Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الثاني المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى ٥: ١-١١: ١)٠
أ- الموعظة على الجبل عن دستور ملكوت السماوات٠
(المجموعة الأولى لكلمات يسوع)٠
ب) هدف الموعظة على الجبل: تطبيق شريعة الله (٥: ١٣-١٦)٠
متى ٥: ١٤-١٦
١٤
أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ، (١٥) وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. (١٦) فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ٠
(يو٨: ١٢، فيلبي٢: ١٤-١٥، يو١٥: ٨، أفسس٥: ٨-٩)٠
ما أعظم النعمة من المسيح! إذ أوقد في أتباعه نور محبته اللطيفة وأشعة حقه القدوس. لا تظن أن الضوء الذي فيك هو منك، بل هو عطية من ربك. فلا تحجب الموهبة الإلهية المُعطاة لك، خائفاً من نقمة الجماهير، لأن المسيح منحك رجاء ثابتاً، لتنير العالم المتشائم بمسرته. فلا تخجل، لانك تشبه عود ثقاب صغير لكنه يُرى من مسافات بعيدة في الليل الدامس. وإذا اجتمع بعض المسيحيين في شركة إيمانهم، يشبهون المدينة الموضوعة على الجبل، المضيئة كمجموعة كواكب متلألئة، ترشد السفن الضّالة إلى بر الأمان٠
يدعوك المسيح أن تكون نوراً للظالمين، وأن تتغيّر إلى شاهد لفضائل ربك، كي تعلن اسمه في بيتك ومدرستك ومقرّ عملك، ثم في المجتمع عامة. اشتغل مرة فتى مؤمن في محيط رجال ليسوا أتقياء، حاولوا إفساده بكلامهم النجس. فحذّره أصدقاؤه وقالوا له: «اترك هذا العمل، لكيلا تسقط في بؤرة الشقاء». فأجابهم: «لست وحدي هنا بل المسيح يقف بجانبي ويحميني، ويسكن فيَّ، ويحفظني. ولي وعده أنه لن يتركني. وحيث أكون أنا يكون هو أيضاً، فلا أخاف شراً»٠
يأمرك ملك الملوك الإلهي أن تتشجّع، وتُشع بالنور المضيء فيك، فلا تحجب نفسك أو تتوارى عن الأعين، بل تقدَّم واسْعَ مطمئناً كمُرسَل من قِبَل الرب إلى محيطك، والتق بالناس، وتكلّم معهم. ماذا يا ترى يرى زملاؤك فيك طيلة النهار؟ هل يضيء المسيح فيك بوضوح؟
يدعوك المسيح إلى سلوك طاهر، عندئذ يعظّم الناس الله لأجل لطفه وقدرته الموضوعة فيك، ويؤمنون بفضل تصرفاتك إن كان روح الله حال فيك. فسيرتك تجذب الناس إلى الإيمان بالله أنه الآب المُحِب، الذي له أولاد روحيون في دنيانا. وإذا لم يجدوا فيك فضائل أبيك السماوي، فإنهم يكفرون بالإنجيل٠
إن أتباع المسيح كأنوار في العالم قد أصبحوا ظاهرين وبارزين وعيون الكل شاخصة نحوهم وجيرانهم يتطلعون إليهم. البعض يعجبون بهم ويمتدحونهم ويفرحون بهم ويحاولون الإقتداء بهم، والآخرون يحسدونهم ويبغضونهم وينتقدونهم ويحاولون الإساءة لهم. إذاً فالأفضل لهم أن يسلكوا بالتدقيق بسبب الذين يتطلعون إليهم. لقد صاروا منظراً للعالم، فَلْيَحذَروا من كل ما يبدو مظهره رديئاً لأنهم قد صاروا ظاهرين للجميع!!
أعطاك الله فرصة وامتيازاً لتشترك في تمجيد اسمه الأبوي. نقرأ لأول مرة في الموعظة على الجبل السر الكبير أن الله هو الآب. فليس القُدُّوس بعيداً عنا ولا مخيفاً لنا. إنه المحبة المُقبلة علينا باسم «الآب». وهو يتيح لك أن يؤمن الناس ببنوة المسيح وأبوة الله بواسطة سلوكك في قوة الروح القدس. فإما أن تكون برهاناً لوحدة الثالوث الأقدس، أو سبباً لكفر ونفور الآخرين. لا شك أنك منذ صغرك في طبيعتك خاطئ بكل نواياك، لكن روح المسيح غيَّرك من إنسان ظلام إلى ابن النور، فيبدو الروح العامل فيك من قولك وعملك. ليت الوعد الأعظم يتحقق فيك، حسب الكلمة: «الله محبة. من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه» (١ يوحنا ٤:١٥)٠
إن نورنا ينبغي أن يضيء من خلال أعمالنا الحسنة ذات الصيت الحسن لدى الذين هم من الخارج. إن أعمالنا تعطيهم فكرة حسنة عن المسيحية. ينبغي أن نعمل الأعمال الحسنة التي نرى أنها لبنيان الآخرين، وليس لنتظاهر أو نفتخر بها. لقد أمرنا أن نصلي في الخفاء، وكل ما ينحصر بيننا وبين الله ينبغي أن يحفظ لأنفسنا. أما ما كان بطبيعته ظاهراً ومكشوفاً أمام أنظار الآخرين فلنجتهد بأن نجعله متفقاً مع دعوتنا ومقبولاً في نظر الآخرين (فيلبي ٤: ٨). ينبغي أن لا نكتفي بأن "يسمع" الذين حولنا كلماتنا الحسنة فحسب بل أن يروا أعمالنا الحسنة أيضاً، لكي يقتنعوا بأن الديانة ليست مجرد كلمات جوفاء فارغة، وأننا لا نكتفي بمظهرها بل نعيش في قوتها٠
لكن ولأجل أية غاية ينبغي أن يضيء نوركم، ليس لكي يمجدكم مَن يرون اعمالكم الحسنة؛ وهذه هي الغاية التي كان يسعى إليها الفريسيون والتي أفسدت كل خدماتهم؛ بل لكي يمجدوا أباكم الذي في السموات. فمجد الله هو الغاية الأسمى التي نسعى إليها في كل ما يتصل بالأمور الدينية. حول هذا المحور ينبغي أن تدور جل تصرفاتنا، وأن لا نكتفي بأن نسعى لتمجيد الله نحن أنفسنا بل لنبذل ما نستطيع من جهد لنجعل الآخرين يمجدون الله أيضاً٠
ليت هذا الكلام يصل إلى الذين يمارسون الأعمال الشريرة، إلى الزناة الذين دنسوا حُرمة هيكل الله، إلى الخونة الذين اختلسوا الأموال وخانوا الأمانة، إلى الفتيات اللواتي يقمن بعلاقات خارجة عن إطار الزواج الشرعي . . إنكن بعملكن هذا لم تسئن إلى أنفسكن وذواتكن فقط، بل أسأتن إلى ربكن، وجعلتموه موضع سخرية في نظر الآخرين. ما أعظم هذه الخطيئة المضاعفة٠
إن مجرد نظر الآخرين لأعمالنا الحسنة سوف يكفي لتمجيد الله، إذ يعطيهم مادة لشكر الله وتمجيده. أعطوهم فرصة أن يروا أعمالكم الحسنة لكي يروا قوة نعمة الله فيكم فيشكروه من أجلها ويمجدوه بسببها لأنه أعطى قوة كهذه للبشر، وحرّك فيهم الرغبة للتقوى. أعطوهم فرصة ليروا أعمالكم الحسنة لكي يقتنعوا بحق المسيحية وسموها ولكي يغاروا غيرة مقدسة ويقتدوا بأعمالكم الحسنة. بذلك يمجدون الله٠
نجد في بعض البلدان أن المؤمنين لا يستطيعون أن يعبروا عن إيمانهم جهراً، لكن سلوكهم الصامت كان شهادة حية لمخلصهم وأبيهم السماوي٠
الصلاة: أيها الآب السماوي. أنت النور الطاهر القدوس الكامل، أرسلت ابنك يسوع إلى عالمنا نوراً للعالم. وقد كنا ظلمة، لكن روح ابنك أنارنا، ليشعَّ نورك إلى محيطنا، فيتحرر كثيرون من ذنوبهم ويصبحون نوراً لطيفاً أيضاً. نعظّمك لخلاصك العظيم، ونلتمس منك الإرشاد إلى سلوك النور، كي لا يكفر أحد بسبب تصرفاتنا، بل يروك فينا. آمين٠
السؤال ٥٣ : كيف يمكنك أن تكون نوراً للعالم؟