Home -- Arabic -- Revelation -- 183 (Exultation before the Throne of God)
Previous Lesson -- Next Lesson
شرح وتفسير للآيات الكتابية في سفر الرؤيا
الكتاب ٦ - بابل الزَّانية وعبادة الله نهاية المُضِلِّة العظيمة والاستعداد لعرس الحَمَل (رؤيا ١٧: ١- ١٩: ١٠)٠
الجزء ٢.٦ - التَّهليل العظيم في السَّماء (رؤيا ١٩: ١- ١٠)٠
١- الابتهاج للإنتصار أمام عرش الله (رؤيا ١٩: ١- ٤)٠
١ وَبَعْدَ هَذَا سَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلاً, هَلِّلُويَا. الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا, ٢ لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ, إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا, وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا. ٣ وَقَالُوا ثَانِيَةً, هَلِّلُويَا. وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. ٤ وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخاً وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ, وَسَجَدُوا لِلَّهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ, آمِينَ. هَلِّلُويَا٠
في السَّماء بدأ احتفالٌ كبيرٌ بالانتصار، حتَّى بينما كانت سحب الدُّخان الكثيفة تتصاعد مِن الأرض فوق المدينة العظيمة بابل. وحَّد هذا السُّجود المتعدِّد الأصوات لله جماعاتٍ وأجواقاً لا تُحصى في التَّسبيح للآب والابن. يمثِّل احتفال النَّصر بسقوط المغوية العظيمة لجميع النَّاس أحد أهمِّ الأحداث البارزة في الإنجاز التَّاريخي لخطَّة الخلاص الإلهيَّة. لقد خدعت مازجة الأديان المرائية وأبعدت عن الله وحَمَله أناساً أكثر من الذين قتلهم ضد المسيح ونبيُّه الكذَّاب. وقد احتُفل بنهاية هذه القوَّة العظمى الخبيثة٠
في السَّماء سمع يوحنَّا صوتاً عظيماً يكلِّمه (رؤيا ١٩: ١). "الأصوات" مذكورةٌ بوضوحٍ خمس مرَّاتٍ في خدمة العبادة هذه (رؤيا ١٩: ١، ٥- ٦). الصَّوت يُفصح عن أفكار القلب: فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ الْفَمُ (متَّى ١٢: ٣٤). وأن تكون "شخصاً" معناه أن تُشخِّص أفكارك ومشاعرك بواسطة الكلمات. إنَّ العبارة per sonare التي اشتُقَّت منها الكلمة الإنكليزية person ومعناها "شخص" مأخوذةٌ مِن المسرح اليوناني – الرُّوماني: كان الممثِّلون يضعون على وجوههم أقنعةً ذات فتحات للفم بشكل قمع وكان صوت الممثِّل "يَعبُر ويَقوى" مِن خلالها٠
مِن بين سكَّان السَّماء انفجر الفرح العارم المكتوم بعبارةٍ واحدةٍ: هللويا. ومعنى صيحة الفرح هذه: الحمد ليهوه. وكانت هذه الكلمة أصلاً صيحة الحمد والتَّرحيب المستعملة لإله العهدين القديم والجديد، وهي زغردةٌ فَرِحَةٌ لعدَّة أصواتٍ منسجمةٍ ومُكمِّلةٍ. الشُّكر والطَّرب والفرح والتَّمجيد والحمد والإكرام كلُّها متضَمَّنةٌ في صيحة التَّحية الفَرِحة هذه. ولا تزال تُسمَع مثل زغاريد الفرح هذه في الأعراس في الشَّرق الأوسط، أو في احتفالات استقبال الزُّعماء السِّياسيين في إثيوبيا. فالنِّساء اللَّواتي لديهنَّ القليل ليقُلْنه في عالم السَّاميَّة، يُمكنُهُنَّ أن يعلون على جميع الأصوات الأخرى بزغاريدهنَّ الحادَّة التي تُعبِّر عن فرحهنَّ الشَّديد. نقرأ في الثُّلث الأخير مِن المزامير الهتاف "هللويا" اثنين وعشرين مرَّةً: (مزامير ١٠٤: ٣٥؛ ١٠٥: ٤٥؛ ١٠٦: ١، ٤٨؛ ١١١: ١؛ ١١٢: ١؛ ١١٣: ١، ٩؛ ١١٥: ١٨؛ ١١٦: ١٩؛ ١١٧: ٢؛ ١٣٥: ١، ٢١؛ ١٤٦: ١، ١٠؛ ١٤٧: ٢٠؛ ١٤٨: ١، ١٤؛ ١٤٩: ١، ٩؛ ١٥٠: ١، ٦)٠
رتَّلت أجواق السَّماء كلُّها معاً واعترفت بالعبارة العظيمة "الخلاص" التي تشمل التَّحرير والإنقاذ والغلبة والشِّفاء والسَّلام. إنَّ العالم الذي ارتدَّ عن الله هو عالمٌ رهيبٌ تسوده الحرب والكراهية والموت. إنَّ تغلغل خلاص الله في دنيا الخطيَّة هذه معناه الفداء والمصالحة والخلق الجديد والولادة لعالم روحيٍّ جديدٍ. بهلاك المغوية بابل ابتدأ خلاصٌ جديدٌ بعيد المدى٠
بعد ذلك تهلَّلت الأجواق بمجد الله الذي هو الخلاصة السَّاطعة لجميع صفاته وأسمائه وقواه. يظلُّ تمجيد الله عنصراً أساسيّاً للعبادة الكتابيَّة كلِّها. له كلُّ الكرامة والبهاء والجلال. كان يسوع يُمجِّد أباه في جميع الأوقات (متَّى ٦: ٩؛ ١٦: ٢٧؛ يوحنَّا ٤: ٣٤؛ ٥: ١٩- ٢٣؛ ١٤: ١٠؛ ١٥: ٢٦؛ ١٧: ٤). ولذلك كان مِن حقِّه أن يسأله أن يمجِّده بالمجد الذي كان له قبل أن يصير إنساناً (متَّى ١٧: ٢؛ ٢٥: ٣١؛ يوحنَّا ١٧: ٤- ٥؛ فليمون ٢: ٥- ١١؛ رؤيا ١: ١٣- ١٦؛ ٢٠: ١١- ١٣). سيأتي يسوع ثانيةً فِي مَجْدِهِ (متَّى ٢٥: ٣١) وفي مجد أبيه (متَّى ١٦: ٢٧) ليأخذنا إليه (يوحنَّا ١٤: ٣) لننظر مجده (يوحنَّا ١٧: ٢٤) ونتغيَّر لنعكس هذا المجد في شبهه (رومية ٨: ٢٩؛ ١ يوحنَّا ٣: ٢). كان المرتِّلون في السَّماء يعكسون مجد الآب والابن هذا٠
ترنَّم الجوق بسلطان الله وقدرته. لا توجد قدرة بنَّاءة أخرى في الكون، غير قدرة الآب القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ وقدرة ابنه الحبيب يسوع الذي دفع إليه أبوه كلَّ سلطانٍ في السَّماء وعلى الأرض (متَّى ٢٨: ١٨) وقدرة الرُّوْح القُدُس (أَعْمَال الرُّسُلِ ١: ٨). لماذا نبدو نحن المسيحيين في كثيرٍ مِن الأحيان لا حول لنا ولا قوَّة، مع أنَّ إلهنا المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ يملك القوَّة الأساسيَّة والسُّلطان كلَّه والحياة الأبديَّة في ذاته؟ قال يسوع: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ, انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ, وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ (متَّى ١٧: ٢٠). صلَّى مسيحيٌّ تنزانيٌّ بحرارةٍ قائلاً: "يا رب، اطرح الإسلام الذي يقوى في كلِّ مكانٍ حولنا، في بحر النِّسيان... مثل جبل كيليمنجارو تماماً". إنَّنا نؤمن مع هذا المسيحي أنَّ صلاته ستُستجاب. لقد أكَّد يسوع لنا: وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ (متَّى ٧: ٧- ١١؛ ١٨: ١٩- ٢٠)٠
يحثُّنا مزمور تسبيحة أجواق السَّماء على المزيد مِن الإيمان والمحبَّة الطَّاهرة والرَّجاء الجريء حتَّى يمكننا أن نمجِّد خالقنا وفادينا ومعزِّينا مِن قلوبنا. منه وحده يأتي الخلاص والمجد والقدرة٠
قدَّمت أجواق السَّماء أسباباً أخرى لهتافها العظيم "هللويا": كلُّ الكرامة والقدرة لله لأنَّه ليس فقط الآب والمخلِّص والمجدِّد بل هو أيضاً الدَّيان العادل وغير القابل للفساد (رؤيا ١٩: ٢)؛ فهو لا يدين بحسب مكانة الشَّخص لا يُشترى ضميره بالمال، وأحكامه تنسجم مع الواقع وهي عادلةٌ على نحوٍ لا يُخطئ. إنَّه يعرف ويتفحَّص كلَّ فردٍ، فيرى كلَّ خطيَّةٍ مقصودةٍ وغير مقصودةٍ، ويُدرك كلَّ عاملٍ وراثيٍّ وتأثيرٍ بيئيٍّ يُشكِّل الإنسان. لا حاجة لمزيدٍ مِن الكلام. إنَّ أحكام الله القدُّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ لا تَقبل الجدَل ولا تُرَدُّ، فهو السُّلطة العليا والنِّهائية٠
إلهنا طويل الأناة، بطيء الغضب، ويعرف أنَّ لا أحد بارٌّ، وأنَّ جميع النَّاس كَذَبة (مزمور ١٤: ١- ٣؛ ١١٦: ١١؛ رومية ٣: ٤)، ولذلك أرسل ابنه الذي حمل بنفسه خطيَّتنا، بصفته حَمَل الذَّبيحة، ومات عنَّا. إنَّ كلَّ مَن يَقبَل موت المسيح الكفَّاري ويؤمن بحَمَل اللهِ ويشكره يُحسَب مبرَّراً أمام الله. أمَّا مَن لا يَقبَل كفَّارة المسيح ولا يشكره لأجلها فعليه أن يتحمَّل خطيَّته ودينونته أمام الله. لا برَّ لنا بدون دم يسوع المسيح (رومية ٣: ٢٣- ٢٦؛ ٥: ١؛ أفسس ٢: ٨؛ عِبْرَانِيِّيْنَ ٤: ١٦)٠
أمَّا بابل الزَّانية فجزمت بأنَّ الإنسان صالحٌ وقادرٌ أن يُبرِّر ذاته حتَى في حالة وجود إله ودينونة. وأعلنت فوق ذلك أنَّ الأديان الأخرى قادرة على إظهار الطَّريق إلى الأبديَّة. وعلى المسيحيين ألاَّ يتباهوا إلى حدِّ الادِّعاء أنَّ الخلاص لهم وحدهم. خدعت عاهرة ضد المسيح الجماهير بتأكيدها الماكر لهم أنَّ مِن البديهي، بالقدر الذي يعني ضد المسيح، أنَّ مَن يبذل جهده دائماً هو الذي نستطيع أن نُخلِّصه. وكانت معلِّمة الفلسفة الإنسانية هذه أخطر أعداء المسيحية. لقد خفَّفت خمر الإنجيل وقطَّرت فيه سمَّ البِرِّ الذاتي والاستكبار الوقح، ففصلت الزَّانية ببطءٍ ملايين النَّاس عن الله وحَمَله، ولوَّثتهم بتعليمها المعادي للمسيحية، وربطتهم بابن الشِّرير ومؤسَّساته، وقتلتهم روحيّاً. وبقدر ما كان الإنجيل معنيّاً أصبحت أكبر قاتلة جماعيَّة في كلِّ زمانٍ٠
ولكنَّ الله صبر حتَّى على الزَّانية، وأرسل إليها شهوده مرَّةً تلو الأخرى ليقدِّم لها خلاصه المتمَّم في المسيح، ولكنَّها احتدمت غيظاً وجعلت الشُّهود يُعذَّبون ويُقتَلون وأذاعت الافتراءات الشِّريرة عنهم. إنَّ كلَّ مَن يرفض الخلاص في المسيح ولا يتوقَّف عن محاربته يدين نفسه بسقوط بابل المفاجئ. أخيراً انتزع الله دم خدَّامه منها وانتقم لشهوده. قُتِلَت الزَّانية وافتُرسَت مِن قبل عشَّاقها الأنانيِّين. لا توجد محبَّةٌ مضحِّيةٌ بعيداً عن المسيح وملكوته٠
هتفت الجوقة في السَّماء ثانيةً: "هللويا" (رؤيا ١٩: ٣). حمدوا الله وحَمَله على الهلاك المفاجئ لمازجة السُّموم الزَّانية وأم كلِّ رجسٍ على الأرض. وأكَّدت الرُّؤْيَا للمسبِّحين في السَّماء أنَّ دخان عذاب هذه المغوية العظيمة سيصعد إلى أبد الآبدين. فذنبها كان عظيماً إلى مدىً لا يُحَدُّ، ودينونتها الأبديَّة كانت عادلةً٠
كان الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخاً الذين حول العرش والمخلوقات الحيَّة الأربعة قد بقوا صامتين. فالهلع والعجب الشَّديد مِن فداحة ذنب هذه الزَّانية الرُّوحية ودينونة الله المقدَّسة لها أبكمتهم. كانوا مصدومين ومُعَزّين في الوقت نفسه، ولم يسعهم إلاَّ أن يُتمتموا العبارتين: آمِينَ. هَلِّلُويَا (رؤيا ١٩: ٤). وبهاتين الكلمتين قالوا: أجَل، بالتَّأكيد، قطعاً هذا هو الصَّواب لهذه المُضِلَّة. حمداً لله الذي، في حالة رفض أحدٍ ذبيحة المسيح الكفَّارية الصَّالحة إلى الأبد أو التَّجديف عليها، يفضح كلَّ خطيَّةٍ ويدينها. هللويا٠
إنَّ خدمات العبادة في السَّماء لم تمجِّد خلاص الله المتمَّم فقط، بل أحكامه العادلة أيضاً. وهذا ينسجم مع السِّر أنَّ كلَّ مناداةٍ بالبشارة في الرُّوْح القُدُس لها دائماً تأثيران. فهي تحل الخطاة وتحرِّرهم مِن عبوديتهم عندما يتوبون ويؤمنون بالإنجيل؛ ولكنَّ المناداة نفسها تربط أيضاً غير المؤمنين بالدَّينونة وتُقسِّيهم عندما لا يتوبون عن خطاياهم ويثقوا بالفادي كي يُخلِّصهم مِن دينونة الله. إنَّ التَّسبيح لله والمناداة بإنجيله يُحْدِثان نتيجتين متعارضتين تماماً (متَّى ١٦: ١٩؛ ١٨: ١٨)٠
صلاة: أيها الله القدوس أبا المسيح يسوع، نسجد لك مع القديسين في السماء، لنعمتك العظيمة تجاه الخطاة التائبين المؤمنين بمخلصهم الوحيد. ونسجد لك من أجل دينوناتك العادلة وإنتقامقك لدم شهدائك المسفوك لتمجيد إسمك القدوس. إحفظنا في إسمك، هللويا، آمين٠
٢٢٠ ماذا تقصد الهللويا الثاني من أجل دينونات الله وإنتقام دم شهدائه؟