Home -- Arabic -- Revelation -- 106 (The Mystery of God in the Old Covenant)
Previous Lesson -- Next Lesson
شرح وتفسير للآيات الكتابية في سفر الرؤيا
الكتاب ٤ - ليأتي ملكونك (رُؤْيَا يُوْحَنَّا ١٠: ١- ١١: ٢)٠- - الشاهدان الذين سيحضرون في الايام الاخيرة وطرد ابليس من السماء
:الجزء ٣.٤ - سرُّ الله في اكتماله وعلاقة ملكوت الله بكنيسة يَسُوْع المَسِيْح٠
١- قيامة الشَّاهدَين (رُؤْيَا يُوْحَنَّا ١١: ١١- ١٤)٠
سرُّ الله وأنبياؤه: ظنَّ داود أنَّ ابنه سليمان هو الذي سيُختار لتنفيذ خطَّة بناء بيت الله (١ أخبار ٢٨: ٥- ٧). ولكنَّ سليمان، على الرَّغم مِن حكمته العظيمة، لم يكن مختار الله. لقد بنى بالتَّأكيد هيكلاً زائلاً مصنوعاً مِن الحجارة، وخشب الأرز والذهَب؛ ولكنَّه لم يستطع أن يبني هيكلاً روحيّاً أبديّاً لله. ليس أحدٌ مستحقّاً في ذاته أن يخدم الله٠
لقد أدرك هذه الحقيقة بعد داود بثلاثمائة سنة الكاهن الرَّئيس والنَّبي إِشَعْيَاء الذي كان يتوق إلى حصول تجديدٍ روحيٍّ لشعبه الفاسد، فصرخ حين شاهد أذيال ثوب الرَّب تملأ الهيكل قائلاً: "وَيْلٌ لِي. إِنِّي هَلَكْتُ, لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ, وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ, لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ" (إِشَعْيَاء ٦: ١- ٨)٠
رحم القدير الكاهنَ التَّائبَ، وقدَّسَه وأعلن له أنَّ الملك الموعود الذي هو إلهٌ حقٌّ وإنسانٌ حقٌّ ،على حدٍّ سواء، سيولَد حتماً. فابن داود ليس ثمرةً مِن ثمرات الخيال، بل هو لبُّ السِّر الإلهي. سيأتي ويحمل فيه جميع صفات الله وملك السَّلام الأبدي. وسمع النَّبي الكاهن الوعد المُعَزِّي: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً, وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ, وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً, مُشِيراً, إِلَهاً قَدِيراً, أَباً أَبَدِيّاً, رَئِيسَ السَّلاَمِ. ٧ لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ, وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ, لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ, مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا" (إِشَعْيَاء ٩: ٦- ٧)٠
ستتصفَّح "إنجيلَ الميلاد" هذا الذي في العَهْد القَدِيْم أجيالٌ مِن المؤمنين بدون أن تفهم عمق ولو كلمة واحدة مِن هذه الكلمات الفريدة. في هذا الطِّفل يُعلن الله الآب نفسه بملئه التَّام (يوحنَّا ١٠: ٣٠؛ ١٤: ٨- ١١؛ كولوسي ٢: ٩ إلخ.)٠
انتظر أنبياء كثيرون بترقُّبٍ هذا المجيء لابن داود الموعود، واستعلموا ربَّهم مكان وطريقة مجيئه، وكيف سيُقيم ملكوت سلامه الأبديّ. فأجاب الكلِّي الحكمة خدَّامه بإِعْلاَنَات مُلحَقَةٍ. وبهذه الطَّريقة سمع النَّبي ميخا وسط نبوءات الدَّيْنُوْنَة المقلقة: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ, وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا, فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيْل, وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ القَدِيْم مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (ميخا ٥: ٢)٠
إنَّ أبديَّة الملك الإله ولانهاية ملكوته هما عنصرٌ غالبٌ في سرِّ الله الظَّاهر٠
ولكنَّ بعض الأديان يقاوم بضراوةٍ هذه الوعود المعمّقة بأنَّ المَسِيْح سيكون إلهاً وملكاً في شخصٍ واحدٍ. لم يكن أحد مؤسِّسي الأديان ليتصوَّر أنَّ يَسُوْع سيتمتَّع بمنزلةٍ أعلى منه، فشهد أنَّ يَسُوْع هو أعظم جميع الأنبياء الذين قبله، وسلم بأنَّه رسول الله. أمَّا مَلَكيَّة يَسُوْع وألوهيَّته فمرفوضتان عنده، جاعلاً بذلك دينه في أساسه ديناً مضادّاً للمَسِيْحِيّة٠
سرُّ الله وفقاً لدانيال: على الرَّغم مِن جميع تجلِّيات نعمة الله، دُمِّرَت مملكة إِسْرَائِيْل الشِّمالية مِن قبَل آشور في سنة ٧٢٢ ق.م. واتَّخذ كثيرون مِن مواطنيها دولاً أجنبيَّةً موطناً لهم، ونُفي سكَّان يهوذا إلى بابل في السَّنتَين ٥٩٧ و٥٨٧ ق.م. لم تتُب الأُمَّة المختارة توبةً جوهريَّةً على الرَّغم مِن جميع إنذارات أنبيائها، فتحقَّقَت فيهم اللَّعنة المحدقة بهم والتي أنذرهم بها موسى (تثنية ٢٧: ١١- ٢٦؛ ٢٩: ٢٤- ٢٨ إلخ.)٠
ولكن في أعماق ذلِّهم كان إله عهدهم أقرب الجميع منهم. لقد أعلن لهم كلمات العزاء والأمل (إِشَعْيَاء ٤٠- ٦٦ إلخ.) وفي وسط غربتهم أقام مِن بينهم أنبياء بارزين كحزقيال ودانيال. فكان دانيال هو مَن نال ملامح تفصيليَّةً في سرِّ الله عندما حلم الملك نَبُوخَذْنَصَّرُ حلماً مزعجاً ومخيفاً. فنسي الحلم فيما بعد حتَّى لم يستطع أحدٌ أن يفسِّره له. لكنَّ الله كشف الحلم لدانيال وفسَّر له معناه (دانيال ٢: ١- ٢٨). فكان التّمثال العظيم البهيُّ يُعلن قيام ظهور الأمم كلِّها متجسِّدةً في ممالك ذات ثقافات قريبة متعدِّدة ومتَّصلة. وفجأةً يسقط حجرٌ مِن السَّماء على قدمي رمز الغطرسة هذا فيُهشِّمه. لقد صار الحجر الذي ضرب التّمثال جبلاً عظيماً ملأ لأَرْض كلَّها (دانيال ٢: ٣٥). كتب دانيال: "وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً, وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ, وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ, وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (دانيال ٢: ٤٤)٠
يبدو سرُّ الله عند دانيال أوَّلاً كدينونةٍ فاجعةٍ، وكأنَّ نيزكاً عظيماً قد هوى على الأَرْض فسحق كالبرق تحالف الحكَّام الأقوياء. ففي النِّهاية سيُطوِّق ملكوت الله الأَرْض بأكملها. وبذلك أعلن ربُّ الجميع لدانيال أنَّ ملكوت السَّماوات سيهبط إلى الأَرْض ويغلب جميع الممالك والثقافات الأخرى. وفي هذا الوقت ستنتهي كلُّ ثرثرة تعدُّد الثقافات، ويزول كلُّ توفيقٍ بين المعتقدات الدِّينية المتعارضة. لقد شهد دانيال، بواسطة تفسيره الحلم أمام نبوخذنصَّر، ليس فقط لامتداد ملكوت الله في جميع أرجاء الأَرْض، بل أيضاً لإبطال جميع الأفكار والأديان والثقافات العالميَّة والتَّغلب عليها... حتَّى النِّهاية حين لا يبقى سوى ملكوت الله الرُّوحي٠
يزعم المسلمون أنَّ الحجر الذي سقط مِن فوق على تمثال الإنْسَانيَّة المتغطرس ليس سوى الإسلام الذي يُرمَز إليه بالحجر الأسود في الكعبة بمكَّة. فمملكة إله الإسلام تمتلك، كالحجر في حلم نَبُوْخَذْنَصَّر، الدِّيناميَّة والقوَّة على قهر جميع شعوب وديانات العالم، وعلى إخضاعها، و – إن اقتضت الضرورة - سحقها (سورة البقرة ٢: ١٩٣؛ سورة الأنفال ٨: ٣٩؛ سورة الفتح ٤٨: ٢٨؛ سورة الصّف ٦١: ٩ إلخ.)٠
إنَّ مِن ينصرف أكثر إلى الاهتمام بمزيدٍ مِن التَّطورات المتعلِّقة بسرِّ الله في أيَّام دانيال، يُلاحظ أنَّه لم يُستثنَ شيءٌ مِن " قدِّيسي العليِّ" في المعركة بين ممالك هذا العالم وملكوت الله. سُلم شدرخ وميشخ وعبد نغو إلى حرارة النَّار، ولكنَّهم تمشَّوا فيها دون أن يُصابوا بأذىً (دانيال ٣: ١٩- ٣٣). حتَّى جنون الملك نَبُوْخَذْنَصَّر لم يستطع أن يعوق مجيء ملكوت الله (دانيال ٤: ٣١- ٣٢). أُلقي بدانيال في جبِّ الأسود، ولكنَّ مَلاَك الرَّبِّ سدَّ أفواه الوحوش (دانيال ٦: ٢٣، ٢٧). لم يُخرَج قدِّيسو الرَّب مِن بابل، ولكنَّهم حُفِظوا في ألمهم٠
بَيْدَ أَنَّ هذا سيتغيَّر حالَما يَظهر الملك الأخير ابن الهاوية الذي رآه دانيال في رؤاه. فسيُجدِّف جهاراً على الرَّب ولا يكتفي باضطهاد قدِّيسي الله في أثناء مدَّة وجوده المحدودة البالغة ثلاث سنوات ونصف السَّنة، بل يقتلهم أيضاً. وبعد ذلك تأتي الدَّيْنُوْنَة الأخيرة التي يهلك فيها ابن الشِّرير. وسيقوم بتنفيذ هذه المعركة الفاصلة بين السَّماء وجهنَّم ابن الإنْسَان الذي يتمتَّع بكلِّ سلطانٍ والذي سيؤسِّس عِنْدَئِذٍ ملكوت سلامه الأبدي. يكتب دانيال عن تتويجه المجيد: "وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى القَدِيْم الأَيَّام, فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ, وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ." (دانيال ٧: ١٣- ١٤)٠
لم يرَ دانيال في رؤاه ملكوتاً لله نامياً لا يمكن وقفه فحسب، بل أدرك، فوق ذلك كلِّه، مَلِكه الغالب كمَن سيُوسِّع ويُرسِّخ ملكوتاً روحيّاً، ويُكوِّنه ويملؤه بسلطانه. استمدَّ يَسُوْع لقبه الرَّفيع "ابن الإنْسَان" مِن هذا الوحي في سفر دانيال، وفي الأناجيل خصَّ نفسه بهذا اللَّقب أكثر مِن ثمانين مرَّةً. لم يكن الشُّعور الحقيقي في حياة يَسُوْع المَسِيْح هو ألوهيَّته، لأنَّه كان دَائِماً "إلهاً مِن إلهٍ" و"نوراً مِن نورٍ"؛ بل كان الشُّعور الحقيقي هو صيرورته إنساناً. كانت هذه هي المعجزة الحقيقيَّة والشَّرط الأساسي لعمله الفدائيِّ. لقد قبل ابن الإنْسَان جسداً أرضيّاً ليموت كذبيحةٍ عنَّا٠
وأكَّد يَسُوْع وشرح علانيةً بنوَّته الإلهيَّة بجوابه الأخير أمام المجلس الأعلى لليهود في أُوْرشَلِيْم، فكان جوابه خلاصةً لما جاء في المزمور ١١٠: ١ ودانيال ٧: ١٣- ١٤: "وَأَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإنْسَان جَالِسًا عَنْ يَمِينِ القوَّةِ وَآتِيًا عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ" (متَّى ٢٦: ٦٤)٠
بهذه الكلمات وصف المكبَّل بالأغلال نفسَه بالرَّب وقاضي قضاته. ولكنَّهم صرخوا قائلين: "قَدْ جَدَّفَ" ولكموه ولطموه على وجهه (متَّى ٢٦: ٦٥- ٦٨)٠
يؤكِّد القرآن أنَّ المَسِيْح ابن مريم كان "مِن المقرَّبين" مِن الله القدُّوس (سورة آل عمران ٣: ٤٥). ومع ذلك انتقص محمَّد امتياز المَسِيْح فسمَّاه "واحداً مِن" المقرَّبين فحسْب. ونظير ذلك كتم محمَّد قوَّة ابن الإنْسَان وسلطانه على الأمم، وإلاَّ لكان عليه هو أيضاً أن يسجد ليَسُوْع. ولكنَّه شاء أن يتجنَّب ذلك مهما كان الثمن. لم يستطع محمَّد أن يفعل شيئاً مداورةً سوى أن يؤكِّد صعود المَسِيْح إلى الله ووجوده الأبدي معه (سورة آل عمران ٣: ٥٥؛ سورة النِّساء ٤: ١٥٨). فيَسُوْع بحسب الإسلام هو حيٌّ الآن عند لقدير. أمَّا محمَّد فميتٌ بانتظار الدَّيْنُوْنَة. ولذلك كان على أتباعه جميعاً أن يُصلُّوا لأجل سلامه (سورة الأحزاب ٣٣: ٥٦). إنَّ المَسِيْح على العكس هو الذي يشفع لنا عند الآب (رومية ٨: ٣٤؛ عِبْرَانِيِّيْنَ ٧: ٢٥؛ ١ يوحنَّا ٢: ١- ٢)٠
لم يتلقَّ دانيال في رؤاه إِعْلاَنَات حافلةً بالبصيرة عن تتويج ابن الإنْسَان في غرفة عرش أبيه في السَّماء فحسب (دانيال ٧: ١٣- ١٤)؛ رؤيا ٥: ١- ١٤)، بل أيضاً إدراكاً مبهماً للمعركة الأخيرة بين المَسِيْح وضدِّ المَسِيْح (دانيال ٧: ٢- ٢٨). وتتكرَّر تفاصيل كثيرة لرؤياه في إعلان يَسُوْع المَسِيْح ليوحنَّا (رؤيا ١٣: ٥- ٧؛ ١٧: ١٢ إلخ.) وكخلاصةٍ لرؤيا دانيال نقرأ: "وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ, وَجَمِيعُ السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ" (دانيال ٧: ٢٧ قارن ٧: ١٨)٠
يحتفظ ابن الإنْسَان بقوَّته وسلطانه ليس لنفسه فقط، بل يُكلِّف أتباعه المنكسرين الذين يخدمونه بأمانةٍ بواسطة قوَّته. كان الرَّب قد وعد شعب موسى قائلاً لهم: "فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْض. ٦ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً" (خروج ١٩: ٥- ٦)٠
أضفى بطرس، النَّاطق بلسان رسل الرَّب، هذا الامتياز على جميع أتباع المَسِيْح قائلاً: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ شَعْبُ اقْتِنَاءٍ لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (١ بطرس ٢: ٩).وأكَّد يوحنَّا الرَّسول هذا الإقرار للقدِّيسين بواسطة المَسِيْح حين قال:"جَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ" (رؤيا ١: ٦؛ ٥: ١٠)٠
تنبَّأ دانيال بتطوُّر السِّر الإلهي هذا: ستُعطى هذه المملكة إلى أمَّة شعب العليِّ. وتجسُّد الله في ابن الإنْسَان سيُستنسَخ بتلاميذه فيعيشون حياة البِرِّ والقداسة كربِّهم البار والقدُّوس، وتصبح صفاته بالتَّالي مرئيَّةً في شعبه ومملكته (تكوين ١: ٢٧؛ لاويِّين ١١: ٣٣؛ ١٩: ٢؛ متَّى ٥: ٤٨ إلخ.)٠
سرُّ الله والأمم: رحم ربُّ العَهْد القَدِيْم شعبه في نفيهم وفي ضيقتهم الأليمة، ووعدهم أن يُجدِّدهم ويقودهم إلى الوطن؛ لكنَّه أكَّد لأولاد يعقوب أنَّهم ليسوا بعد المختارين وحدهم، فسيرسل ابن داود كابن الإنْسَان إلى "جميع" الناس. ويُكلِّم الله المَسِيْح شخصيّاً في غضون ذلك قائلاً: "قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْداً إِقَامَةِ أسْبَاط يَعْقُوبَ وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيْل. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْض" (إِشَعْيَاء ٤٩: ٦؛ ٤٢: ٦؛ ٦٠: ٣.)٠
أدرك دانيال في الأسر البابلي أنَّ إِسْرَائِيْل أمَّةٌ صغيرةٌ، وكان أفق إدراكه قد توسَّع، فواجه شعوباً وأمماً وألسنةً، وبالإيمان ألقى عليهم جميعاً اسم إلهه؛ فأدرك أنَّ ملكوت الله لا يُمكن أن يبقى في حدود مساحة ٥٠ كيلومتراً حول أُوْرشَلِيْم، بل لاَ بُدَّ له مِن أن يكون عالميّاً ويُحيط بالعالم بأسره٠
خلق الله البشر جميعاً، فالنَّاس كلُّهم والأشياء كلُّها ملك يديه. هو مالكنا ومَلِكُنَا أيضاً. وهو يريد أن يضع يده على مملكته ومِلْكِه٠
لقد أجبر الفهم الصَّحيح لهذه المَلَكِيَّة دانيالَ على الإيمان بملكوتٍ إلهيٍّ عالمي الانتشار تحت سيادة ابن الإنْسَان. لقد أُعلن سرُّ الله له إلى حدٍّ بعيدٍ جدّاً حتَّى إنَّه أدرك الاصطدام الأخير بين ملكوت الله وملكوت الشَّيطان في الأَيَّام الأخيرة. لا يستطيع ملكوت ابن الإنْسَان أن يثبت في سلامٍ ما دامت القوى المتمرِّدة موجودةً بجانبه. لقد أُعلنت معركة حُكْم العالَم، ولكنَّ الأمر المؤكَّد هو أنَّ ملكوت محبَّة الله الرُّوحية في المَسِيْح، مِن خلال الهزيمة، ستُحقِّق الظَّفر٠
يثبت القرآن أنَّ المَسِيْحِيّين رحماء وليسوا بمستكبرين (سورة آل عمران ٣: ٥٥؛ سورة المائدة ٥: ٨٢؛ سورة الحديد ٥٧: ٢٧)، وهم الأفضل مِن بين أعداء المسلمين، لأنَّهم الأقرب مودَّةً لهم (سورة المائدة ٥: ٨٢)؛ بينما يوصَف اليهود، مِن جهةٍ أخرى، بأنَّهم ألدُّ أعداء المسلمين. ولذلك كان على إله الأخيرين أن يأمر بمقاتلة الذين أوتوا الكتب بقوَّة السِّلاح حتَّى يخضعوا ويدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (سورة التَّوبة ٩: ٢٩- ٣٠). لقد أدرك دانيال في خطَّة الله نقيض هذه الاستراتيجيَّة: إنَّ لكوت ابن الإنْسَان الرُّوحي سينتصر لأنَّ المحبَّة والحقَّ لا يُقهَران (١ يوحنَّا ٤: ١٦؛ ٥: ٤- ٥)٠
الصَّلاة: أيُّها الرَّبّ القدّوس، نسجد لك، لأجل حكمتك العظيمة، لأنّك أوحيت للأنبياء إتيان الملك الأزلي، وحلول ملكوته على الأرض. وأن يسكن فيه المختارون مِن بني يعقوب ومِن الأمم، إن يقدّسهم ويربيهم ملكك الرّوحي٠
السؤال : ١٠٦ ما هو موقفك تجاه الملكوت الروحي الموعود للأنبياء؟