Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجزء الثَّاني - بداية أَعْمَال يَسُوْع في منطقة الجَلِيْل (الأَصْحَاح ۱: ۱٤- ٤٥)٠
٢. دعوة يَسُوْع لتلاميذه الأربعة الأوائل (مرقس ۱: ۱٦- ۲۰) ٠
مرقس ۱: ۱٦- ۲۰
١٦ وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيْل أَبْصَرَ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. ١٧ فَقَالَ لَهُمَا يَسُوْع هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ. ١٨ فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا شِبَاكَهُمَا وَتَبِعَاهُ. ١٩ ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ قَلِيلاً فَرَأَى يَعْقُوبَ بْنَ زَبَدِي وَيُوْحَنَّا أَخَاهُ وَهُمَا فِي السَّفِيْنَة يُصْلِحَانِ الشِّبَاكَ. ٢٠ فَدَعَاهُمَا لِلْوَقْتِ، فَتَرَكَا أَبَاهُمَا زَبَدِي فِي السَّفِيْنَة مَعَ الأَجْرَى وَذَهَبَا وَرَاءَهُ
يُشْبِه العالَمُ بحراً ممتلئاً سمكاً، والمَسِيْح هو صيَّاد البشر الرحيم. فهو لا يصطاد في عصرنا أسماك البحر كلّها دفعةً واحدةً، بل يصطاد النُّخبة فقط الّتي أعدَّها الله وأعطاه إيَّاها. أمَّا الكنيسة فهي شركة الصيادين في بحر العالم، العاملين في خدمة الله. فهُم يُلقون شبكة كلمته في البحر ليصطادوا كثيرين لله٠
اصطاد المَسِيْح أوَّلاً بُطْرُس وأخاه أندراوس. إذ رأى فيهما، ببصيرته الإلهيَّة، نار التوبة والشوق للطهارة في قلبيهما، والّتي أذكى لهيبَها يُوْحَنَّا المَعْمَدَان المنادي بالرجوع إلى الخالق٠
لم يكن هذان الأخَوان مثقَّفَين، ولكنهما كانا صيَّادَين مجتهدَين وخبيرَين في أخطار البحر، غير متفلسفَين بل مستعدَّين للعمل اليدوي الشاق٠
كانا قد عرفا المَسِيْح من قبل، وسمعا شهادة المَعْمَدَان عنه أنّه المَسِيْح حَمَل الله، فآمَنا به. وعندما أُلقي معلمهما السابق في السجن، تبعا الربّ يَسُوْع مباشرةً، مطيعَين أمر دعوته المجدِّدة٠
ربّما كان بُطْرُس وأندراوس يعودان بعد رجوعهما مِن الأردن إلى شباكهما، بينما كان يَسُوْع يعمل في منطقة الجَلِيْل. ولكن حينما اتّخذ الربّ لنفسه مدينة كَفْرنَاحُوْم، وسكن على شاطئ البحر أصابتهما دعوته كسهم. فتبعاه فوراً وتركا سفنهما وشباكهما، أي ضمان حياتهما ومعيشتهما، لأنَّ الربّ أعظم مِن كلّ ضمان دنيوي٠
عندما يأمرنا الملك الإلهي أن نأتي إليه، فما علينا إلاّ أن نطيعه ونتبعه، ولو كره الكافرون، واستهزأ بنا المستهزئون. لا يحقّ لنا أن نهتمّ بالمال والمعيشة، لأنَّ الربّ يؤمَّن لنا الخبز الكافي لكلّ يوم٠
يريد المَسِيْح أن يجعلك صيّاداً للبشر، كي تربحهم، ليس بذكائك وحيلك أو مالك، بل بتواضعك ولطفك في قوّة الرُّوْح القُدُس. وشبكة عبيد المَسِيْح هي كلمة اللّه المرافقة بصلواتهم، والمطروحة حسب إرشاد الرُّوْح القُدُس. عِنْدَئِذٍ يقود المَسِيْح بإرشاده أسماكاً كثيرة إلى شبكة مَحَبَّته٠
وفي اتّباع المَسِيْح نتعلّم أنّنا لسنا نحن الّذين نصطاد الآخرين، بل الربّ العامل فينا هو الّذي دعاك وطهّرك وأرشدك لخدمة ناجحة. فالإنسان بطبيعته غير مستحق، وغير قادر على خدمة اللّه. نحن كلنا عبيد بطّالون، ولكن دعوة الرب "هلمّ اتبعني، أجعلك صياد البشر" تؤهّلك للخدمة الرُّوْحِيّة، فلا يبقى لنا فخر، بل المجد كلّ المجد للربّ الّذي يصيّرنا عبيداً نافعين، وفي اتّباعنا إيَّاه والتصاقنا به يُعلِّمنا الحكمة والكلمة الصواب والسيرة المقدّسة، كما قال: "أنتم نور العالم. فليضئ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أَعْمَالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الّذي في السَّمَاوَات" (متى٥: ۱٤- ۱٦)٠
التقى المَسِيْح في اليوم نفسه يُوْحَنَّا البَشِيْرَ وأخاه يعقوب، وبارك عائلتهما بواسطة دعوة الرجلين المقتدرين إلى خدمة اللّه. وقد سبَّب ترك مهنتهما ومورد رزقهما خسارة فادحة لعائلتهما. ولكنّهما أدركا، مع جميع الخدّام المخلصين، القاعدة: "لا نستطيع أن نخدم اللّه والمال". فالّذين يخدمون الربّ لا يقصدون المال، بل يختبرون أنَّ اللّه نفسه يحلّ فيهم بروحه القُدُّوس. وهذا الرّوح لا يجمع المادة كضمان لنفسه، بل يغلبها ويوزّعها في سبيل المَحَبَّة٠
لم يصلح يُوْحَنَّا ويعقوب فيما بعد الشباك، بل ربطا كنيسة المَسِيْح في وحدة مقدّسة بصبر فائق وتدقيق قويم. فالخدمة في الكنيسة محتاجة إلى تأنٍّ ورفق وإلى جميع صفات مَحَبَّة اللّه، لأنّ الكنيسة هي المَحَبَّة وإلاّ فليست كنيسة٠
هل سمعت دعوة المَسِيْح، وهو يجتاز اليوم وسط أمتنا العربية، ويدعو المستعدين، ويدربهم على الخدمة الفعَّالة؟ هل تلبّي دعوته فوراً، وتتبع المَسِيْح بالتصميم النهائي؟ هل قُدْتَ، بإرشادِ روحِهِ، إنساناً واحداً للمخلِّص ليخلِّصه ويقدِّسه؟ ماذا تفعل؟ هل تنام مسترخياً، أم تعمل لتمجيد نفسك، أم تخدم ربّك الحي؟
الصَّلاَة: ٠ أيّها الربّ يَسُوْع، نشكرك لأنّك دعوتنا إلى خدمتك، فنعترف بأنّنا عبيد بطالون، ولا نستحق هذه الدعوة. اغفر لنا ذنوبنا، واملأنا بروحك القُدُّوس، وقدنا إلى طاعة الإيمان لنخدمك بقدرتك ونصبح أمناء في تأدية خدمة محبّتك. حرّرنا مِن الاتّكال على المال والرواتب، واخلق فينا الثقة الأمينة في عنايتك بنا، واقبَل صلاتنا، وخلِّص أصدقاءنا مِن ذنوبهم كما خلَّصتنا نحن. وأنت تعرف كلّ إنسان نصلّي لأجله إليك بمواظبة. إنّك السَّميع المُجِيب٠
السُّؤَال: ماذا تعني دعوة يَسُوْع: "هلمّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس"؟