Home -- Arabic -- Ephesians -- 046 (What does the whole armor of God look like?)
Previous Lesson -- Next Lesson
أفسس - امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ
تأملات، صلاوات واسألة الرسول بولس الى اهل افسس
الجزء ٣ - مقدّمة في الأخلاقيَّات المَسِيْحِيّة ٤: ١- ٦، ٢٠
ماذا يشبه سلاح الله الكامل؟ (أفسس ٦: ١٤- ١٨)٠
أفسس ٦: ١٤- ١٨
١٤ "فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ, وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ, وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ, الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ, وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ, وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ, لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ" (أفسس ٦: ١٤- ١٨)٠
كان بولس في أثناء سجنه الطويل محروساً مِن قبل جنود كانت مهمتهم مراقبة الضيوف الداخلين والمغادرين، إضافةً إلى التنصت للكلام الذي كانوا يتبادلونه مع السجين. وبهذه الصفة تكوَّن عند الرسول تفهم عميق للسلاح النموذجي لحراسه. وأغرته هذه المراقبة أخيراً لإعطاء معنى جديد لأسماء أسلحتهم مدخلاً مقحماً إياها في إنجيله مِن دون أن يأخذ الخوف الذين يراقبونه مِن أنَّه يخطط لثورةٍ. وبذلك أتى بولس بسبعة أسلحة روحيَّة وصفها حِيْنَئِذٍ بالسلاح الكامل لخادم المسيح. وكانت أربعة أو خمسة مِن هذه الأسلحة تخدم الدفاع عن المحارب الروحي وزملائه وتحميهم، بينما كان السلاحان أو الثلاثة الأُخَر تخدم الهجوم ونشر ملكوت الله٠
مِن المفيد أنَّ "المُمَنْطِق حَقْوَهُ بِالْحَقِّ " مذكورٌ أوَّلاً بما أنَّ الحقو (أي الخصر) كان يُربط بالوركين ليحمل لباس الجندي وأسلحته معاً. كانت خطيئة الشيطان الأصلية كذبة. وهي أحد أدق وأذكى أسلحته. أمَّا الحق الحقيقي فيُمثَّل كقوة الله الشاملة. في الحق لا يوجد خداعٌ ولا مكرٌ ولا تحريفٌ. كل شيءٍ واضحٌ ومستقيمٌ وموثوقٌ. وهذا الحق لا يبدو فقط مسموعاً ومنظوراً، بل يأتي أيضاً مِن الداخل، مِن قلب الشَّاهد. إنَّ الذين يُعلنون الحقَّ ليسوا محكومين بالكذب أو الحيَل، وليس في عيونهم أيُّ وميض تردُّدٍ أو تقلُّب. هؤلاء الشهود جديرون بالثِّقة٠
فوق ذلك إنَّ الكلمة "الحق" في اللغات السَّامية هي نفسها "الحقيقة والواقع". وهذا معناه أنَّ الشاهد للمسيح يمكنه أن يعاين أيضاً واقع العالَم والبشر. إذا تحدَّث عن شر البشر فهذا صحيح. وعندما يتحدث عن قيامة المسيح وصعوده فهو يتحدَّث عن وقائع حقيقية، وإذا تجرأ أن يُعرِّف الله فالقدوس المثلث الأقانيم هو ثالوث، وهذا أمرٌ يحتاج إلى قليل من البحث. لخادم المسيح توقع صحيح ووصف مُعتَمَد للواقع٠
إذا فُهمَت الكلمة "حق" أنَّها "حق أساسي" فهذا معناه أنَّ محبة الله هي الحق الأساسي للوجود. كل ما لا يليق بمحبة الله القدسية هذه غير صحيح، بل هو محطئ وخاطئ ومذنب. إنَّ تعليم التبرير بالإيمان هو أساس خطة الخلاص الإلهية. ولتحقيق شريعة المسيح بواسطة قوة الرُّوْح القُدُسأولوية كما يكتب بولس: "لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" (رومية ٨: ٢)٠
عندما يوصَف الحق بأنه صفة من صفات الله، فالمسيح هو الحق في شخصه (يُوْحَنَّا ١٤؛ ٦)، روحه "روح حق" (يُوْحَنَّا ١٤: ١٧؛ ١٥: ٢٦؛ ١٦: ١٣) والله الآب المنبع الأصلي للحق (يُوْحَنَّا ١٧: ١٧، ١٩). كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتَه (يُوْحَنَّا ١٨: ٣٧) ويصبح صادقاً٠
السلاح الروحي الثاني الذي يذكره بولس هو "درع البِرِّ" أو الدّرع الواقي الذي يحفظ الأعضاء الدَّاخلية للمحارب. يشهد هذا السلاح أيضاً أنَّ الله القدوس هو عادلٌ أيضاً عندا يبرِّر الخطاة الفاسدين بواسطة موت ابنه الحبيب نيابةً عنَّا (رومية ١: ١٧؛ ٣: ٢٣- ٢٤؛ ٥: ١؛ ٢ كُوْرِنْثُوْس ٥: ٢١). ويظل باراً عندما يُقسِّي إسرائيل المختار، بل المتمرد كي يُخلِّص الرجال والنساء والأولاد مِن الأمم النَّجسة التي تدع نفسها تخلص بواسطة نعمة بِرِّه. إنَّ مَن يَنشد ملاذاً في بر الله هذا الذي لا يقبل الجدل يُدرك أنَّه بر إيمان يقدِّس الذين يتكلون عليه. إنَّ هجمات هذا العدو الذي مِن البدء وأسلحته كلها عقيمة وغبية ولا نفع لها حينما توجَّه ضدَّ بر الله المجاني٠
السلاح الروحي الثالث الذي ذكره رسول الأمم الذي طالت مدَّة سجنه يُدعى "حاذين أرجلكم باستعداد لإعلان إنجيل السلام". تعني هذه الصيغة البراغماتية الإرساليات العالمية المعرِّفة بالخلاص الذي أتمَّه المسيح على الصَّلِيْب، وتدل على قهر الديانات والأفكار العالمية الأخرى كلها. وتتضمن هذه الصيغة أيضاً تهيؤاً للهجوم، ذهناً راغباً ومهيأً لخطوة إلى الأمام، غير راغب في احتمال أي خوف في وجه القوى المعارضة. ربما أحسَّ الجندي الذي يحرس الرسول عند سماعه هذا الكلام بدعوة تمهيدية للتمرد. لذلك أضاف بولس ببراعة الكلمات التالية: بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ." كانت الكلمة "إنجيل" في زمن بولس تعني إعلاناً إيجابياً خاصاً مِن عرش القيصر الحاكم. كانت "بشارة السلام" بمثابة عبارة كالبلسم لكل جندي لم يكن عليه بعد هذا الشِّعار أن يأخذ في الحساب السير الطويل في كل أنواع الطقس، وبدون عراك يداً بيد، وفوق كل شيء بدون احتمال الموت. بكلمة السلام أُبطل مفعول التهيؤ للهجوم٠
نحتاج أن نسمح لأنفسنا بسماع كلمة خاصة مِن الرسول السجين وهي أنَّ حياة المَسِيْحِيّ القوي مرتبطة دائماً بتأهبنا الباقي بحيث نكون دائماً مستعدين لأخذ إنجيل السلام إلى الملحدين غير العارفين. إنَّ خلاصنا هو هبة رحيمة مِن الله ينبغي أن "تُلبسنا أرجلاً" حتى نعطي الضالين والذين لا رجاء لهم الشجاعة لطلب الحياة الأبدية. الخلاص بيسوع المسيح مُعَدٌّ للجميع. لا يحتاج يسوع إلى أن يموت مرَّةً أخرى لأجل الأتراك والعمال والطلاب الأجانب في بلدنا. فموته برَّرهم هم أيضاً، لكن إمَّا أنهم لا يعرفون حظهم، أو أنهم يرفضون موت يسوع المسيح الكفاري. ومع ذلك يجيب معظمهم قائلاً: "لم يكلمني أحدٌ قَطُّ عن المسيح هنا في أوربا". هل ما زلنا نريد أن تستقرَّ كلمة العار هذه علينا؟
مضى بولس في وصف سلاح الله أبعد مِن ذلك، فتحدَّث رابعاً عن "ترس الإيمان" العظيم القادر أن يمسك ويُطفئ كلَّ سهام العدو الملتهبة. ينبغي لكل مَن يخدم يسوع كشاهد، أو شمَّاسٍ، أو مرنِّمٍ، أن يأخذ في الحسبان أنه سيُواجَه بالريبة الشريرة والافتراء وهو يُهاجَم بالتحريف والكذب. ومع مرور الأيَّام يتحوَّل زملاء العمل الودودون إلى مشككين غير موثوق فيهم. بالإضافة إلى هذه العداوات الشخصية ثمة أيضاً تهجمات مُغرضة على يسوع وعلى إيماننا وعلى كنيستنا أو جماعة دراسة الكِتَاب المُقَدَّس. ليس عندنا دائماً ردٌّ منطقي أو مُرْضٍ مهيَّأ مسبقاً، لكن بالإيمان وبالصلوات السريعة كالبرق نستطيع دائماً أن نُمِرَّ المشكلة بمخلِّصنا القائم مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. وسنرى أنَّه غالباً ما يوحي للناس البسطاء بأجوبة مناسبة مُقادَة مِن الروح. إنَّ الإيمان بالمسيح، حَمَل اللهِ، لا يُطفئ فقط جميع العداوات الخادعة ضدَّنا، بل أيضاً تهجمات الشيطان المضادة للمَسِيْحِيّة على حق الإنجيل. "وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (١ يُوْحَنَّا ٥: ٤). إنَّ المؤمن بالمسيح ابن الله يختبر الرُّوْح القُدُسكالحياة الأبدية (يُوْحَنَّا ٣: ١٥: ١٦). يُعلن مقطعٌ مِن ترنيمة ألمانية:
إذا كان المرء لا يقدر أن يفعل شيئاً سوى أن يؤمن فهو يقدر أن يفعل كلَّ شيءٍ قوَّات العالم كلُّها له وكأنها شيءٌ تافهٌ٠
ينبغي ألاَّ يكون عندنا إيمانٌ فقط بالنسبة لنا و لخلاصنا في المسيح، بل أيضاً إيمانٌ بالنسبة للإخوة والأخوات الآخرين ومعهم. إنَّ إعلان المواد الثلاثة مِن إيمان الكنيسة اللوثرية الإنجيلية وتفسيرها في أصول إيمان الكنيسة متماسكان ومتينان بحيث يمكنهما كدرعٍ أن يمسكا ويًُطفئا سهام الشرير الملتهبة. نحتاج إلى ترديد هذه النصوص غيباً باستمرارٍ حتَّى تبقى عاملةً في عقلنا الباطن وتخترق الوحي الرواقي للكمبيوتر. مَن يبحث عن مزيد مِن الشروح لترس إيمان المؤمنين الواقي سيُصادف وعد الله لإبراهيم: "أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً" (تكوين ١٥: ١). الذي يتفهّم هذا الوعد ويُصدِّقه ويتكيَّف معه يُصبح مسالماً وهادئاً حتَّى في وسط أشدِّ المعارك ضراوةً٠
تابع بولس وصف سلاح خدام وخادمات الله متحدثاً خامساً عن "خوذة الخلاص". اليوم يحتاج حتى سائق الدراجة إلى وضع خوذة واقية حتى لا يؤذي رأسه عند السقوط. والذين يعملون في مواقع البناء يلبسون خوذةً للحماية مِن حطام حجارة البناء. والخوذة الشمسية في المناطق الاستوائية تحمي مِن الإشعاعات الشمسية فوق البنفسجية، وفي أوقات الحروب أنقذت الخوذة الفولاذية حياة الكثير مِن الجنود. في تقصي نيران العدو، قد يرفع خوذته إلى أعلى على عصا، ليجدها بعد قليل مثقَّبة كالغربال بطلقات رصاص العدو٠
بعض الخُوَذ يُصمَّم خصيصاً للاستعراضات العسكرية ليشع بريقها في المسيرة أمام المنابر الرئاسية. خوذة خلاصنا تحمَد خلاص الخاطئ المجاني أمام دينونة الله. إنَّها تعترف بالتغيير الحاصل في حياةٍ ضالَّةٍ بواسطة نعمة فاديها المجيدة. لخلاص يسوع المسيح جانبان دائماً: أوَّلاً يأتي الخلاص الرحيم والتام مِن الخطيئة والشيطان والموت وغضب الله. ثمَّ يأتي التبرير بالإيمان، والسلام مع الله، والولادة الثانية مع ثمر الرُّوْح القُدُس، والرجاء الأكيد للحياة الأبدية. إنَّ وجودنا الروحي في المسيح ودعوتنا أولاداً لأبينا الذي في السماء هما امتيازان رائعان ناشئان عن الإدراك أنَّ الخلاص هو مِن الإيمان. هل لبستَ خوذة الخلاص بطريقة منظورة وهل سمحتَ لانعكاسها الرائع أن يُشرق حقاً في المجد؟ أم إنك لابسٌ خوذتك البديعة وكأنها مغطاة ومحجوبة بقطعة قماش فلا يستطيع أحدٌ أن يرى ماذا فعل الله بك؟
لا يزال عند بولس الكثير ليقدِّمه لخادم الله على سبيل التسلح. كسلاح سادس يدفع في يدك "بسيف الروح". ليس هذا سيف جلاد طويلاً لا قيمة له في القتال القريب، بل هو سيف قصيرٌ مِن السَّهل إمساكه في المعركة. لا يفكِّر بولس بمعركة دينيَّة كتلك التي خاضها الصَّلِيْبيون ذات مرَّةٍ ضد إرادة المسيح، بل يتحدَّث عن سيف الروح، كلمة الله التي تستطيع أن تخترق روح أغبى خاطئٍ. وصف كاتب الرِّسَالَة إلى العبرانيِّين بدقَّةٍ عمل هذا السَّيف: "لأَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ, وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ, وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين ٤: ١٢)٠
لكن قبل أن تقرِّر إدانة شخص آخر أو إنعاشه بسيف الله، تحتاج أوَّلاً إلى إغماد هذا السَّيف في نفسك أنت كي يُقتَل كلُّ استكبارٍ أو اكتئابٍ فيك ويهلك كلُّ غرورٍ. في النهاية لا يبقى منك سوى رحمة الله. حالما تطبق هذا الإجراء على نفسك ستكون عِنْدَئِذٍ في المحبة قادراً على جعل جيرانك وأصدقائك يعون قدرة كلمة الله النَّافذة. ويمكنك أن تشهد شخصياً لما أنجزه هذا السيف فيك٠
في باحةٍعامَّةٍ مكشوفةٍ لوقوف السيارات في سويسرا، رأينا مرَّةً رجلاً متقدِّماً في السِّن، ذا وجهٍ مشرق، يدفع بكرَّاسٍ في يد كل مَن يوقف سيَّارته. كان هذا الرَّجل مبشِّراً متقاعداً عائداً إلى وطنه، ووسط تساقط الثلوج يقدّم كلمة الحياة. لم يلاحظ أصابع قدميه كانت متجمدة وسط الجليد والثلج. لقد أراد أن يُغمد سيف الروح في قلب كل من يدخل ويخرج بسيارته٠
إنَّ سيف الروح لا يُطهِّر الضمير فقط، بل يبني أيضاً "الإنسان الجديد" في المبرَّرين بدم المسيح. وأداة رحمة الله هذه تسهر أيضاً على التعليم الصحيح للإنجيل، فتجتثُّ ما يتسلل إليه مِن حكمةٍ بشريَّةٍ٠
إذاً حارب بولس بسيف الروح كلَّ شكلٍ مِن أشكال البر بالشريعة، الذي فيه يظن بعض الناس أنهم مستقيمون إلى حد تأسيسهم برهم الذاتي من "الأعمال الصالحة". لكنَّ سيف الخلاص يكشف أنَّ دم المسيح الجاري مِن موته النيابي هو وحده القادر أن يجعلنا أبراراً وصالحين قدَّام الله القدُّوس٠
لقد اخترق سيف البر أيضاً تأليه مريم المكرَّمة، أم يسوع المسيح. كانت مريم شخصاً بسيطاً، ولدت مِن أب أرضي وأم أرضية، وهي التي نظمت الترنيمة الرائعة:
فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ, وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي, لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي, لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ, وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ (لوقا ١: ٤٦- ٤٩)٠
حتَّى مريم العذراء دعت رب العهد القديم العلي "مخلِّصها وفاديها" الذي اختارها لتصبح أمَّ يسوع المسيح. وُلد ابنها فيها بواسطة الرُّوْح القُدُس. فهو "إلهٌ حقٌّ وإنسانٌ حقٌّ" وُلد بدون خطيئة، وفيه غلب الرُّوْح القُدُسكل سمةٍ قابلة لأن تورَث مشكوك فيها مِن أجداده. كان يسوع الشَّخص الوحيد الذي كان في وضعٍ يتيح له أن يموت كبديلٍ ليست فيه خطيئة عوضاً عن الخطاة جميعاً. ليست مريم شريكة في الفداء ولا هي أم الله. كان عليها هي أيضاً في ظروفٍ عديدةٍ أن تتألم مِن سيف الروح النافذ في قلبها:
"وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُ الْجُمُوعَ إِذَا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ قَدْ وَقَفُوا خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوهُ. فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ, هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ. فَأَجَابَهُ, مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي. ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ, هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي" (متَّى ١٢: ٤٦- ٥٠)٠
ربَّما كانت عائلته تريد أن تُبعد يسوعها عن خدمته وتُنقذ نفسها وأنسباءها بما أنَّ المجلس الأعلى لليهود (السنهدريم" في أورشليم كان عازماً على إدانته وقتله (متَّى ١٢: ١٤). لكنَّ يسوع تابع طريقه إلى الصَّلِيْب حتَّى النِّهاية. فكان على أمِّه فيما بعد أن تقف تحت خشبة الصَّلِيْب الملعونة وتَقْبَل عناية وعيالة يُوْحَنَّا التلميذ الذي عيَّنه المصلوب لها (يُوْحَنَّا ١٩: ٢٦- ٢٧). لهذا السَّبب يزعم بعض الكنائس أنَّ مريم ذهبت مع الأب الجليل يُوْحَنَّا إلى أفسس وماتت فيما بعد هناك. لكنَّ هذا غلوٌّ في الوهم بما أنَّ المعلومات الكتابية الأخيرة عن مريم موجودةٌ في أَعْمَال الرُّسُلِ: "هَؤُلاَءِ (تلاميذ يسوع) كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ, مَعَ النِّسَاءِ, وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ, وَمَعَ إِخْوَتِهِ" (أَعْمَال الرُّسُلِ ١: ١٤). فمِن المفترض أنَّ مريم كانت حاضرةً في يوم الخمسين عند انسكاب الرُّوْح القُدُسوقبوله. بَيْدَ أَنَّ لوقا لم يَذكر اسمها في سِفْره بعدُ بما أنَّها لم تكن (كما أنَّها ليست) وسيطاً للخلاص٠
لقد أثبت سيف الروح فعاليته في معارك روحية أخرى، منها ما يتعلق بالتغلب على أكاذيب الإسلام التي تصر على أنَّ كلمة الله، رغم الإيحاء بها شفهياً في العهدين القديم والجديد معاً، قد باتت محرَّفة ومزوَّرة. فضح يسوع ببراعة زيف هذا الاتهام الشيطاني، وشهد قائلاً:
"لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ, إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (متَّى ٥: ١٧- ١٨). ضمن يسوع بهذا الاعتراف ليس فقط نصوص التوراة والمزامير والأنبياء، بل وضع كلامه أيضاً فوق كل اتهام بشري: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (متَّى ٢٤: ٣٥؛ مرقس ١٣: ٣١؛ لوقا ٢١: ٣٣). فوق ذلك، طلب يسوع إلى أبيه، في صلاته كرئيس الكهنة لأجل تلاميذه قائلاً: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ" (يُوْحَنَّا ١٧: ١٧). دحض يسوع باعترافه أنَّ كلام الله كله هو حق الحديث الفارغ عن تحريف الكِتَاب المُقَدَّس، أو عن أنَّ الديانات الأخرى والأفكار العالمية هي أيضاً وحيٌ إلهيٌّ. ثمَّة حقٌّ واحدٌ فقط رُبِحَ بالانتصار بواسطة سيف الروح وهو الكِتَاب المُقَدَّس، الذي صار إنساناً بيسوع المسيح: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا, وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ, مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ, مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يُوْحَنَّا ١: ١٤)٠
كان بولس براغماتياً وعرف مستلمي رسالته. لذلك دفع بالسلاح الروحي السَّابع مِن السلاح الإلهي في أيديهم موصياً إيَّاهم أن يمارسوا "التضرع لأجل جميع القديسين" بكلِّ مواظبةٍ. بكلماتٍ عاجلةٍ ومُلِحَّةٍ وصف الرَّسول هذا السِّلاح الرُّوحي لأنَّه علم أنَّ عدد مشاكل الحياة الذي يفوق الحصر يعوق المؤمنين عن الصلاة المنتظمة. مِن جهةٍ أخرى، كان واضحاً له أنَّ الصلاة لأجل جميع المؤمنين كان أمراً مُلِحّاً بما أنَّ هذه الجماعات مِن الناس هي هدف الشيطان الرَّئيسي٠
لذلك كتب بولس أنَّ على قادة الكنائس أن يتعلَّموا، بالصلاة والتوسط تحت قيادة وقوَّة الرُّوْح القُدُس، أن يكونوا متيقظين ومواظبين في الصَّلاة لأجل أعضاء كنائسهم. إنَّ مَن يتأمَّل هذه الصفات الخمس أو الأكثر لصلاة التوسط سيتكون عنده حالاً شعورٌ بعدم الارتياح في قلبه. والسَّبب هو أنَّنا قد نكون نشيطين في التوسط، ولكن ليس على الإطلاق بالشدة التي يطلبها الرسول منَّا. كل مَن كان طرفاً في حرب أرضية يعرف أنَّ ما مِن أحدٍ متورِّطٍ فيها يعرف حالة الهدوء والسَّكينة، بل كل واحدٍ يفكر باستمرارٍ وبشدة في اتجاه العدو، منتبهاً ومدركاً، عالماً أنَّه ينبغي أن يكون مستعداً لكل احتمالٍ. نحتاج أن نتعلَّم أن نصلي كما فعل الشاعر فريدرك أوزر الذي كتب ما يلي في نهاية المقطع الأوَّل مِن ترنيمته "انهض، انهض، البس قوَّة يا سلاح الرَّب":
"إنَّنا في معركةٍ نهاراً وليلاً، يا رب، اعتنِ بنا في رحمتك وابقَ إلى جانبنا٠"
فقط عندما نفهم بحق أنَّنا، بوصفنا كنيسة المُخَلَّصين بالمسيح، نُشكِّل الإغاظة الرئيسية للشيطان، سنفهم أخيراً أنَّنا نقف في وسط ميدان معركة، وأنه لا وقت لدينا ولا حق لمجرَّد التفكير بتحقيق أي نجاح مادي شخصي لأنفسنا. إنَّ التوسط لأجل حماية أعضاء الكنيسة وتقديسهم، وكذلك لأجل كل عمل تبشيري، هو واجب صلاة مُلِحٌّ يريد الرُّوْح القُدُسأن يُهيِّئنا له٠
فوق ذلك، وفي هذا السِّياق، ثمَّة نقاط ضعيفة متعددة ظاهرة في حياة القديسين يحب فيها الشيطان أن يصب البنزين كشعلة ملتهبة: أوَّلاً يأتي الاستكبار والطَّمع والغطرسة، وهذه تخفق في قلب كل شخص. كل واحد يفكر أنه مركز الوجود والحياة. ولا بدَّ لهذا المرض المُمْعِن في القِدَم مِن أن يموت فينا مثل خطيئة الشيطان. بدلاً منه يرغب تواضع يسوع ووداعته أن ينموا فينا. وهذا يُحْدِثُ حرب أرواحٍ في قلوبنا، ولهذا السَّبب يُصبح التوسط لأجل المولودين ثانيةً أمراً مُلِحّاً. يجب على كل شخص أن يتعلَّم أن يصبح صغيراً، حتَّى يكون يسوع ربّاً فيه ويحكم على جميع المشاكل والمسائل٠
المرض الثاني حتَّى للقديسين المؤمنين هو حب المال. قال يسوع لأتباعه بكل وضوح: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ, لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ, أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ" (متَّى ٦: ٢٤). أمَّا وقد همس الشيطان في أذن جميع محبي يسوع قائلاً: يجب أن تكونوا مؤمَّنين ضد كل ضرر ممكن ومرض وتقدُّم في السِّن. إلى جانب ذلك يمكنكم أن تواصلوا العيش مع يسوع بسعادةٍ، وهكذا يُخدَع كثيرون رابطين أنفسهم بقوَّتين على الرَّغم مِن أنَِ يسوع أكَّد لهم: إنَّ ذلك لن يُجدي. لا يمكنكم أن تُحبَّوا بحقٍّ سوى رب واحد وليس اثنين. ينبغي أن يكون التوسط لأجل "جميع" القديسين، الأغنياء والفقراء، هو ما يُحرِّرهم مِن انفصام شخصيتهم في الإيمان بقدرتهم على حب وخدمة الله والمال معاً. وهذا معناه، بالمفهوم الروحي، صراع حياة وموت٠
التجربة الثالثة لجميع القديسين هي دافعهم الجنسي الذي كان في البداية عطية صالحة ومكرّمة مِن خالق الخالق لخليقته. لكن منذ أن أراد الإنسان أن يصير مستقلاً وحاول أن يعيش بدون أو ضد الله وكلمته، سقط حتَّى عالم الموهبة الجنسية الطبيعية في روح التمرد والغرور. الإعلان العصري يُذْكي لهب هذا الضَّعف في الإنسان، وحتَّى الأولاد يُعَلَّمون وجوب ممارسة المزيد مِن الجنس. يعاني كثير مِن القديسين، حتَّى وهم في خير حالاتهم، الكثير مِن التجارب وعبودية الجنس أكثر ممَّا نُدرك. ويتطلب هذا على الدوام توسُّطنا بالصلاة ولا سيَّما للمبتدئين في حياة الإيمان وللشُّبان والشابات. إنَّ نظام ثقافتنا وتربيتنا يُفسِدُهُم. بدون أبسط رادع سُئلنا في إنكلترا هل أنجب غوته ١٠٣ أو ١٠٤ أولاد غير شرعيين؟ أمَّا مواكب الحب في مدننا الكبيرة فلا تسبِّب أيَّ انفجارٍ سُكَّانيٍّ لأن ليس قليل مِن المشاركين قد أخذ موانع حملٍ سلفاً. ينبغي لكل مسؤولٍ عن شركة منزلية أن يكون رحيماً وأن يطبق أهدافاً واضحةً في الطلبة لأجل الآخرين. لم يدعُ بولس عبثاً، وبشدّةٍ مضاعفة خمسة أضعاف، المؤمنين بالمسيح للتوسط لأجل جميع القديسين في أفسس وحولها٠
صلاة: أبانا الذي في السَّماء، نشكرك لأنَّك لأجل موت ابنك الحبيب عنَّا قد غفرت لنا جميع خطايانا ونقائصنا وآثامنا. نسجد لك لأنَّك به وبقوَّة الرُّوْح القُدُسحفظتنا حتَّى نقاوم في الحرب الروحية الراهنة ونحارب روحياً ونؤمن ونصلي. نحن لا شيء، لكنَّك بضمانة يسوع كفلت لنا مستقبلاً باهراً، آمين٠
:الأسئلة
٣٣- أيَّاً مِن الأسلحة الروحية السبعة تحتاج بأكثر إلحاح؟
٣٤- ما سرُّ وهدف سلاح الله؟