Home -- Arabic -- Revelation -- 134 (he Deeds of the Beast)
Previous Lesson -- Next Lesson
شرح وتفسير للآيات الكتابية في سفر الرؤيا
الكتاب ٤ - المسيح الدجال وحمل الله (رؤيا ١٣: ١- ١٦: ٢١)٠
الجزء ٢.٥ - ظهور ضدِّ المسيح (رؤيا ١٣: ١- ١٠)٠
٣- مَنْ لَهُ أُذنٌ فلْيَسْمَعْ (رؤيا ١٣: ٩- ١٠)٠
التَّجديف على الله وخاصَّته أكَّد دانيال وكذلك يوحنَّا أنَّ الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ ولا سيَّما قرنه الأخير أُعطي فماً متكلِّماً بعظائم (دانيال ٧: ٨ و١١؛ رؤيا ١٣: ٥- ٦). شعر ابن الشِّرير، بعد شفائه مِن الجرح المميت، أنَّه لا يُقهَر، وشجَّعه مصدر وحيه على استفزاز الله علانيةً ليُجدِّف عليه ويحاربه. فمجَّد الوحش نفسه بفعلته هذه، ودعا نفسه بالمنتصر على شاهدَي الله البارزَين اللَّذين كانا قد ضربا الأرض بجفافٍ عظيمٍ خلال ثلاث سنين ونصف السَّنة، وتباهى بخلوده هو٠
ابتدأ ابن الهلاك يُجدِّف على "اسم الله". لا نعرف على أيِّ واحدٍ مِن أسماء الله وألقابه وصفاته الثلاثمائة والسَّبع والأربعين التي في العهدين القديم والجديد جدَّف. لعلَّه استهزأ باسم "يهوه" الذي معناه "أنا هو". لأنَّ أبديَّة القدير هي شوكةٌ في جنب الشَّيطان وابنه. للخليقة كلِّها بدايةٌ، ولكن ليست ثمَّة بدايةٌ للخالق وروحه وكلمته، فهؤلاء خارج المكان والزَّمان. أمَّا الشَّيطان فمحدودٌ ومؤقَّتٌ، وهو يعرف ذلك٠
فابن التِّنين سيُجدِّف على الله الآب والابن والرُّوْح القُدُس ويسأل عن ذرية يسوع بشكوكٍ فظيعةٍ. مرَّةً تلو الأخرى يتحدَّى المجرِّبُ قداسة الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ، ويُنكر أبوَّة الله الآب وكذلك بنوَّة المسيح. وبذلك يكشف الشِّرير النِّقاب عن نفسه كضدِّ المسيح مِن وجهة النَّظر الرُّوحية (١ يوحنَّا ٢: ٢٠- ٢٣؛ ٤: ١- ٥). يكره الشَّيطان ألوهيَّة يسوع المسيح ويُحاربها على الدَّوام، حيث إنَّ تفويض المسيح الدِّفاع عنَّا في دينونة الله مبنيٌّ على محبَّته وقداسته: لأَِنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ (يوحنَّا ٣: ١٦)٠
يكره الرُّوح النَّجس الطَّالع مِن العمق الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ ويُجدِّف عليه وعلى كنيسة يسوع المسيح التي هي بيت الله وهيكله في الوقت الحاضر (١ كورنثوس ٣: ١٦- ١٧؛ ٦: ١٩؛ ٢ كورنثوس ٦: ١٦). والشِّرير بفعله هذا مصيبٌ حين يُسلِّط الضَّوء على عيوب الكنائس وأغلاطها الواضحة. ولكنَّه لا يريد أن يعترف بأنَّ كنيسة حَمَل اللهِ تحيا فقط مِن التَّبرير بواسطة دم المسيح ومِن التَّقديس بواسطة روحه. إنَّ برَّنا ليس فينا، بل سيُوهَب لنا بالنِّعمة كلَّ صباحٍ مِن جديدٍ. إنَّ ما يُخلِّص الكنيسة ليس أعمالها هي بل الإيمان بيسوع وحده٠
يُجدِّف الشَّيطان وصورته أيضاً على الملائكة المطيعين وجمهور القدِّيسين الذين دخلوا السَّماء مِن قبل. يكره عدوُّ الله ووحشه ويُحاربان كلَّ ما هو إلهيٌّ وصالحٌ وطاهرٌ وأبديٌّ. ويهاجمان أيضاً الله وحَمَله إن استطاعا. ولكنَّهما يحاولان فعل ذلك ضمن فرصهما على الأرض (أفسس ٦: ١١- ٢٠؛ رومية ٨: ٣١- ٣٩)٠
على كلِّ مَن يؤمِن بعدم وجود جهنَّم وإبليس أن يتذكَّر المدن المحترقة في الحرب العالميَّة الثَّانية، حين التصقت أجساد الهاربين مِن جحيم وابل القنابل بزفت الشَّوارع السَّاخن فاحترقوا حتَّى الموت كمشاعل حيَّةٍ. ينبغي ألاَّ ننسى غرف الغاز التي خنق هتلر فيها ملايين اليهود وهم يصرخون طالبين النَّجدة. وكلّ مَن يتلو يوماً رسالة اللَّعن الطَّويلة للمسلم الذي كان في الماضي مؤمناً بيسوع ولكنَّ شيخه أجبره فيما بعد على تطهير نفسه مِن "ضلاله" بلعن المسيحيِّين ومسيحهم ستلفح وجهه ريح جهنَّم. الشَّيطان وروحه النَّجس هما حقيقةٌ واقعةٌ في عالمنا أكثر ممَّا نظنُّ٠
إنَّ أقوال وخطب العديد مِن السِّياسيين والصِّحافيين، وحتَّى القسوس والأساقفة المتحرِّرين، تبتعد شيئاً فشيئاً عن الله وشريعته. فالزَّواج بالنِّسبة إلى معظم النَّاس ليس مقدَّساً بعد، وملايينٌ مِن الأجنَّة تُجهَض قبل أن ترى النُّور. اللُّوطيون يتزوَّجون بعضهم مِن بعضٍ وكذلك السِّحاقيات في مكتبٍ رسميٍّ لتسجيل الزَّواج ويأخذون البركة في بعض الكنائس. إنَّنا نعيش في جيل الزُّناة والقتلة والكَذَبة وقد اعتدنا ذلك. حملة الدِّعاية التي يقودها رئيس الشَّر تنجح في تأثيرها في عقول النَّاس، وتجاديفه ستُشكِّل لغة الإعلام اليوميَّة، والجماهير لا تُدرك ذلك. يمكن قراءة ردِّ الله على ذلك في (رومية ١: ١٨- ٣٢)٠
اثنان وأربعون شهراً: إنَّ زمن عمل الوحش محدَّدٌ مِن قِبَل الله نفسه. لا يستطيع ابن الشِّرير أن يعمل كما يشاء. مِن جهنَّم أتى وإلى جهنَّم يعود. يسمح القدير له باستخدام نظامه المضاد لله والمضاد للمسيح لمدَّة ٤٢ شهراً بحيث تُمتحَن الكنيسة ويتبيَّن مَن الذي يُحبُّ الله مِن كلِّ القلب ومَن الذي يتعلَّق قلبه بأبي الكذب٠
إنَّ فترة الاثنين والأربعين شهراً (رؤيا ١١: ٢؛ ١٣: ٥) تُطابق الألف والمئتين والسِّتين يوماً (رؤيا ١١: ٣؛ ١٢: ٦) أو الثلاث سنين ونصف السَّنة (لوقا ٤: ٢٥؛ يعقوب ٥: ١٧)، أي نصف اكتمال سبع سنوات. تشير هذه الأرقام في الكِتَاب المُقَدَّس دائماً إلى أزمنة التَّوبة أو القصاص أو الحماية التي يُعيِّنها الله:
قبل كلِّ شيءٍ، تدلُّ العبارة ثلاثة "أزمنة" ونصف (أو ثلاث سنوات وستَّة أشهر) إلى فترة كارثة الجفاف في إسرائيل في أيَّام النَّبي إيليَّا. ولم يهطل المطر عِنْدَئِذٍ مدراراً على الأرض العطشى إلاَّ بعدما تاب الشَّعب بعد المعجزة على جبل الكرمل وصلَّى إيليَّا سبع مرَّاتٍ (١ ملوك ١٧: ١؛ لوقا ٤: ٢٥؛ يعقوب ٥: ١٧)٠
بعد ذلك تُسمَّى المدَّة التي بعد خراب الهيكل الثَّاني وحتَّى هذا اليوم في إعلان يسوع المسيح "أزمنة الأمم": في هذه المدَّة الطَّويلة سيُداس مكان الهيكل والمدينة المقدَّسة ويُحكمان مِن الأمم (لوقا ٢١: ٢٤). ولكنَّ هذه "الأزمنة" الثَّلاثة والنّصف ستنتهي حين يرجع اليهود الذين طردهم الرُّومان إلى وطنهم (دانيال ١٢: ٧). ستُعال المرأة المضطهَدة في رؤيا يوحنَّا التي اختُطف ولدها إلى السَّماء مدَّة ١٢٦٠ يوماً في برِّية هذا العالم إلى أن تنجو مِن التِّنين الأحمر النَّاري (رؤيا ١٢: ٦)٠
في أيَّام زماننا الأخيرة سيُبشِّر شاهدان للرَّب عليهما مسوحٌ في أورشليم. وسيدعوان مدَّة ١٢٦٠ يوماً جميع اليهود العائدين للرُّجوع إلى الله فوراً تساعدهما أحكام العهد القديم الجزائيَّة إلى أن يقتلهما الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ وتُطرح جثَّتاهما فاسدتين مدَّة ثلاثة أيَّام ونصف يومٍ في العراء. ولكنَّ الرَّب بصرخةٍ آمرةٍ يُحييهما كليهما ويأخذهما إليه (رؤيا ١١: ٩، ١١)٠
وأخيراً يشهد دانيال وكذلك يوحنَّا، على نحوٍ متوافقٍ، أنَّ الوحش الصَّاعد مِنَ الهَاوِيَةِ سيُتاح له مدَّة ثلاثة أزمانٍ ونصف الزَّمن أو ٤٢ شهراً أن يُجدِّف على الله ليُغيِّر شريعة موسى ويغلب القدِّيسين ويقتلهم (دانيال ١٢: ٧؛ رؤيا ١٣: ٥)٠
الفعاليات المضادَّة للمسيحيَّة في الأرض المقدَّسة اليوم: مِن الواضح في أيَّامنا الحاضرة أنَّ الرُّوح المضاد للمسيحيَّة ينشط أيضاً في البلاد ما بين الأردن والبحر الأبيض المتوسِّط. سنَّ رؤساء حاخامات إسرائيل قانوناً في عيد ميلاد المسيح (٢٥ كانون الأوَّل ١٩٨٩) يقضي بحرمان كلِّ يهودي يؤمن بيسوع المسيح دخول البلاد إضافةً إلى حرمانه الجنسيَّة. ولم يُطبَّق هذا القانون حتَّى الآن إلاَّ نادراً حيث إنَّ الأنظمة الخاصَّة لوضعه موضع التَّنفيذ ما زالت غير متوفِّرة، كما أنَّ هذا القانون الجديد يلقى معالجة متلكِّئة في الوقت الحاضر بسبب الضُّغوط لاحترام حقوق الإنسان مِن جهة، وتدفُّق الدُّولارات مِن الدُّول الغربيَّة مِن جهةٍ أخرى. رغم ذلك عندما أُكره ٦٠٠٠٠٠ مهاجر مِن الاتِّحاد السُّوفياتي المنهار على الهجرة إلى إسرائيل كان على البعض منهم أن يُردِّد النَّص الحرفي لإنكار ابن مريم: "لن يُذكر اسمه ثانيةً بل يُغيَّب كلِّياً في غياهب النِّسيان". يتجلَّى الروح المضاد للمسيحيَّة في إسرائيل أكثر فأكثر في بعض الأماكن. تحرص منظَّمة Yad le Achim (يد الأخ) بغيرة على عدم اعتناق أيِّ يهوديٍّ المسيحيَّة. حالما يُبدي أيُّ يهوديٍّ تعاطفاً مع يسوع النَّاصري في المناطق التي يقطنها يهود أورثوذكس يُعنَّف بشدَّةٍ ويُهدَّد اجتماعيّاً واقتصاديّاً وأحياناً مِن قبل السُّلطة أيضاً حتَّى يتخلَّى عن إيمانه بيسوع وإلاَّ فعليه أن يثق بأنَّ طرده كشخص لا جنسيَّة له هو أمرٌ صالحٌ للتَّنفيذ حالاً٠
لا يزال هذا الرُّوح يتَّقد سرّاً في إسرائيل. لكن إذا قُتل الشَّاهدان في أورشليم فسينتصر الوحش ويكشف نيَّاته الحقيقيَّة. وحيث إنَّه ليس لابن التِّنين رأسٌ واحدٌ فقط بل سبعة رؤوس مختلفة، فهو سيكون قادراً على اعتناق وجهات نظر معاكسة في الوقت نفسه. ولكنَّه سيخلع عنه فيما بعد رياءه وتديُّنه المُنتحَل فلا يُجدِّف دون حياءٍ على الله وأنبيائه فحسْب، بل يُغيِّر الشَّرائع أيضاً (دانيال ٧: ٢٥). إنَّه في الوقت الحاضر يُمهِّد لمزجٍ متعدِّد الثَّقافات للأديان تحت شعار "لن يوجد سلامٌ على الأرض بدون صلحٍ بين الأديان"، فلا بدَّ مِن إبطال جميع "الافتراءات" ولا سيَّما بنوَّة المسيح الإلهيَّة وصليبه. كما ينبغي إبطال شرائع التَّوراة والإنجيل والقرآن التي تقيِّد المرء وتحصره. روح ثقافة عالم جديد يبزغ في الأفق. نظام عالم "معاصر" يُبحَث ويُناقَش علانيةً عنوانه الرَّئيسي هو الحرِّية غير المقيَّدة طالما أنَّها لا تؤثِّر في حرِّية الجار. يُدعى ابن التِّنين أيضاً، كما يليق له جدّاً أن يُدعى، "المتمرِّد على الشَّريعة" أو "ابن الخطيئة" (٢ تسالونيكي ٢: ٣- ٤). سيجلس في الهيكل الثَّالث كَإِلَهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ، وسيبيد كلَّ مَن لا يَقبَل دينه الموحَّد الجديد (وحدة الكنائس). ويُصبح المتسامحون متعصِّبين جدّاً، إذا كان المرء لا يَقبَل تسامحه ويخاف الله أكثر مِن النَّاس٠
يثبِّت يوحنَّا رؤيا دانيال أنَّ الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ سيضطهد القدِّيسين ويغلبهم ويقتلهم (دانيال ٧: ٢٥؛ رؤيا ١٣: ٧). وسيبدأ الاضطهاد العلني للمسيحيِّين واليهود المسيحيِّين في الأرض المقدَّسة ويمتدّ ليشمل جميع الأمم الأخرى. ماذا يمكن أن تكون أسباب هذا الاضطهاد؟
يُراهَن للوهلة الأولى على عدم تساهل المسيحييِّن. يدرس المسيحيُّون الإنجيل ويشهدون أنَّ يسوع المسيح هو وحده ابن الله المفوَّض والقادر أن يُصالح الناس مع الله. هو الطَّريق المحدَّد والحقُّ الأبدي والحياة الخالدة. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ به (يوحنَّا ٣: ١٦، ١٨؛ ١٤: ٦ وآيات أخرى). لا يقدر أحدٌ أن يصبح صالحاً بواسطة ديانةٍ أو فكرةٍ أخلاقيَّةٍ، بل فقط بواسطة دم يسوع المسيح (١ يوحنَّا ١: ٧؛ ٢: ١ وآيات أخرى). لو كانت ثمَّة طريقةٌ للمصالحة بدون موت يسوع الفدائي لكان موته غير ضروريٍّ. أمَّا يسوع فيقول: مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ, وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ (مرقس ١٦: ١٦). فالوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ سيُجدِّف إذاً على ربِّنا وعلى كنيسته التي ستُضطهَد أيضاً٠
يعرف الشَّيطان وابنه في قلبيهما قطعاً أنَّهما مغلوبان ومدانان. إنَّهما لا يكرهان شيئاً أكثر مِن كرههما للصَّليب، مكان هزيمتهما الذي أدَّى إلى لفظهما مِن السَّماء. ومنذ ذلك الحين يريد الشَّيطان أن يُضِلَّ عن الإيمان القويم بواسطة ابن الهلاك أكثر ما يمكن مِن المسيحيِّين بالحيلة والخداع والتَّعذيب وغسل الدِّماغ وفي حالة الارتياب يقتلهم بوحشيَّةٍ. يهدف الخوف مِن التَّعذيب إلى إجبار أتباع المسيح على الارتداد عن إيمانهم. كان شاول مِن قبل يُجبِر المؤمنين بالمسيح على التَّجديف (أعمال الرُّسل ٨: ٣؛ ٩: ١؛ ٢٢: ٤؛ ١ كورنثوس ١٥: ٩ وآيات أخرى). لقد تمَّ اختبار مثل هذه الطُّرق مؤخَّراً مِن جديدٍ في الاتِّحاد السُّوفياتي والصِّين وجنوب شرق آسيا وغيرها مِن البلدان: يشي الأولاد بوالديهم ويخونونهم والعكس بالعكس، يُمارس الضَّغط على مسؤولين حتَّى يوقِّعوا اعترافاً كاذباً. ينبغي للمسيحيِّين في مجتمعنا المتنعِّم أن يُهيِّئوا أنفسهم روحيّاً كي يكونوا قادرين على عدم إنكار يسوع في ساعة التَّجربة. لقد شجَّع الرَّب قائد الكنيسة في إزمير قائلاً له: كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ (رؤيا ٢: ١٠)٠
الاضطهاد العالمي النِّطاق لكنيسة يسوع المسيح يؤكِّد دانيال وكذلك يوحنَّا على أنَّ اضطهاد المسيحيِّين لن يقتصر على إسرائيل (دانيال ٧: ٢٣؛ رؤيا ١٣: ٧). يعرف رئيس هذا العالم أنَّ علاقة الإيمان بين المسيحيين والمسيح هي العنصر الثَّابت الوحيد الذي يحتمل العديد مِن التَّقلبات والثَّورات كتلك التي واكبت هتلر وموسوليني وماو وغورباتشيف وغيرهم. ولذلك لا بدَّ لغاصب السّلطة الخبيث مِن محاولة اجتثاث هذا العنصر الأساسي مع العالم المسيحي كلِّه. وفيما هو يذيع أنَّ المسيحيين يريدون أن يمنعوا مشروعه المفيد ظاهرياً في سبيل تحقيق سلامٍ عالميٍّ دائمٍ ويدعون الآخرين بالضَّالِّين والمدانين، قد يُنظِّم بسرعةٍ اضطراباتٍ وهيجاناً ويُسرِّب خونةً في الكنائس المختبئة تحت الأرض ليستأصلها ويقتلعها٠
وهذا كلُّه ليس بجديدٍ. فمكر وقوَّة الشَّيطان ووحشه ستحزمان خبرتهما كلَّها مِن الاستجواب القاسي، وأساليب معسكر الاعتقال ومعسكر غولاك، وممارسات بول بوت، وتضعانها في الخدمة بإدارةٍ جيِّدةٍ بحيث لا يتمكَّن إنسانٌ مِن الوقوف ضدَّهما بقوَّته وذكائه وأمانته٠
يُثبت الرَّائي يوحنّا في سفر الرُّؤيا ستَّ مرَّاتٍ أنَّ جميع القبائل والشُّعوب والألسنة والأمم ستُشارك في بعض الأحداث الحاسمة لتاريخ العالم. وتتضمَّن رؤيته العالميَّة، بحسب فهمنا الحاضر، أسباط إسرائيل الاثني عشرة، و١١٨٧٤ مجموعة عرقيَّة، و٦٥٢٨ لغة معروفة، و١٩٣ أمَّة٠
في الأصحاح ٥: ٩ يُسبِّح الشُّيوخ الأربعة والعشرون حول عرش الله الْحَمَلَ الْمَذْبُوحَ لأنَّه اشترى أناساً للَّه مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ وجعلهم مملكة كهنةٍ٠
في الأصحاح ٧: ٩ يصف يوحنَّا رؤيته لجمعٍ غفيرٍ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ واقفين أمام عرش الله ليُمجِّدوا الله وحَمَله. كان الجمع مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ٠
في الأصحاح ١١: ٩ نعلم أنَّ أعداداً أخرى مِن هذه القبائل والشّعوب والألسنة والأمم سترى جثَّتي الشَّاهدَين في أورشليم مدَّة ثلاثة أيَّام ونصف اليوم وهي تفسد. وسيُهنِّئ بعضهما الآخَر على موتهما حيث إنَّ عظات هذين الشَّاهدَين عن التَّوبة ستواكبان جفافاً عالميَّ الانتشار٠
في الأصحاح ١٣: ٧ يرد أنَّ الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ سيُعطى سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ ليُحرِّضهم على محاربة المسيحيِّين في جميع أرجاء العالم٠
في الأصحاح ١٤: ٦ نقرأ أنَّ ملاكاً سيطير في ملء الزَّمان وسط السَّماء ويُعلن بشارةً أبديَّةً للأسباط الاثني عشرة والشُّعوب والألسنة والأمم٠
في الأصحاح ١٧: ١٥ نقرأ عن الزَّانية الفاحشة التي أقامت نفسها في كلِّ شعبٍ وجماعةٍ عرقيَّةٍ وأمَّةٍ. هنا لا يرد ذكر أسباط إسرائيل الاثني عشرة. يُدرك كلُّ مَن يتأمَّل هذه المقاطع السِّتة مِن إعلان يسوع المسيح، بروح الصَّلاة، الصِّراع العالمي بين حَمَل اللهِ والوحش الصَّاعد مِنَ الهَاوِيَةِ والزَّانية. ينبغي ألاَّ نظلَّ رهائن أنفسنا، منصبِّين على كنيستنا، بل يجب أن ندع الإنجيل يوسِّع آفاقنا. حتَّى الآن لم ينفتح على الإنجيل سوى ثلث الجنس البشري، بينما لا يزال ثلثا البشر بعيداً عن متناول الإنجيل الذي لم يصلهم حتَّى الآن بانتظار رسل المسيح المجتهدين والمضحِّين بأنفسهم والمصلِّين (متَّى ٢٤: ١٤). إنَّ إرساليَّة يسوع مستمرَّةٌ سواء معنا أو بدوننا٠
المحبَّة الكاملة تطرد الخوف: تطرح الرُّؤى المتعدِّدة حول الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ الافتراض التَّالي: سوف يظهر ضدُّ المسيح كونه مزعزعاً للسَّلام في السَّنوات الثَّلاث والنُّصف الأولى كذئبٍ في ثياب حَمَلٍ في إسرائيل، ولكنَّه بعد قتل الشَّاهدَين (رؤيا ١١: ٧) سيُظهِر وجهه الحقيقي، فيُطلِق صيحة الظَّفَر بسبب انتصاره، ويُتوِّج ملوكاً ثلاثة (دانيال ٧: ٨) كانوا قد نقلوا إلى مسمعيه عظة التَّوبة التي نطق بها الشَّاهدان المقتولان. وفي أثناء صراع القوَّة الدَّاخلي هذا يُصاب ابن التِّنين بضربة سيف مميتةٍ، ولكنَّه يبرأ منها بقوَّة الشَّيطان (رؤيا ١٣: ٣، ١٢، ١٤). بعدئذٍ يثور هذا "الخالد الذي لا يموت" غاضباً ثلاث سنين ونصف السَّنة على حَمَل اللهِ الوديع وأتباعه حيث أنَّهم يزعمون هم أيضاً أنَّهم يحيون إلى الأبد. يشهد دانيال ويسوع أنَّه يَكُونُ حِيْنَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ (دانيال ١٢: ١؛ متَّى ٢٤: ٢١)٠
يُعزِّي يسوع أتباعه المجرَّبين قائلاً: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا, وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ (يوحنَّا ١١: ٢٥- ٢٦). على أنًَّ الله لم يسمح للشَّيطان بقتل أيُّوب في أثناء اختبار إيمانه (أيُّوب ١: ١٢؛ ٢: ٦)، سيكون الأمر مختلفاً أحياناً مع المسيحيين في آخر الزَّمان حيث إنَّ الحياة الأبديَّة هي مِن قبل فيهم. فإيمانهم ورجاؤهم يُثبتان استحقاقهم ولا سيَّما في وقت الموت، كما يقول القِدِّيْس بُوْلُس: إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ, وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ (رومية ١٤: ٨). واعترف الرَّسول قُبَيل موته: لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ (فيلبي ١: ٢١)٠
يؤكِّد الرَّسول يوحنَّا لنا: مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ, وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللَّهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ (١ يوحنَّا ٥: ١٢). الرُّوْح القُدُس في المسيحيين المولودين ثانيةً هو حياة الله. الرُّوح لا يشيخ ولا يموت أبداً. يُحاول ضدُّ المسيح أن يُهلك المسيحيين في آخر الزَّمان، ولكنَّ هذا سيُؤدِّي في النِّهاية إلى هزيمةٍ أكبر، وفي هذه المرَّة هزيمة نهائيَّة، للشَّيطان وابنه، حيث إنَّ أعضاء المسيح القتلى يحيون في الأبديَّة. سيغلب المسيح خوف الموت فينا: مات هو بدلاً منَّا كي نحيا نحن فيه. وَأَمَّا هِبَةُ اللَّهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا (رومية ٦: ٢٣). الخوف أمرٌ طبيعيٌّ، ولكنَّنا نقرأ في الكِتَاب المُقَدَّس أمر الرَّب ٣٦٥ مرَّةً: لا تخافوا. إنَّ مَن يُحبّ الله وابنه يغلب خوف الموت لأن لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ, بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ (١ يوحنَّا ٤: ١٧- ١٨)٠
الحياة في الرُّوْح القُدُس حقيقةٌ غامضةٌ. يشرح القِدِّيْس بُوْلُس في ترنيمته الشَّهيرة في رومية ٨: ١- ٣٩ التي يمكننا جميعاً أن نحفظها غيباً، سبب التَّغلب على خوف الموت، أي قوَّة وانتصار الحياة الأبديَّة في أتباع المسيح:
٨: ٣١ إِنْ كَانَ اللَّهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا. ٣٢ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ, بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ, كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ. ٣٣ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللَّهِ. اَللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. ٣٤ مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ. اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ, بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً, الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللَّهِ, الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا. ٣٥ مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ. أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ. ٣٦ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. ٣٧ وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. ٣٨ فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ, وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ, وَلاَ قُوَّاتِ, وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً, ٣٩ وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ, وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى, تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا (رومية ٨: ٣١- ٣٩)٠
إنَّ قيامة يسوع المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ هي الحقيقة المطلقَة التي يستطيع النَّاس في الآخرة أن يتمسَّكوا بها في وقت الاضطهاد. في المُقام أصبحت الحياة الأبديَّة منظورةً (لوقا ٢٤: ٣٦- ٤٣؛ يوحنَّا ٢٠: ١٩- ٢٢ وآيات أخرى). وهو يؤكِّد لكلِّ مطيعٍ لأمره: هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ (متَّى ٢٨: ٢٠). لن يكون واحدٌ مِن أتباعه وحيداً في ساعة موته. الرَّب بنفسه معنا، وروحه يمكث فينا. نحيا "في المسيح" حتَّى وإن متنا٠
سِفْرُ حَيَاةِ الْخَرُوفِ: تلقَّى القسُّ يوحنَّا بإعلانٍ سبباً إضافيّاً لسلامة أتباع المسيح حتَّى وإن عاشوا في ضيقةٍ عُظمى، أو عانوا صدماتٍ كهربائيَّة، أو قلقاً ذهنيّاً مقصوداً. ويشهد هذا الإعلان أنَّ المسيحيين الواعين لن يسجدوا للوحش، حتَّى وإن واجهوا التَّعذيب والإعدام، وليس لمجرَّد كونهم صالحين وأمناء في أنفسهم، بل لأنَّ أسماءهم مكتوبةٌ منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف المذبوح (رؤيا ١٣: ٨). كان يسوع قد وعد تلاميذه: وَلَكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهَذَا أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ, بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ (لوقا ١٠: ٢٠). وكان دانيال قد سمع أنَّ جميع الذين مِن إسرائيل المكتوبة أسماؤهم في سفر الحياة سيخلصون (دانيال ١٢: ١؛ خروج ٣٢: ٣٢؛ إشعياء ٤: ٣؛ فيلبي ٤: ٣؛ رؤيا ٣: ٥). وقد حدَّد يوحنَّا العبارة "سفر الحياة" "بسفر حياة الخروف المذبوح"، فاعترف الشَّيْخ الجَلِيْل بذلك بأنَّه لن تكون ثمَّة حياةٌ أبديَّةٌ بمعزلٍ عن دم يسوع. بالمصلوب وحده نَقبل الرُّوْح القُدُس. ودمه يُطهِّرنا مِن كلِّ خطيئةٍ ويُؤهِّلنا لكتابة أسمائنا في سفر الحياة٠
توقف هذه النِّعمة المماحكات حول القول إنَّ أسماءنا قد كُتبت في سفر حياة الخروف قبل تأسيس العالم. عرف أبونا الذي في السَّماء مقدَّماً الذين سيقبلون والذين لن يقبلوا حَمَل اللهِ مخلِّصاً شخصيّاً لهم. لا يرفض الرَّائي بشهادته هذه الإرادة الحرَّة للبشر في اتِّخاذ القرار لقبول المسيح أو رفضه، بل يطمئن في الحقيقة كلَّ مسيحيٍّ مضطهَدٍ أنَّ اختياره أكيدٌ حتَّى في أوقات الضِّيق الشَّديد أو في حالة ضعفه. إنَّ نعمة الله لا تتوقَّف على أعمالنا ومشيئتنا، بل على حقِّ دم المسيح وعلى مشيئة الله أبينا لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ (متَّى ٢٠: ١٦؛ ٢٢: ١٤)٠
يتحدَّث يسوع في خطبته عن ملء الزَّمان ثلاث مرَّاتٍ عن المختارين: لأَجْلِهم تُقَصَّرُ أيَّام الضِّيقة، ولولا ذلك لن يكونوا قادرين على الثَّبات (متَّى ٢٤: ٢٢: مرقس ١٣: ٢٠). سيُحاول المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة أن يُضِلُّوا المختارين المولودين ثانيةً بعجائب وآياتٍ (متَّى ٢٤: ٢٤؛ مرقس ١٣: ٢٢). وعندما يعود الرَّب يسوع المسيح ستجمع الملائكة المختارين مِن أربع رياح الأرض (متَّى ٢٤: ٣١؛ مرقس ١٣: ٢٧). وهذه المقاطع لا تُسمِّي اليهود المسيحيين وحدهم "شعب الله المختار" (خروج ١٩: ٥- ٦)، بل أيضاً جميع الذين يحبُّون يسوع في الكنائس والمتحدِّرين مِن جميع الشُّعوب النَّجسة (١ بطرس ٢: ٩- ١٠؛ أفسس ٥: ٨؛ رؤيا ١: ٦ وآيات أخرى). يوضح القِدِّيْس بُوْلُس، مِن جهةٍ أخرى، أنَّنا لسنا مختارين مباشرةً مِن الله، بل أنَّ يسوع المسيح وحده هو المختار (مزمور ٢: ٧؛ لوقا ٩: ٢٣؛ ١ بطرس ٢: ٤، ٦). منه وفيه سنشترك في اختياره بواسطة الإيمان بموته الكَفَّارِيّ وقيامته (أفسس ١: ٤)٠
الأمان في المسيح يؤكِّد يوحنَّا الرَّائي مرَّةً أُخرى أنَّ جميع النَّاس الذين لا يُسلمون حياتهم ليسوع حَمَل اللهِ سيسجدون لضدِّ المسيح عوضاً عن ذلك. يُظهِر هذا الإعلان الفظيع المريع أنَّ تجاديف ابن التِّنين ستُكلَّل بالنَّجاح: في نهاية الزَّمان ستُسبِّب التجاديف الارتداد العظيم، ليس فقط للمسيحيين الليبراليين بل أيضاً لأتباع الدِّيانات الأخرى. ولا توجد أيُّ حمايةٍ مِن قوَّة المخرِّب الكاذبة العبقريَّة حتَّى في عصر التِّكنولوجيا. سيخضع النَّاس جميعاً، شاءوا أم أبوا، لتكتيك الوحش وشروطه الخادعة باستثناء أتباع المسيح الواعين٠
أمَّا أولاد الله الذين أخذوا هبة تمييز الأرواح فيعرفون الله أباً سماويّاً لهم، ويشهدون ليسوع ابنه كبديل عنهم في الدَّينونة، وهم منتعشون بقوَّة الرُّوْح القُدُس. الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ (١ يوحنَّا ٥: ١٨- ٢٠)، ولكنَّهم يحيون في يسوع المسيح. يؤكِّد الرَّب لهم: أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ, لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَالْغُصْنِ, فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ فَيَحْتَرِقُ (يوحنَّا ١٥: ٥- ٦). نقرأ ١٧٥ مرَّة في العهد الجديد عن الكينونة والحياة والموت "في المسيح" حتَّى يمكننا أن نُدرك: أنَّ يسوع هو ملجؤنا. وكلُّ مَن يمكث فيه يشعر بالأمان (رؤيا ١٤: ١٣)، بل يجرؤ يوحنَّا على الاعتراف بأنَّ: اَللَّه مَحَبَّةٌ, وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللَّهِ وَاللَّهُ فِيهِ (١ يوحنَّا ٤: ١٦)٠
ولكنَّ حاكم الأَيَّام الأَخِيْرَة الممسوس بالشَّيطان يريد أن يمزِّق هذا الأمان في المسيح وهذا الملجأ الرُّوحي، فهو لا يريد أن يقتل المسيحيِّين فقط بل أن يفصل أيضاً علاقة الإيمان في حياتهم ويقودهم إلى التَّجديف. لقد حقَّق المذهب العقلي السَّطحي، والنَّزع السَّاذج للعناصر الميثولوجيَّة، وكذلك النَّقد المتعجرف لنصوص الكِتَاب المُقَدَّس هدف الشَّيطان هذا في العديد مِن علماء اللاهوت بنجاحٍ وهزَّ إيمانهم المبدئي بعمقٍ. وفي الدُّول ذات الإيديولوجيات الإلحاديَّة جرت محاولة اقتلاع المسيحيين مِن أمانهم في المسيح بواسطة التَّعذيب الوحشي أو العقاقير النَّفسية أو التَّهديد بالقتل أو اغتصاب أفراد وثيقي القرابة في العائلة أو أساليب شيطانية أخرى. ولكنَّ ربَّهم يؤكِّد لهم قائلاً: وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً, وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ, وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ, وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ (يوحنَّا ١٠: ٢٨- ٣٠)٠
الصلاة: أبانا الذي في السماوات، نعظمك، لأنك تسمح للشرير أن يحصد من لا يتبع المسيح الأمين، الذي كتب أسماء أتبائه في سفر الحياة الأبدية. فلا يستطيع الموت أن يبلعهم، حتى ولو ماتوا لتمجيدك ولتمجيد مسيحك الجالس عن يمينك. أنت الحيّ، ويسوع هو الحياة الأبدية، ومن يتبعه يحيا معه إلى الأبد. آمين٠
ألأسئلة: