Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجزء التَّاسِع - قيامةُ المَسِيْح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات (مرقس ۱٦: ۱-۲۰)٠
٤. إعلانُ يَسُوْع نفسَه للتِّلميذَين مِن عِمْوَاس (مرقس ۱٦: ۱۲-۱۳) ٠
مرقس ۱٦: ۱۲-۱۳
١٢ وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. ١٣ وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هَذَيْنِ
في اليوم الأوَّل مِن أسبوع عيد الفصح، مضى اثنان مِن تلاميذ يَسُوْع حزينَين إلى قريتهما، بعدما قضيا العيد الكبير في ذلك العام في عزلةٍ وخَوف٠
وقد أخبرنا البشير لُوْقَا بتفاصيل هذه القصَّة (في الأَصْحَاح ۲٤: ۱۳- ۳٥) مِن إِنْجِيْله، وأبرز مَحَبَّة يَسُوْع لتلميذَيه المُرتبِكَيْن اللَّذَين فقدا، بصَلب معلِّمهما، كلَّ أملٍ لهما في هذه الدُّنيا٠
لقد فهم مُعظم أتباع يَسُوْع مجيئه دنيويّاً وروحيّاً معاً. ولم يُدركوا أنَّ مَمْلَكَة المَسِيْح ليسَت مِن هذا العالم. فمزج التِّلميذان اللَّذان مِن عِمْوَاس، في أفكارهما، الدِّين بالدَّولة، السِّياسة بالإيمان، المال بالرُّوح، الزَّمن بالأبد٠
ولم يعرفا أنَّ يَسُوْع يقودهما إلى إنكار الذَّات، والتَّخلِّي عن الأماني والشَّهوات والكبرياء، ويدعوهما إلى التَّوَاضُع والقناعة والمَحَبَّة والاجتهاد مع الوداعة والتَّعفُّف والتَّضحية. فهو لا يبني مَلَكُوْته على مدافع وطائرات وسفن وصواريخ، ولا يَطلب ضرائب، أو شهادات عالية، أو واسطة قويَّة. لأنَّه هو وحده الطَّريق والوسيط إلى الحياة الجديدة، وهو هو وحده الّذي يخلق في أتباعه خليقةً روحيَّةً، ويُغيِّرهم إلى صورته٠
إنَّ هذه الأفكار تقتضي تغييراً في الذِّهن، أي توبةً جذريَّةً. فكلُّ مَن يريد اتِّباع يَسُوْع ينال هدفاً جديداً، ويبتعد عن المال والسّلطة والشَّهوات وإكرام الذَّات. فيَسُوْع بنفسه يُرشدنا إلى التَّحرُّر مِن الخطيئة والتجربة. وكلُّ مَن يتبعه يتواضع ويتعلَّم بذل الذَّات لغير المؤهَّلين في معرفة ابن الله المتواضع الّذي هو في ذاته ليس متكبِّراً ولا ماكراً. بل إنَّه أخلى نفسه مِن مجده، وأصبح إنساناً وخادماً للجميع، مُدركاً المرض المتأصِّل في البشر، ألا وهو الخطيئة. فحمَل الدَّيْنُونَة عوضاً عنَّا، ومات لأجل تبريرنا ذبيحةً حيَّةً مرضيَّةً أمام الله٠
لم يَفهم التِّلميذان هذا الأمر تماماً، فقد انتظرا ملكاً قويّاً، لكنَّهما شاهَدا على الصَّلِيْب مُخلِّصاً ضعيفاً. قد آمَنا بِمُنجٍّ بارزٍ يكون وجهاً مِن وجوه الأمَّة، لكنَّهما دفناه ودفنا معه آمالهما قبل يومٍ واحدٍ فقط. قد تمنَّيا أن يعمل الآتي مِن السَّماء على تعليمهما وتطويرهما وتعيينهما وزيرَين وشريفَين في مملكته المسيطرة على جميع الشُّعوب. لكنْ، ها هما الآن هاربان من السّلطة يجرّان ذيول الخيبة خائفَين على حياتهما٠
لأجل هذه الأفكار وبَّخ يَسُوْع هذين التِّلميذَين، ودعاهما غبيَّيْن وبطيئي القلوب، لأنَّهما لم يفهما ما علَّمهما إيَّاه الرُّوْح القُدُس. قد كان ينبغي أنَّ المَسِيْح يتألَّم ويموت ليدخل إلى مجده. فشعاره ليس الحكم والتَّسلُّط، بل المصالحة والموت الكَفَّارِيّ. فهو لم يأتِ ليعيش لأجلنا، بل ليموت عوضاً عنّا، لأنَّ هذا هو الطَّريق الوحيد لمصالحة البشر مع الله. فكلُّ مَن يُنكر المَصْلُوب لم يفهم الله في حقيقته. وكُلُّ مَن يَقصد المثول أمام الله بدون حمله الوديع يَسُوْع لم يُدرك بعد عِظَمَ خطيَّئته الفاصلة بينه وبين القُدُّوس٠
المَصْلُوب هو الجسر الوحيد الثَّابت والحامل المؤدِّي إلى الله. والمُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات هو وسيطنا الأمين. فيَسُوْع يُحرِّرنا مِن كلِّ برٍّ واكتفاءٍ ذاتيٍّ وشرفٍ شخصيٍّ، ويُعلِّمُنا أن نمدَّ أيدينا إلى المُنَجِّي الفَادِي. فليس إنسانٌ بارّاً أمام الله. المَسِيْح هو بِرُّنا.
كان التَّلاَمِيْذ الأحد عشر جالسين في العُلِّية مُرتبكين خائفين. وعندما دخل عليهم تلميذا عِمْوَاس بفرحٍ وهُتافٍ وشهدا أنَّ المَسِيْح حيٌّ، وأنَّه كلَّمهما موضحاً لهما ضرورة موته وقيامته، نظر التَّلاَمِيْذ بعضهم إلى بعض، وهزّوا رؤوسهم، وتسارعت الأفكار في رؤوسهم، فقَبْل هذين التِّلميذَين جاءتهم المَجْدَلِيَّة وبعض النِّسَاء بهذا الخبر الغريب... فهل صحيحٌ أنَّ المَسِيْح قام حقّاً؟
رُبَّما قال بعضهم: "لو كان هذا صحيحاً، لكان قد ظهر لنا أوَّلاً". وقال آخَرون: "لعلَّه شاء أن يؤدِّبنا على هربنا، وعلى إنكار بُطْرُس إيَّاه"٠
وأخيراً أجمعوا على أنَّه لم يَقُم حقّاً، ولم يؤمِنوا. هؤلاء هم الرُّسُل في قوَّتهم الذَّاتية، لأنَّ الرُّوْح القُدُس لم يكن قد حلَّ بعد فيهم، فلم يقدروا أن يؤمنوا الإيمان الصَّحيح الجريء الحيّ، لأنَّ الإيمان القويم هو من ثمار الرُّوْح القُدُس٠
الصَّلاَة: أيُّها الرَّب المُقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، اغفر لنا عدم إيماننا وبطء قلوبنا. افتح عيوننا لنرى ضرورة موتك، وعظمة انتصارك على الصَّلِيْب. أنت القُدُّوس القائم مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات غالب الموت. أنت الإله الحيُّ، وحياتك هي المَحَبَّة. وكما أظهرتَ نفسك على الأرض، هكذا أنتَ اليومَ حيٌّ في الرُّوح. علِّمْنا أن نتبعك في إنكار الذَّات، ونُحبَّك بإخلاصٍ وأمانة، ونخدم جميع النَّاس كما تواضَعْتَ أنت وخدَمْتَ غير المستحقِّين. آمين٠
السُّؤَال ۱٠٩: لماذا لم يفهم تلاميذ يَسُوْع موته، ولم يؤمنوا بقيامته؟٠