Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجزء السَّادس - دُخول يَسُوْع إلى أُوْرُشَلِيْم وأَعْمَالُه الأخيرة (مرقس ۱۰: ٤٦ - ۱۲: ٤٤)٠
٧. مسألة الدَّولة والضَّرائب (مرقس ۱۲: ۱۳-۱٧)٠
مرقس ۱۲: ۱۳-۱٧
١٣ ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيْسِيّيْن وَالْهِيْرُودُسيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. ١٤ فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلاَ تُبَالِي بَأَحَدٍ لأِنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وَجُوهِ النَّاسِ بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ. نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي. ١٥ فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي. اِيتُونِي بِدِينَارٍ لأِنْظُرَهُ. ١٦ فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ، فَقَالُوا لَهُ لِقَيْصَرَ. ١٧ فَأَجَابَ يَسُوْع وَقَالَ لَهُمْ أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ. فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ
اقترب أعداء المَسِيْح منه، متظاهرين بأنَّهم مِن تلاميذه، ليسألوه عن قضايا هامَّة. ولكنّهم فعلوا ذلك ليوقعوه في فخٍّ، ويُقيموا دعوى عليه، فيقبضوا عليه تّواً. وقد اتَّحد لهذه المهمَّة الخسيسة الطَّرفان المتناحران: الفَرِّيْسِيّوْن المتعصّبون دينياً، الرافضون دفع الضرائب للقوة المستعمرة، مِن جهة، وجنود الملك هِيْرُودُس عميل الرومان، مِن جهة أخرى٠
والتاريخ شاهدٌ على المرَّات العديدة الّتي اتّحدت فيها أطراف الخصومة والعداء على مرّ الزمان في سبيل إبادة المؤمنين بالمَسِيْح وإطاحتهم. هؤلاء يتبعون معلّمهم إبليس خير الماكرين، الكذَّاب وأبا الكذَّاب الّذي يعلِّمهم الرياء والكذب، فيسألون أسئلة بلطف مُصطنَع، وتواضعٍ ظاهري، وهم يقصدون مِن سؤالهم إهلاك مَن سألوه. إنَّ الرياء أنجس الخطايا قاطبةً. فهل امتحنتَ نفسك؟ هل أنت صادقٌ ومستقيمٌ في كل أقوالك وأفعالك؟ أم أنّك تتظاهر بالمودّة لبعض الناس بينما قلبك مشحون بالبغض تجاههم؟ كان على أعداء المَسِيْح أن يعترفوا بأنّ المَسِيْح حرٌّ وصادقٌ، ولم يخشّ إنساناً قطّ، بل علّم في ارتباطه بالله سلوك طريق المَحَبَّة وسط أدغال الأنانية٠
سألوا يَسُوْع في مسألة ماليَّة، فبالمال تنتهي المَحَبَّة في كثيرين، لأنَّ المال يتمتّع بنفوذٍ كبيرٍ في الدُّنيا، بينما لا قيمة له في الآخرة. فالمال وما له مِن نفوذ كبير في الدنيا جعل الكثيرين عبيداً له، وأضحى هو أصل كلّ الشرور وفي مقدمتها الشَّهْوَة والطمع والحسد، وأصبح محور النظريات والمذاهب الاقتصادية مِن اشتراكية ورأسمالية.. الخ. وصار إلهاً معبوداً يتهافت النّاس عليه ويقتتلون مِن أجله٠
كان الفَرِّيْسِيّوْن يرون في الجزية المفروضة عليهم من القيصر خطيئة، فكانوا يدفعونها على مضض، لأنّهم كانوا يتَّكلون على ذبائحهم وأَعْمَالهم الحسنة. بينما كان جنود هِيْرُودُس يساندون جباية الضريبة مبدئيّاً، لأنّها كانت مصدر معيشتهم. فسأل الفَرِّيْسِيّوْن وجنود هِيْرُودُس معاً ابنَ الله الوديع: "هل يجوز أن ندفع الضريبة؟" ظانِّين أنَّهم سيوقعونه في الفخ بأيّ جوابٍ يتلفَّظ به٠
عِنْدَئِذٍ أخذ يَسُوْع قطعة نقود، وأراهم صورة القيصر على أحد وجهيها، دلالةً على أنَّ هذه القطعة من النقود لم تأتِ من اليهود، بل صدرت مِن روما. وقال لهم: "أعطوا ما لقيصر لقيصر". فلم يخالف بقوله هذا القانون الروماني، وفي الوقت نفسه لم يبث روح الثورة والعصيان في نفوس أتباعه. إنَّ الرُّسُل أيضاً دعوا للخُضُوْع للحكم القائم. فالمَسِيْحيون ليسوا خارجين على القانون، بل إنهم يُصلُّون لأجل الرؤساء المسؤولين أمام الله، عالمين أنّ السلطات معيَّنةٌ مِن الله بحسب استحقاقهم إياها٠
وإلى جانب طاعة الرؤساء، وضع المَسِيْح طاعة الله العظيم، وإنّما بقدر ما هو أكبر وأعظم من الرؤساء والقياصرة، ينبغي أن نطيعه أكثر مِن سائر البشر. ويبقى أن نذكّر أخيراً أنّ القياصرة والرؤساء وملوك العالم وأموالهم وكلّ ذهب الدنيا وبلدان العالم تخصّ مَلِك المُلُوْك ورَبّ الأَرْبَاب الخالق العظيم، وهذه كلّها كنقطة ماء في يده٠
المَسِيْح أحكم مِن كلّ حكماء الأرض، وهو في قوله الحكيم صادقٌ ومستقيمٌ. إنَّ محبَّته للذين شاءوا أن يصطادوه بكلامه ويهلكوه هي جزء مِن حكمته الّتي شاءت أن ترشدهم إلى التوبة والخُضُوْع لله تعالى٠
أمَّا نحن، فيأمرنا المَسِيْح أن نخضع للسلطة الزمنية، وندفع لها ما يترتّب علينا مِن ضرائب. ولكنّه، فوق ذلك، يدعونا إلى الخُضُوْع لله، ووضع أموالنا ونفوسنا تحت تصرُّفه. فلا تتمسَّك بالدُّنيَوِيَّات، بل اتّكل على ربّك، مسلِّماً له أمور حياتك. فمَن يخدم ربه بأمانة يختبر أن القُدُّوس لا يتركه أبداً٠
إنَّ تسليمنا إلى الله الحي هو الحدُّ الّذي ينتهي عنده حقّ الملك. وحيثما يكون الدين والدولة منفصلين بعضهما عن بعض، يقدر المَسِيْحي أن يخدم دولته بكلّ إخلاص وتفانٍ. لكن عليه أن يخدم الله أكثر من الناس، لأنَّ الله هو محور الكون وحافظه٠
الصَّلاَة: أيُّها الإله القُدُّوس، أنت ضابط الكلّ، والقدير الرحيم. اغفر لنا محبّتنا للمال، واهتمامنا الزائد بالأمور الدنيوية، وحرِّرْنا تحريراً تامّاً من الرياء والطمع والحسد، كي نتّكل عليك وحدك، ونسلّم أمورنا كلّها لك. اهدِ الدُّوَل الكبرى وحُثَّها على ألاّ تكافح في سبيل الثروة ورأس المال والأبهة، بل أن تخدم الفقراء، وتسمح بحرّية الدين، لكي تتغير أفكار البشر فتتحوَّل مِن الأهداف المادية إلى الحياة الروحيّة، ومِن الطمع الأناني إلى خدمة المَحَبَّة. آمين٠
السُّؤَال ٧۱: ما هي الحكمة في جواب المَسِيْح لمجرِّبيه؟