Previous Lesson -- Next Lesson
متى - توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير متى
الجزء الثالت- خدمات يسوع في وادي الأردن أثناء سفره إلى أورشليم (١٩: ١- ٢٠: ٣٤)٠
٥. الشاب الغني وخطر الغِنى ( ١٩: ١٦-٢٢)٠
متى ١٩: ١٦-٢٢
وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟ (١٧) فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللّهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا (١٨) قَالَ لَهُ: أَيَّةَ الْوَصَايَا؟ فَقَالَ يَسُوعُ: لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالّزُورِ. (١٩) أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ (٢٠) قَالَ لَهُ الشَّابُّ: هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟ (٢١) قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي (٢٢) فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ٠
(خر٢٠: ١٢-١٦، لا١٩: ١٨، مز٦٢: ١١، مر١٠: ١٧-٢٧، لو١٨: ١٨-٢٧؛ ١٢: ٣٣)
اختار البشير متى في إبراز معالجة المشاكل في الكنيسة بطريقة تشريعية تجربة الغنى بعد الأمور المتعلّقة بالزواج والطلاق والعناية بالأولاد٠
اشتاق شاب محترم إلى الحياة مع الله بطهارة وقداسة مع الأعمال الصالحة، وهذا طموح عظيم. لكن المسيح أراد أن يحرره أولاً من المقاييس البشرية الخاطئة، لكيلا يظن أن الصالح الاعتيادي عند الناس محسوب أيضاً صالحاً عند الله. فقال يسوع للشاب: «ليس أحد صالحاً إلا الله». خاطبه بهذه الجملة المثيرة ليفتح ذهنه فيدرك أن المسيح والله واحد، في صلاح واحد٠
يعيش يسوع مع أبيه في وحدة الروح، في جودة وصلاح ومجد كامل. أما نحن فبالنسبة لقداسة الله فاسدون أشرار، غير قادرين على أي عمل صالح من أنفسنا. فيليق بنا التوبة وإنكار الذات٠
إن الله وحده هو الصالح، وليس أحد غيره صالحاً الصلاح الجوهري الأصلي الدائم الذي لا يعتريه أي تغيير، وصلاحه ذاتي، وكل صلاح في المخلوقات مستمدة منه. هو ينبوع الصلاح، ومهما كانت المجاري فهي مستمّدة من ذلك الينبوع (يع١: ١٧)، هو المثل الأعلى في الصلاح، وهو المقياس لكل صلاح. كل ما كان مثله وكل ما اتفق مع رأيه فهو صالح. ونحن في لغتنا ندعوه إلهاً لأنه صالح. في هذه الناحية، كما في غيرها نـرى الرب يسوع "بهاء مجده ورسم جوهره". ولذلك دعي بحق "المعلم الصالح"٠
لم يفهم الشاب درس المسيح، فوضع يسوع في وجهه مرآة الشريعة، ليرى نقصه في عدم إتمام واجباته اليومية. فظهرت مرة أخرى سطحية الشاب، حيث ظن أنه تمم كل ما طلبه الله منه. لم ير حقيقته كخاطئ أمام ربه القدوس. كان مغروراً بصلاحه ومتباهياً باستقامته، فاعتبر نفسه صالحاً وملتزماً بالشريعة، فاضطر يسوع أن يريه سلاسل عبوديته الشريرة، أي محبته للمال، وثقته الخاطئة بنفسه. بيَّن له أن الكمال في التقوى هي التضحية المتعلّقة بمحبة لله والناس المحتاجين. ولا يمكن بلوغ هذا الكمال إلا في إتّباع يسوع٠
خص المسيح بالذكر هنا فقط القسم الثاني من الوصايا العشر، وليس ذلك لأن القسم الأول أقل أهمية بل لأن الذين جلسوا على كرسي موسى وقتئذ إما أنهم أهملوا كلية هذا القسم أو أفسدوه فساداً شديداً في تعليمهم. فإنهم في الوقت الذي دققوا في تعشير النعنع والشبث والكمون تغاضوا عن الحق والرحمة والإيمان، وهي خلاصة الثاني من الوصايا العشر (متى٢٣:٢٣). كان محور تعليمهم يدور حول الناحية الطقسية ولم يفكروا قط في الناحية الأدبية. لذلك وضع المسيح أهمية أكثر على الناحية التي لم يبالوا بها٠
لا يعلمنا المسيح أن يبذر الغني أمواله بين الفقراء بدون انتباه أو احتراز، بل أن يدرس بحكمة كيف يستطيع مساعدتهم حتى يساعدوا أنفسهم. لا يستحق الكسلان تبرعات بل يحتاج إلى تغيير أخلاقه حتى يأكل خبزه بعرق جبينه٠
لم يقصد المسيح بهذا اللقاء توزيع الأموال بين المحتاجين بالدرجة الأولى، بل أراد أن يحرّر الشاب التقي من اتكاله على أملاكه وأن يقدّم نفسه وماله كلّيا لله، لأنه لا يقدر أحد أن يخدم الله والمال معاً٠
لكن الشاب أراد اتِّباع يسوع والاتكال على ماله بنفس الوقت. أما المسيح فيطلب ثقة قلبك كلها لأنه لا يكلّل القلب المنشق. علماً بأن المسيح لا يأمر كل إنسان ببيع أملاكه. إنما دعوته لك أن تسلّم نفسك كلياً له. وهذا يشمل نقودك وأملاكك أيضاً٠
إذا تسلطت محبة العالم على القلب أبعدت الكثيرين عن المسيح ممن يظهرون رغبات طيبة نحوه، وكما أن الثروات الطائلة تزيد المرء تقدماً في طريق السماء إن استطاع أن يعلو فوقها، فهي من الناحية الأخرى تعرقل سيره في طريق السماء إن شغل نفسه بمحبتها٠
على أن الشاب كان فيه شيء من الأمانة، فإنه إذ لم يقبل الشروط مضى ولم يتظاهر بما لم يجده في قلبه لقبول هذه الشروط الصارمة، كان ذلك خيراً له من أن يفعل كما فعل ديماس الذي بعد أن عرف طريق البر تحوّل عنه فيما بعد، إذ أحبّ العالم الحاضر، الأمر الذي كان مخزياً ومحقراً لخدمته. وإذ وجد هذا الشاب أنه لا يستطيع أن يكون مسيحياً كاملاً لم يشأ أن يكون مُرائياً٠
الصلاة: أيها القدوس، أنت الحي والمحق والممتلئ بالرحمة والرأفة. سامحنا إذا اتكلنا على أموالنا وممتلكاتنا الفانية. بل ساعدنا أن نضع أنفسنا وأموالنا كاملة تحت تصرفك. لا نقدر أن نخدمك والمال في نفس الوقت. فساعدنا أن نحبّك ونحبّ الفقراء والمحتاجين في محبّتك الأمينة٠
السؤال ١٧٧ : كيف أراد يسوع أن يخلص الشاب التقي؟