Home -- Arabic -- Colossians -- 008 (Greeting)
Previous Lesson -- Next Lesson
كولوسي – المسيح الذي فيك، هو رجاء المجد
دراسات في رسالة بولس الى اهل كولوسي
الجزء الأول أركان الإيمان المسيحي (كُوْلُوْسِّيْ ١: ١- ٢٩)٠
الخلفية الاولى: النعمة الرسولية ٠
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (رومية ١: ٧)٠
نجد هذه الهبة الرسولية بتغيّرات صغيرة وإضافات في كلّ واحدة مِن رسائل بولس الرسول الثلاث عشر الموجودة في العهد الجديد. (كُوْرِنْثُوْس الأولى ١: ٣؛ كُوْرِنْثُوْس الثانية ١: ٢؛ غلاطية ١: ٣؛ أَفَسُس ١: ٢؛ فيلبي ١: ٢؛ كُوْلُوْسِّيْ ١: ٢؛ تسالونيكي ١: ١؛ تسالونيكي الثانية ١: ٢؛ تيموثاوس الأولى ١: ٢؛ تيموثاوس الثانية ١: ٢؛ تيطس ١: ٤؛ فيلمون ٣)٠
تدلُّنا هذه الكلمات، التي تباركنا، على مضمون عظات الرسول ورسائله وصلاته. لا يريد أن يقول أكثر مِن هذه الكلمات. وبهذه العبارات قدّم خلاصة الإنجيل وقدرته السماوية٠
النعمة
نقرأ كلمة النعمة من الله في الأديان الأخرى. وتفيد مشتقات هذه الكلمة عادةً النّعيم أو التَّنعُّم في الحياة، وفي حياتنا اليوميَّة نقول لمَن حلق شعره أو استحمَّ (نعيماً)، ونقول "نعم" عند الموافقة على أمرٍ ما، ونسمِّي الفردوس نعيماً، ويقول البعض في صلاتهم (أنعمت عليهم) ليعبّروا عن حياة سليمة في رضا القدير٠
أمَّا بولس فلا يقصد أولاً مواهب نعمة الله، بل يفكر بإنعام الخاطئ كأعجوبة شرعية في خطّة خلاص الله. ويرى رسول الأمم في نعمة الثَّالُوْث الأَقْدَس العفو عن خطايا معيّنة، ومحو العار، وتبرير المجرم، وإبراز الخاطئ المطهّر بدون وصمةٍ أو عار. هذه الحقائق الخلاصية هي الأساس والسِّرّ في العهد الجديد٠
والعجيب أنَّ نعمة تبرير الله تأتي مجَّاناً إلى الخطاة، وليس عليهم أن يجتهدوا للحصول عليها بواسطة الصلاة والصوم والحج والصدقة. ولا تكفي الأعمال الصالحة لنيل نعمة الله. كان بولس يدرس شريعة موسى ويتعمّق فيها ويحفظ وصاياها (٦١٣ وصيَّة). ومع ذلك اضطهد كنيسة المسيح في القدس بعنف لأنه لم يعرف نعمة الله المجانية ولكن عندما سافر إلى دمشق ليبيد الكنيسة في هذه العاصمة مفوّضاً مِن المجلس الديني، ظهر الرَّبّ يسوع له في إشراق مجده وكلّمه وجاوبه، ودعاه رغم أنه عدوّه رسولاً له إلى الأمم. عِنْدَئِذٍ أدرك بولس أنه تخلّص مجّاناً بالنعمة مِن غضب الله ودينونته. فلا تقوى ولا اجتهاد ولا شيء آخَر يُخلص الإنسان غير نعمة المسيح وحدها الموهوبة مجَّاناً مِن السماء٠
لا تتضمّن هذه النعمة المجانية غفران بعض الخطايا، أو الصَّفح عن آثام معيّنة ضدّ شريعة موسى، بل هي إنعام شاملٌ كاملٌ. إنّ نعمة المسيح تمحو جميع خطايا الخاطئ المعروفة وغير المعروفة، الحقيقية والمستحيلة، حتّى الخطايا الموروثة ونقصاننا في مجد الرَّبّ (تكوين ١: ٢٧؛ رومية ٣: ٢٣). تهب نعمة الله للخطاة تطهيراً مطلقاً لكيانهم مع غفران جميع خطاياهم (مزمور ١٠٣: ٣)٠
لا يعرف هذا التبرير الكامل للخطاة حدوداً، ولا يتم للمسيحيين فحسب إن كانوا أتقياء ومعمَّدين، بل يشمل أيضاً البوذيين والملحدين واليهود والمسلمين وحتى الشيوعيين الذين لا يعرفون حقّهم بالنّعمة ويرفضونها في عماهم الرّوحي. إنَّ نعمة عفو الله سارية المفعول لجميع النّاس في دنيانا كامتياز وعرض شامل؛ فمن يشكر الرَّبّ لهذا الحقّ العظيم؟
لا تطفو النعمة من مشاعر الله صدفةً، ولا يُفضَّل خاطئ معيّن على غيره، بل نعمة الله هي حق دائم للجميع دون استثناء. فلا يضلّ الله مَن يشاء ولا يهدي مَن يشاء، بل قد فتح باب نعمته للجميع. قد يخطئ المتبرِّر مرّة أخرى سهواً أمَّا الرَّبّ فيثبت أميناً لأنَّه قطع معه عهد النعمة. إنَّنا عائشون، وإن لم نُدرك ذلك، في عصر النعمة وليس في عصر الشريعة (آية للكتابة إِشَعْيَاء ٥٤: ٨ و١٠)٠
كيف كُونت نعمة الله؟ بموت المسيح الكفَّاري وحده. اعترف يوحنَّا المعمدان بعد معمودية ابن مريم في نهر الأردن: هوذا حَمَل اللهِ الَّذي يرفع خطيئة العالم (يوحنَّا ١: ٢٩). وشهد بولس بوضوح: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ, غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ.... لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيئةً, خَطِيئةً لأَجْلِنَا, لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللَّهِ فِيهِ" (كُوْرِنْثُوْس الثانية ٥: ١٩ و٢١). وأثبت رسول الأمم بهذه الجملة أساس اعتراف إيمانه:"لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللَّهِ, مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية ٣: ٢٢- ٢٤)٠
ويشهد الرسول يوحنَّا بالقصد نفسه "هُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ, بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً" (يوحنَّا الأولى ٢: ٢)٠
ونقرأ في خلاصة الإنجيل: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ, لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ, بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ" (يوحنَّا ٣: ١٦- ١٧)٠
ليكن لكم
يشهد الرسول بهذه الكلمات حسب العرق السامي أنّ النعمة أصبحت حقاً للمؤمنين بالمسيح. فهي ليست أُمنيةً أو اقتراحاً، بل امتيازاً شرعيّاً. فالنعمة هي ملك المؤمنين، وهبةٌ مِن الله؛ ومَن يؤمن بهذه الحقيقة تتحقّق النعمة فيه عملياً؛ ومَن لا يؤمن ولا يهتم بهذه النعمة يتقسَّى. أمَّا حقّ النعمة فمفتوح لكلّ تائب وراجع نادماً. وهكذا أكمل المسيح كلمته: الَّذي يؤمن به لا يدان والَّذي لا يؤمن قد دين،لأنه لم يؤمن باسم الله الوحيد (يوحنا ٣: ١٨ و١٩)٠
إنّ نعمة الله عظيمة وشاملة ولكن لا بدّ للإنسان مِن أن يقبلها ويؤمن بها ويشكر الله لأجلها. إن أخذ إنسانٌ ما سنداً ممهوراً فلا ينفعه إلاَّ إذا مهره هو أيضاً كمستلم ولا تتغيّر قيمة السند شرعيّاً. ولا بدّ مِن القبول الشرعي الكامل. وكلّ مَن يفقد حقّه بالنعمة يضلّ نفسه. لذلك اشكُر الله لأجل موت المسيح الكفّاري عوضاً عنك، ولأجل أمانته التي لا تنتهي٠
الصلاة: أبانا الَّذي في السماوات، نسجد لك لأنّ الرسول بولس يؤكد لجميع قرّاء رسائله أنّ النعمة الكاملة وقوّة محبّتك تخصُّهم لأجل يسوع المسيح، وأنَّها أصبحت ملكهم. ساعدنا على الإيمان الثابت والشكر بسرور والتمسّك بالنعمة بأمانةٍ رغم جميع المشاكل والضيقات. آمين٠
السؤال ٨: ماذا تعني عبارة "نعمة لكم" في العهد الجديد؟