة والغاية والمَثَل لكلّ مَن يؤمن به. ادرُس كلمة الله وافهم جوهرها، فتُدرِك معنى الإِنْجِيْل وهدفه٠
هل ما زلتَ غارقاً في الذُّنوب، مسرعاً نحو الموت؟ المَسِيْح قام، وهو يدعوك أيُّها الفاشل الشَّكَّاك، وينتشلك مِن فَنائك، لكي تحيا معه إلى الأبد٠
هل ترتعد خوفاً مِن الموت وترتجف مِن الدَّيْنُونَة؟ المَسِيْح حيٌّ، وإن سلَّمت نفسك له اليوم فستقوم حقّاً مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، غالباً وعائشاً معه إلى الأبد، وهو يجعلك رسولاً لحياته. وإن حلَّت حياة الله فيك فسوف تهجر أنانيتك وتنهض لتقدِّم رسالة الله الحيّ إلى الآخَرين٠
ليس ديننا دين شريعة ودينونة وموت. إنَّ ديننا تعبق منه رائحة الحياة الطَّيِّبة٠
الصَّلاَة: اللَّهُمَّ القُدُّوس، أبانا الّذي في السَّماوات، نحمدك ونُعظِّمك لأنَّ ابنك حياتنا. قد دعانا نحن الفاشلين المُذنبين لنحمل حياتك إلى العالم الميت. نشكرك لأنَّك تُسامحنا، وتُشجِّعنا في اسم يَسُوْع المَسِيْح على أن نحمل البشارة إلى البلاد كلِّها، وإلى جيراننا أيضاً كي يمتلئوا هم أيضاً بحياة المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات. نَسجُد لك أيُّها الرَّب يَسُوْع لأنَّك قُمت مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، وجعَلتَنا رسل حياتك. آمين٠
السُّؤَال ۱۱۱: ما هي العجائب في أمر المَسِيْح لرسله بتبشير العالم؟٠