Home -- Arabic -- Colossians -- 036 (Have You Risen with Christ?; The Goal with Christ))
Previous Lesson -- Next Lesson
كولوسي – المسيح الذي فيك، هو رجاء المجد
دراسات في رسالة بولس الى اهل كولوسي
الجزء الثالث كيف تظهر حياتك الروحية الجديدة؟ (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ١- ١٧)٠
١٤- هل قمت مع المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ؟ (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ١- ٤)٠
كُوْلُوْسِّيْ ٣: ١- ٤
٣: ١ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ, حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. ٢ اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ, ٣ لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللَّهِ. ٤ مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا, فَحِيْنَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ٠
بدأ بولس تعليمه عن سلوك المسيحيين وتصرفاتهم بدعوة صاخبة، وسأل أهل كنيسة كُوْلُوْسِّيْ هل اشتركوا بإيمانهم الجديد في قيامة المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. هذه الجملة هي سؤال مثير. منذ أن رأى بولس مجد يسوع المسيح الحيّ، أصبحت جميع المهمات في الدنيا مثل القش بلا قيمة نهائياً. الشيء الوحيد الذي له قيمة في هذه الأيام هو المسيح الحي الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. لقد لمست طاقة نور المسيح بولس في صميمه، فلم يبقَ الفقيه المتعصب أعمى فيما بعد عن بهاء جلال يسوع، بل اشترك بواسطة حلول الروح القدس فيه، في ألوهيَّة المسيح وحياته الأبدية. يجعلنا إيماننا بابن مريم أحياء روحياً، ويُشركنا شرعاً وحقاً في قيامة المسيح. لقد أعلن الرب يسوع هذا السر إلى مرثا أخت لعازر سابقاً إذ قال:"أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا, وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا" (يوحنا ١١: ٢٥- ٢٦)٠
لا يعني إيماننا بيسوع اجتهاداً عقليّاً فقط، بل الحصول على قدرة إلهية بحلول الحياة الأبدية فينا، التي هي عربون قيامتنا مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. ليتنا ندرك أنَّ في شخص يسوع تظهر القيامة والحياة الأبدية لجميع الذين يرتبطون به بإيمانهم. وحياته لا نهاية لها، لأنها أبدية. ولذلك يسألك بولس شخصياً: هل قمت حقاً مع المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، أم لا تزال متأرجحاً بين الموت والحياة؟ هل تحيا مع المسيح حقاً، أم لا تزال ميتاً بالذنوب والكبرياء؟
١٥- هدف الحياة مع المسيح
مَن يرتبط بالمسيح بإيمانه يتجه نحوه لأنه هدف كياننا ولذلك كتب رسول الأمم للمؤمنين الغرباء عنه في كُوْلُوْسِّيْ: اطلبوا وفتشوا، صلُّوا واهتموا بكل طاقتكم وإرادتكم لتعرفوا يسوع الذي يعيش في رحاب السماوات فوق الدنيا، جالساً عن يمين الله أبيه، ويحكم معه على العالمين المنظور وغير المنظور (المزمور ١١٠: ١؛ متَّى ٢٢: ٤٤؛ أَعْمَال الرُّسُلِ ٢: ٣٤و ٣٥؛ عِبْرَانِيِّيْنَ ١: ١٣ ألخ). كل شيء آخر باطل وإلى زوال، هو وحده مستحق الحياة؛ لذلك ردد بولس أمره الرسولي: اطلبوا ما فوق وليس حسب الملذات الدنيوية (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ٢). إن المسيح المرتفع هو الهدف والاتجاه لحياة جميع المسيحيين حتى في لحظة وفاتهم. كل ما يتلألأ على الأرض كالجَمال أمام أعينهم ويرونه كالإعلان الصارخ يبهت ويزول أمام مجد المسيح المقام الحيّ. وما الشهادات العالية من المدارس المحترمة والمراتب الاقتصادية والاجتماعية إلا خدعة للنفس. فأصغر واحد في ملكوت الله هو أعظم من أشهر الأبطال والأغنياء وملكات الجمال في هذا العالم الفاني٠
امتحن نفسك ما هي نسبة أفكارك وخططك المتوجهة إلى يسوع وملكوته، وكم تصرف منها لمهنتك وعائلتك ولنفسك؟ يعيش كثيرون من المسيحيين حالة انفصامٍ، فهم يطلبون ما هو فوق، وفي الوقت نفسه ما هو على الأرض. ولا يلاحظون أن خططهم المزدوجة تصبح فانية أكثر فأكثر، وهموم الحياة تأكلهم؛ فيصبحون كشخص يركب سيارة وينطلق بينما لا تزال إحدى رجليه خارج السيارة، فيتمزق! وهكذا ينبغي أن نتجه إلى يسوع وحده ونغير تفكيرنا وسلوكنا جذرياً: "... لْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ..."(عِبْرَانِيِّيْنَ ١٢: ١- ٢)٠
ومَن يريد ويحاول أن يحقق هذا الأمر الرسولي، يحتاج إلى انقلاب فكري، وإلى ضبط أفكاره وسلوكه ليلاً ونهاراً، لأنه يطلب منا أن نسرع إلى هدفنا يسوع عكس الآخرين الذين يسرعون نحو الأمور الدنيوية٠
يربط بولس وصفه لهدف أتباع المسيح بجملة مرعبة تختنق في حنجرتنا، إذ قال" لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ ..." (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ٣). ما مِن إنسانٍ يحب أن يسمع أنه ميت. يروى أنَّ طبيباً كان يتفقَّد خيمة الجرحى في أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعاين الذين قضوا نحبهم كي يتمَّ نقلهم ودفنهم. وإذ قال عن أحد المرميين على الأرض إنَّه ميت، صرخ المرمي على الأرض: "أنا لم أمت. أنا حيٌّ". ولكنَّ الممرض المرافق للطبيب أجابه: "اسكُت. إذا قال رئيس الأطباء إنَّك ميت فأنت ميت حقاً". هكذا يقول بولس إنكم إن آمنتم بالمسيح قد متُّم فعلاً عن جميع خطايا العالم وملذَّاته٠
كتب بولس هذه الجملة الصاعقة إِلَى كَنِيْسَةِ كُوْلُوْسِّيْ، كما كتب سابقاً إِلَى كَنِيْسَةِ روما بصيغة الجمع، وجعل نفسه منهم:"أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ, فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ, حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ, بِمَجْدِ الآبِ, هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ, نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هَذَا, أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيئةِ, كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيئةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيئةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ, نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضاً. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيئةِ مَرَّةً وَاحِدَةً, وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيئةِ, وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية ٦: ٣- ١١)٠
أيقن بولس أنَّ ما مِن إنسان يريد أن يموت. واختبر بنفسه أنَّ الخطيئة في دمنا وجسدنا ونفسنا متلاصقة بشدة، ولا يستطيع الخاطئ أن يغلبها إلا بالطعنة الإلهية حتى يموت. وهكذا أعلن يسوع: "حِيْنَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ, إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي, فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا, وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ. أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ" (متَّى ١٦: ٢٤- ٢٦)٠
لا يحب أحد أن تصله دعوة لحضور جنازة إنسان عزيز عليه، ولكن ينبغي لِمَن قبِل يسوع هدفاً لحياته أن يبغض خطيئته ويرفض كبرياءه ويتحرَّر منهما، كي يعيش في قوة المسيح حقاً. ووضح بولس هذا السر قائلاً:"حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللَّهِ" (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ٣)٠
لئن كانت ترنيمته عن موتنا الروحي مرعبة، فقد أصبحَت ترنيمته عن إقامة أتباع المسيح مثيرة وصاخبة ومنذرة. فأسماؤنا ليست مكتوبة في سفر الحياة فقط، بل إنَّ الحياة الجديدة التي منحنا الله إياها بواسطة الروح القدس مرتبطة دائماً بشخصية المسيح. لم نأخذ حياة الله منفردين، بل المسيح هو حياتنا وقوتنا وسلامنا، فيه ومعه نحيا إلى الأبد. نحن نبقى منفردين وأشخاصاً ناقصين بدونه؛ ولكن معه وفيه لنا مستقبل بهي. المسيح يسوع يعيش في الله، والله الآب قد ظهر في حياة ابنه، وهكذا جذبنا حَمَل اللهِ إلى شركته مع أبيه. فمَن نحن حتَّى نفكر في هذا الامتياز ونؤمن به؟ لقد اعترف الرسول يوحنا وكتب بوضوح: "مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ, فَاللَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللَّهِ. وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اَللَّهُ مَحَبَّةٌ, وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللَّهِ وَاللَّهُ فِيهِ" (يوحنا الأولى ٤: ١٥- ١٦)٠
لم يتكلم الرسول بولس فقط عن حياتنا المستترة في وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس، كحقيقة روحية ثابتة، بل دفعه الروح القدس إلى الشهادة في كنيسة كُوْلُوْسِّيْ عن رجائنا اليقين أنَّ حياتنا الأبدية في المسيح ستظهر جلياً. وتأكد بولس أنَّ هذا الحدث المُقْبِل يتحقق بظهور شخص يسوع الذي هو مصدر حياتنا الروحية؛ فلن ننال حياة روحية أخرى. الروح القدس لا يستكبر ولا يشهد أنه هو بنفسه الحياة الأبدية فينا، بل بالحري يُمجِّد يسوع، ويشهد بإلحاح أنَّ حَمَل اللهِ هو حياتنا في الله٠
يندفع تاريخ العالم إلى عودة المسيح في المجد عندما يأتي، كديان أزلي، لغير المؤمنين به، وكمخلص لكنيسته في وسط الاضطهاد على الأرض. ترقَّب بولس باشتياق مجيء المنتصر على الجلجثة الذي فيه ملء الحياة الأبدية. وشهد بدون شك أنَّ أتباع المسيح سيختبرون عند مجيئه المجيد أوَّلاً انكشاف جميع الخبايا. وبَعْدَئِذٍ يلبسون المجد كي يعكسوا في حياتهم جمال ربهم المحبوب وجلال مخلصهم العظيم. كتب بولس في بداية رسالته إلى أهل كُوْلُوْسِّيْ السر العظيم المعلن له أن المسيح فيكم رجاء المجد (كُوْلُوْسِّيْ ١: ٢٧)٠
إنَّ الرجاء في تغيير المسيحيين قريب، فهو لبولس أهم مِن جميع الأمور الأخرى في دنيانا. واشتياقه يتعلق برؤيته للمسيح أمام دمشق. لقد رآه في مجده، ومنذ ذلك الوقت أصبح كل شيء آخر غير مهم له. أصبح الملك الآتي هدف الرسول ومقياسه ورجاءه ، حتى كتب: "وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللَّهِ" (رومية ٥: ٢). فليس رجاؤه الحسنات الدنيوية الفانية، بل اكتمال المكشوف في أتباع المسيح في وحدتهم مع ربهم ورأسهم. لذلك يليق بنا أن نحفظ غيباً تحية بولس، ونُبرز هدف الكنيسة بوضوح. ٣: ١ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ, حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. ٢ اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ, ٣ لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللَّهِ. ٤ مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِيْنَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. (كُوْلُوْسِّيْ ٣: ١- ٤)٠
الصَّلاة: نسجد لك أيها الآب السماوي لأنَّ ابنك يسوع أدخل الحياة الأبدية في قلوبنا، وهو جالسٌ عن يمينك وحياتنا الروحية مستترة فيه. نترقَّب مجيئه الثاني ليتجلى مجدك ومحبته فينا. أعطِنا ألاَّ نحب أحداً أكثر مِن حبنا لك بواسطته وحده. آمين٠
السؤال ٣٧: ما هو هدف حياتك؟