Previous Lesson -- Next Lesson
٣ - النُّخبة الّذين انتظروا انسكاب الرّوح القدس (١: ١٣ - ١٤)٠
أعمال ١٣:١-١٤
١٣ وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعُلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا, بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. ١٤ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ, مَعَ النِّسَاءِ, وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ, وَمَعَ إِخْوَتِهِ٠
لقد أمر يسوع تلاميذه باكتساح العالم كلّه ولكنّ ما يدعو إلى العجب هو أَنَّهم لم ينطلقوا بقوّتهم الشخصيّة، ولم يتكلّموا كلاماً فارغاً مُزيَّناً ببلاغة بشريّة، بل اعتزلوا للصَّلاة، وأطاعوا أمر المسيح الثاني، وهو انتظار موعد الآب، فضيق العالم فظيع، وجماهير الأموات في الخطايا كطوفان؛ ولكن ويلٌ للمؤمنين الّذين يقصدون تبشير العالم بحكمتهم الشَّخصيَّة،لأنّهم يسقطون إلى تيّار زمننا، ويغرقون حتماً. أمّا مَن يصلّي فيثبت، ومَن ينتظر قوّة الله يغلب؛ فلا تَظُنَّنَّ أنَّك تستطيع إصلاح إنسان واحد، أو إرشاده إلى المسيح بفنّ قدرتك الشخصيّة، أو باحتيال ذكائك، بل اصمت وصلّ، منتظراً عمل الله، وأَدْرِك أنّ تاريخ أعمال الرسل ابتدأ بالصلوات، وليس بكلام جهوري منتفخ؛ فأوّل عمل قام به رسل المسيح هو الصّلاة والانتظار، لأنّهم قد أدركوا، ألاَّ نتيجة مِن قدرتنا، فنحن ضالون سريعاً. ولكن يكافح لأجلنا الرَّجُل الحقّ المختار مِن الله. هل تَسأل مَنْ هو المنتصر الوحيد؟ إنّ اسمه يسوع المسيح! وهو وحده الّذي يخلّص ويفدي ويغلب، أمّا نحن فنتبع خطواته، ونشهد بظفره٠
لم ينعزل التلاميذ إلى مغارة أو صحراء، ولم يتأمّلوا في أسرار الكون، متشائمين ومحتقرين عالم البغضاء، بل اجتمعوا وصلَّوا في شركة، وواظبوا على الصَّلَوات معاً. فمضمون اجتماعاتهم كان الصلوات المشتركة. فسبّحوا الله على أعمال يسوع الّّتي اختبروها، وتابوا توبةً نصوحاً عن فشلهم الخاص، وجعلوا مِن اختباراتهم وآمالهم صلوات، وتكلّموا مع أبيهم السماوي عن كلّ أمور حياتهم، شاكرين معترفين طالبين ومبتهلين. فالصّلاة كانت عملهم ومهنتهم وجهدهم. ولربّما كانت العلّيّة هي مقرّ الاجتماعات، المكان الّذي تناول يسوع فيه الفصح مع تلاميذه قائلاً، كما الخبزُ يدخل جوفهم، هكذا يحلّ هو فيهم، وكما الخمر تجري في عروقهم، هكذا ينقّي دمه دماءهم، ويطهّرهم تطهيراً كاملاً، حتّى يتجدّد كيانهم تَجدُّداً حقّاً بواسطة تمركزه فيهم٠
ومَن هم الرجال الّذين اتّحدوا بالمسيح في هذه الغرفة بعهدٍ جديد، والّذين واظبوا على الاجتماعات في هذا المقرّ المقدَّس لهم؟ نميّز أوَّلاً بطرسَ الصيّاد النشيط المتسرّع، الّذي أنكر ربّه، وحصل على غفرانه بلقاءٍ شخصي مع المقام مِن بين الأموات، فهو مذكور أوَّلاً مِن بين أسماء الرسل، لأنّه كان المفوّض مِن ربّه، ليترأس على زملائه ويتكلّم عنهم. ونرى مقارباً له يوحنّا الوديع الهادئ اللطيف الفتي، الّذي كان يتّكئ على صدر يسوع. إنّه أبصر مجد الرّبّ وشهد به أكثر مِن أي إنسان آخر. وإلى جانبه صلّى أخوه يعقوب، الّذي رجا الجُلوسَ عن يمين ابن الله في ملكوته؛ وصار الشهيد الأوّل مِن بين هؤلاء الحضور، الّذي مجّد المسيح بموته؛ وقد كان صديقاً لأندراوس، ذلك الرجل الكبير، الّذي آمن بالمسيح قبل الجميع، وأرشد فوراً أخاه بطرس إلى المخلّص (يوحنّا ١: ٤٠-٤١). وكان بين المصلّين فيلبس أحد التلاميذ الأوّلين، الّذي بحث يسوع عنه، ووجده، ودعاه بكلمة واحدة: اتبعني (يوحنّا ١: ٤٣-٤٥) فهو الّذي ذهب رأساً مفتّشاً عن صديقه نثنائيل، المسمّى أيضاً برتولماوس؛ وهذا كان جالساً تحت التينة، ساكباً قلبه لله، فرآه المسيح مِن بعيد، ودعاه إلى صلوات مستمرّة، ليرى هو وزملاؤه السّماء مفتوحة والملائكة نازلة وصاعدة آتية إلى ابن الإنسان وأتباعه٠
نجد في هذه الحلقة مِن التلاميذ الستّة الأوائل الّذين مِن بيت صيدا الجليليّة، توما جالساً مطمئنّاً. هذا المشكّك السابق والنقّاد، الّذي حصل بأسئلته النَّفَّاذة على أعمق معرفة بالله مِن بين جميع التلاميذ، حتّى سجد ليسوع صارخاً "ربّي وإلهي". ونرى من منتظري الرّوح القدس هؤلاء أيضاً، متّى العشّار المرابي التّاجر الجابي الحسابي والمترجم الماهر، الّذي لبّى دعوة المسيح مطيعاً، وجمع كلماته، ووصف أعماله، ومجّد المسيح بإنجيله المجيد؛ فنمتلئ مِن القوّة الموهوبة له حتّى اليوم. ولا نعرف كثيراً عن سيرة الرسل الثلاثة الأُخَر، فقد حصلوا كالبقيَّة على سُلطانٍ مِن يسوع ليشفوا الأمراض، ويُخرِجوا شياطين، وفرحوا لأنَّ أَسماءَهم كانت مكتوبة في السّماء؛ فمجّدوا يسوعَ ببشرى الخلاص في محيطهم. ولا نعلم تفاصيل كثيرةً عن حياتهم، ولكنَّ هذا ليس مهمّاً، لأنّ لوقا لم يُرِدْ وصفَ أعمال الرُّسل كُلِّها، بل أبرز عمل المسيح الحيّ في رُسُله الكرام، إِنَّهم فتحوا قلوبهم لهداه وصلَّوا معاً٠
والعجب أنَّنا نجد في شركة المصلّين أيضاً مصلّيات اشتركن في سلسلة هذه الاجتماعات. لقد وقفنَ منفردات قرب الصَّليب، وهُنَّ اللَّواتي فوَّضَهُنَّ الرّبّ، ليبشّرنَ بقيامته في أوّل يوم مِن الأسبوع، وانتظرن مع الجميع حُلولَ قوَّة الرُّوح القدس، الّذي ليس مُعَدّاً للرِّجال فقط، بل وللنِّساء أيضاً على حدّ سواء. ومريم أمّ يسوع كانت في شركة المنتظرين لموعد الآب. وهنا يرد اسمها لآخر مرّة في العهد الجديد وهي لم تَظْهَر كملكة السّماء، بل كمصَلِّية متواضعة محتاجة إلى قوّة الرّوح القدس.ولوقا البشير، الّذي عَرف الأُمَّ شخصيّاً، واستفهمها عن ابنها، شهد أيضاً بوضوح أنَّ ليسوع إخوة، حاولوا في السابق منعه مِن تأدية عمله كمخلّص، لكيلا تُرفَض العائلة كلّها مِن الأُمَّة (متى ١٣: ٥٥ ، مرقس ٣: ٢١ و٣١-٣٥ والأصحاح ٦: ٣ ويوحنّا ٧: ٣-٨)٠ ولكنّ يسوع بعد قيامته مِن الموت ظهر لأخيه يعقوب (١ كورنثوس ١٥: ٧) فتزعزع هذا تزعزعاً فظيعاً مِن ألوهيّة يسوع، حتّى جلب كلّ إخوته الباقين إلى حلقة الرسل، فصلَّوا معاً، وتغيّروا في ذهنهم، وانتظروا موعد الآب؛ وامتلأ يعقوب بعدئذٍ مِن الرّوح القدس، فصار قُدوةَ المصلّين، وأحد الأركان في كنيسة المسيح، وأصبح مع بطرس ويوحنّا العَقل المُدَبِّر في الكنيسة الأولى (أعمال الرسل ١٢: ١٧ و١٥: ١٣ وغلاطية ٢: ٩)٠ إنّ المُقام مِن بين الأموات وحَّدَ نخبة أتباعه، والنساء المؤمنات، وعائلته حسب الدم بكنيسة مُصلّية، فأَصبحوا جميعاً قلباً واحداً ونفساً واحدةً، واجتهدوا معاً في الصّلاة. فهل أنتَ مُصَلٍّ، طالبٌ شركةَ الإخوة بكلّ اشتياق وعزم، أم أنَّكَ تنعزل منفرداً؟ إنّ نخبة المصلّين هي نقطة الانطلاق لأعمال الرسل والكنيسة كلّها٠
الصلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نشكرك لأنّ رسلك لم يبنوا ملكوتك بقوّتهم الشّخصية وحكمتهم الخاصّة، بل صلَّوا معاً، منتظِرين مَوعدَ الآب وقوَّة سلطانك. علّمنا الصّلاة والانتظار لقدرتك، مؤمنين خاضعين بعضاً لبعض٠
السؤال: ٦. مَن هم الّذين اجتمعوا للصّلاة المستمرّة؟