Previous Lesson -- Next Lesson
مرقس - من هو المسيح؟
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير مرقس
الجُزء الثَّامِن - آلامُ المَسِيْح ومَوتُه (مرقس ۱٤: ۱ - ۱٥: ٤٧)٠
١١. يَسُوْعُ أمام المَحْكَمَة المدَنيَّة (مرقس ۱٥: ۱-۱٥)٠
مرقس ۱٥: ۱-۱٥
١ وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ فَأَوْثَقُوا يَسُوْع وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيْلاَطُس ٢ فَسَأَلَهُ بِيْلاَطُس أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ، فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ تَقُولُ. ٣ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. ٤ فَسَأَلَهُ بِيْلاَطُس أَيْضًا قَائِلاً أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ. اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ. ٥ فَلَمْ يُجِب ْ يَسُوْع أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيْلاَطُس. ٦ وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. ٧ وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. ٨ فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. ٩ فَأَجَابَهُمْ بِيْلاَطُس قَائِلاً أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ، ١٠ لأَِنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. ١١ فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. ١٢ فَأَجَابَ بِيْلاَطُس أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ، ١٣ فَصَرَخُوا أَيْضًا اصْلِبْهُ. ١٤ فَقَالَ لَهُمْ بِيْلاَطُس وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ، فَازْدَادُوا جِدّاً صُرَاخًا اصْلِبْهُ. ١٥ فَبِيْلاَطُس إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ وَأَسْلَمَ يَسُوْعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ
بعد ليلة مضنية في السِّجن، اقتيد يَسُوْع إلى الوالي الرُّوماني المتعجّرف القاتل، لأنَّه لم يكن لليهود آنَذَاكَ صلاحية الحكم بإعدام إنسان. فقرَّر شيوخ الشَّعب السَّبعون، وبينهم رؤساء الكهنة والقضاة المهرة والوجهاء والعلماء، أن يُميتوا يَسُوْع بأيدي الأجانب الكُفَّار، كي يُذاع، بواسطة هذا العار في الأُمَّة كلِّها، أنَّ يَسُوْع ظهر ضعيفاً مرفوضاً مِن الله ومطروداً مِن رؤساء الكهنة٠
لم يَقُل اليهود الماكرون لبِيْلاَطُس إنَّهم يطلبون موت يَسُوْع لأجل شهادته أنَّه ابن الله الحي والمَسِيْح الموعود، بل ادَّعوا أمام المَحْكَمَة أنَّه جعل نفسه ملكاً وحاكماً ليُحرِّر الأُمَّة مِن كابوس الاستعمار٠
فسأله بِيْلاَطُس مباشرةً وبإيجازٍ: "هل أنتَ ملكٌ؟"
لم يُنكر يَسُوْع هذا اللَّقب، بل أثبت وأوضح وظيفته الملكيَّة الرُّوحيَّة على الأرض. كان سهلاً عليه أن يُنقذ نفسه لو اقتصر على الهدف الدِّيني، ولكنَّه لم يُنكر حقَّ الله في الشَّعب كلِّه؛ لأنَّ العليَّ لم يُرِد قلوبهم فقط، بل حياتهم وأموالهم وأوقاتهم وأنظمتهم أيضاً. فالإيمان بالمَسِيْح يتضمَّن الفكرة أنَّ ابن الله هو المالك، وأنَّ هدف المَمْلَكَة الإلهيَّة هو تجديد العوالم بقوَّة ربِّنا يَسُوْع المَسِيْح٠
لم يَفهم بِيْلاَطُس معنى اعتراف يَسُوْع هذا، غير أنَّه لم يَرَ فيه ثائراً دمويّاً بالسَّيف والعنف، بل إنساناً بسيطاً تقيّاً مستقيماً؛ فابتسم وأراد أن يُطلقه ويُبرِّئه انتقاماً مِن زعماء الأُمَّة اليهوديَّة. ولكنَّ الأوضاع السِّياسية آنَذَاكَ كانت مضطربة ومبلبلة في أرجاء الإمبراطوريَّة الرُّومانية كلِّها. فضغط اليهود عليه بحيلهم حتَّى فضَّل أخيراً إنهاء المسألة سريعاً وبدون ضجيج.وبقي يَسُوْع صامتاً أمام شكاوى اليهود وأكاذيبهم، لأنَّه قد واجه ممثِّل السُّلطة الحاكمة بالحقِّ كلِّه مرَّةً واحدةً، موضحاً له سِرَّ نفسه ومملكته. وعلم يَسُوْع أنَّ نهايته باتت
وشيكةً، فلم يخَف مِن موته، ولم يستَعطف البشر، بل دان أكاذيبهم بصمته الملوكي٠
ويلٌ للإنسان أو الشَّعب الّذي لا يَسمع كلمة الله، لأنَّها الوسيلة الوحيدة للنِّعمة. طوبى للأُمَّة الّتي يُكلِّمها الله بلطفه أو قسوته، لأنَّه بعدما يُكلِّمها يُنعِم عليها ويهتمُّ بالمستمعين ويُريد خلاصهم٠
أخيراً عرض بِيْلاَطُس على الشَّعب، كحلٍّ وسط، أن يختاروا أيَّ الاثنين يُطلقه لهم: القاتل الثائر أو حَمَل الله الوديع، باحثاً عن منفذٍ شرعيٍّ لنجاة يَسُوْع، متلاعباً بالحقّ. ولكنَّ الجَمَاهِيْر، كما هو حالها دائماً، لا تتوسَّم البطولة والقيادة في الإنسان المتواضع الّذي يدعوها إلى التَّوبة وإنكار الذَّات، بل في العنيد العنيف المتسلِّط الّذي يأتي لها بالمال والحرِّية والجاه والمناصب. ولعب زعماء اليهود الدِّينيون الدَّور الرَّئِيْسِيّ في تحريض الأفراد والجماعات على فَادِيهم ومُخلِّصهم، واشتروا بعضهم بالمال كي يُكبِّلوا يَسُوْع بحُكمٍ شعبيٍّ مُبرَم بموته٠
وحاول بِيْلاَطُس عبثاً تهدئة الأمواج البشريَّة الهائجة قاصداً إرضاء القيصر الّذي لم يكن يتورَّع عن إعدام أيِّ والٍ مِن ولاته يثبت تقاعسه عن تدبير شؤون ولايته، ولا سيَّما ما يتعلَّق باستتباب الأمن فيها. فخاف بِيْلاَطُس على نفسه، وفضَّل أن يظلَّ في كنف القيصر على أن يحكم بالحقِّ، فكسر الحقَّ، وأنزل بيَسُوْع البريء حكم الإعدام، خوفاً مِن القيصر، وإرضاءً لليهود المشاغبين كي لا يُعكِّروا صفو ولايته٠
تصوَّر يا أخي أنَّ البشر حكموا على ربِّهم... الأتقياء طلبوا صلبه، والجَمَاهِيْر صرخت مطالبةً بإبادته.. هذا هو روح العصيان مِن أبي العُصَاة الّذي قصد إقصاء الله ليملك هو بعنف وبُغْضَة وظُلم على كلّ نَفْسٍ حَيَّةٍ٠
فمَن كنتَ لتختار لو أنَّك كنتَ حاضراً في المَحْكَمَة آنَذَاكَ... أَباراباس القاتل الثَّائر الّذي وعد شعبه بالحرِّية والاستقلال والرَّفاهية، أم يَسُوْع اللَّطيف، حَمَل الله الوديع، الّذي احتمل الضَّعف والاحتقار كي يغفر خطيئة العالم؟
امتحن اختيارك بتفكير ورويَّة، وقرِّر مصيرك، واشهد لابن الله اليوم لأنَّه مُخلِّص العالم الّذي يبني مَلَكُوْته في قلوب أتباعه٠
الصَّلاَة: أيُّها الرَّبّ يَسُوْع، أنت الملك الحقيقيُّ. أعترف أمامك بأنِّي أُحبُّ المال والجاه والقوَّة أكثر مِن الوداعة والتَّوَاضُع والقناعة. اغفر لي تفضيلي الرَّفاهية والاسترخاء على الحقِّ والتَّضحية. سامِحْني إنْ لم أُساعد الأبرياء المُقيَّدِين في السُّجون، أو أُدافع عنهم بأمانة. علِّمني أن أسلك في الحقِّ، وأن أتعلَّم منك الجرأة في سبيل الاستقامة والصِّدق. آمين.
السُّؤَال ٩٦: ما معنى اعتراف يَسُوْع بأنَّه ملك؟