Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجزء الخامِس - المَسِيْح يُعلن لتلاميذه موتَه وحياتَه (مرقس ٨: ۲٧ - ۱۰: ٤٥)٠
٣. تجلِّي يَسُوْع على جبلٍ عالٍ (مرقس ٩: ۱-٧)٠
مرقس ٩: ۱-٧
١ وَقَالَ لَهُمُ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوْت اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ ٢ وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوْع بُطْرُس وَيَعْقُوبَ وَيُوْحَنَّا وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ ٣ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذَلِكَ. ٤ وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوْع. ٥ فَجَعَلَ بُطْرُس يَقُولُ لِيَسُوْع يَا سَيِّدِي جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا، فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ، لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً. ٦ لأَِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ. ٧ وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ، فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ، لَهُ اسْمَعُوا.
إِنَّ غاية مجيء المَسِيْح هي إِقامة مَلَكُوْت الله بقوَّته وسروره ومجده. وهذا المَلَكُوْت لا يَعني إِقامة دولة مستبدَّة مُخيفَة، وإنَّما هو مَلَكُوْت يعيش رعاياه في سلام المَحَبَّة وفرَح السَّمَاء. فهذا المَلَكُوْت روحيٌّ مُفْعَمٌ بالنُّور والحَقِّ والأَعْمَال الصَّالِحة٠
وقد حقَّق يَسُوْع هذه الخطَّة الإلهيَّة في يوم الخمسين، حين حلَّ الرُّوْح القُدُس على تلاميذه المنتظرين، فتحوَّلوا مِن جُبناء إلى شُجعان، ومِن شاكِّيْن إلى مؤمنين. وصاروا نور العالَم، وحملوا اسم يَسُوْع المَسِيْح إلى جميع الناس٠
ولكن قبل هذا الحلول العظيم، وبعد أن أعلن يَسُوْع موته الوشيك، ودعا تلاميذه إلى إنكار النَّفْس، أخذ ثلاثةً منهم ليُريهم بهاء مجد مَلَكُوْت الله علانيةً. ويرى بعض المفسِّرين أنَّ هذه الحادثة وقعت على جبل "حرمون" القريب مِن "قيصريَّة فيلبّس" (٨: ۲٧)، فتجلَّى يَسُوْع أمامهم على قمَّة هذا الجبل العالي المنفرد٠
هُناك أظهر يَسُوْع المَسِيْح أنَّه مَلِك المُلُوْك، ورَبّ الأَرْبَاب، القُدُّوس في ذاته، الّذي لم يَعرف خطيئة، الّذي يفوق نورُه وبهاؤه نور الشَّمس، وليس فيه ظلمةٌ البتَّة. هُناك صارت ملابسه ناصعة البياض كالثَّلج، دلالةً على الطَّهَارَة المُطْلَقة الّتي يختبرها كلّ مَن آمَن به، والّتي بدونها لا يستحقّ أحدٌ أن يَمْثُلَ أمامه أبداً٠
إِنَّ مَلَكُوْت المَسِيْح لا يشمل الجيل الحاضر مِن المؤمنين القِدِّيْسِيْن في دنيانا فقط، بل يشمل أيضاً الأَمْوَات في الرَّب الّذين لم يموتوا، بل يحيون ويخدمون الله في براءةٍ وقَدَاسَة أبديَّةٍ٠
وفي هذا الظُّهور على جبل التَّجَلِّي ظهر موسى لِلتَّلاَمِيْذِ، مُمَثِّلاً الشَّرِيْعَة، ومعه إيليَّا مُمَثِّلاً النُّبُوَّة.. شاهدَين ليَسُوْع أنَّهُ المَسِيْح الحقُّ، رغم اختياره طريق العار وإنكار الذَّات حتَّى الصَّلِيْب٠
وأثبت هذان الشَّاهدان أيضاً، بظهورهما لِلتَّلاَمِيْذِ الفزِعِين، أنَّ يَسُوْع كان منسجماً مع الشَّرِيْعَة والأنبياء، وأنَّ ذهابه إلى صليب اللَّعنَة هو السَّبيل الوحيد لخلاص العالم٠
وفي حضور النُّور السَّمَاوِيّ، أعرب بُطْرُس عن الاشتياق الكائن في قلب كلّ إنسان، أن يسكن على مقربة مِن الله، عِلماً أنَّ يَسُوْع كان قد لقَّبه، قُبَيْل هذه الحادثة، بالشَّيْطَان. أراد مقدامُ الرُّسُل أن يتشبَّث بهؤلاء الأشخاص المُنيرين ليستنير هو أيضاً. ولقد وهب المَسِيْح له وللمُصلِّين، في يوم الخمسين، أن يصبحوا جميعاً هَيْكَلاً للرُّوح القدس مُفعماً بالحياة والقوَّة والمَحَبَّة٠
لا يقدر الإنسان الطَّبيعي أن يُعاين مجد الله، بل يدهش، ويحتار، ويرتعب في أعماق قلبه، ويسقط كَمَيْتٍ، وخاصَّةً في مثل هذه الحالة المُذهِلَة والمُبْهِرة، حيث أعلن الله ذاته في السَّحابة النَّيِّرَة اللَّطيفة؛ ليس كما ظهر على جبل سيناء متجلِّياً وسط البروق والرُّعُود، بل مُعلِناً مجده بإذاعة إِنْجِيْل الرَّحمة المُقَدَّس. فقد شهد الله القُدُّوس شخصيّاً لمُمَثِّلي البشر أنَّ يَسُوْع هو ابنه الوحيد، وأنَّه أعظم مِن موسى ومِن سائر الأنبياء، لأنَّه دُفِعَ إليهِ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاء وعَلَى الأَرْضِ. وليس مِن المعقول أن يموت يَسُوْع الحيُّ المُحْيِي؛ ولكن بما أنه قد تواضع طوعاً، واختار طريق النِّيابة عنَّا في دينونة الله، فقد خالف مشورة التَّلاَمِيْذ، وتقدَّم بثباتٍ نحو الصَّلِيْب٠
وكما أعرب الله عن سروره ورضاه عندما تواضع يَسُوْع بقبوله المَعْمُودِيَّة لأجل خطايانا، أعلن الله أيضاً رضاه التَّام عندما اتخذ يَسُوْع قراره الحازم بالذهاب إلى الصَّلِيْب، بكَلِمَات أفصح من كلّ بيان: "هذا هو ابني الحبيب. له اسمعوا". كان لا بدَّ مِن أن يموت عوضاً عنَّا، كحَمَل الله، لفداء العالم. حقّاً! لا مجد لنا إلاَّ بالصَّلِيْب الّذي مات عليه ابن الله الحبيب، الّذي تجسَّدَت فيه مَحَبَّة الله. فلا خلاص للبشر إلاَّ بالمَصْلُوب. كلّ مَن يسمع هذا القول ويؤمِن به يحيا ويدخل صفوف أولاد الله، ويمتلئ بالمَحَبَّة نفسها الّتي في الله٠
الصَّلاَة: أيُّها الرَّبّ يَسُوْع المَسِيْح المجيد، أنتَ مَلِكي. اغفِر لي نجاستي وخطاياي، وألبِسْني طهارتك، ليحلّ فيّ مجدك، فأتجدَّد بواسطة روحك القُدُّوس وأتحوَّل مِن أنانيٍّ إلى مُحِبٍّ. تعال بقوَّتِك إلى ألوف القلوب في مُحِيْطنا، لكي يتغيَّروا ويَدخلوا مَلَكُوْت روحك اليوم. آمين٠
السُّؤَال ٥١: ما هو معنى تجلِّي يَسُوْع أمام تلاميذه؟