Home -- Arabic -- John - 108 (The word before incarnation)
Previous Lesson -- Next Lesson
يوحنا - النور يضيء في الظلمة
سلسلة دروس كتابية في إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا
الجزء الرابع النّور يغلب الظلمة (١٨: ١- ٢١: ٢٥)٠
٣- المحكمة المدنية أمام الوالي الروماني (١٨: ٢٨- ١٩: ١٦)٠
أ- الشكوى على ملوكية يسوع وجوابه عليها (١٨: ٢٨- ٣٨)٠
: ٢٨ ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ, وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا, فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. ٢٩ فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ, أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ. ٣٠ أَجَابُوا, لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ. ٣١ فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ, خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ, لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً. ٣٢ لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ٠
فكّر بعض اليهود بقتل يسوع لأوّل مرّة عندما شفى المفلوج في الرواق المحيط ببركة بيت حسدا (٥: ١٨) بينما أكثرية المجلس الديني قرّروا موته سرّاً بعد اقامة لعازر مِن القبر (١١: ٤٦- ٥٣). وفي ليلة الخميس عقدت جلستان هامتان للمجلس اليهودي، لم يتكلّم يوحنّا البشير عنهما (متى ٢٦: ٥٧- ٦٧ و ٢٧: ١) ولم يرد أن يدخل قراءه الأمميين في مسائل ناموسيّة (شريعية) يهوديّة غير مفهمومة عند اليونان، بل أبرز الحكم الظالم على يسوع، الّذي لفظه ممثل الحقّ البشري في أورشليم. فبيلاطس جلس في ثكنته الفخمة المشرفة على ساحة الهيكل. وكلّ البلاد وحياة النّاس كانت في يده، لأنّه لوحده كان له حقّ القتل والعفو. واليهود الّذين ما ادركوا ربّهم في جوهره، احترزوا خائفين مِن تجاوز الناموس (الشريعة)، لكيلا يتنجسوا بواسطة دخول بيت أممي. فأرادوا أن يحفظوا أنفسهم بالقداسة تلقائيّاً ليستطيعوا الاشتراك بحمل الفصح مع عائلاتهم. لكنّ حمل الله الحقّ ذبحوه بقلب بارد٠
وفي تلك ألشهر الهامة، الّتي فيها القي القبض على يسوع حدثت في حياة بيلاطس الوالي تغييرات جذرية. فلقد اسقط القيصر زميلاً لبيلاطس في روما، جنرالاً مِن كبار الجنرالات، لأجل محاولته الانقلاب ضدّه. وكان ذلك القائد عدواً لليهود، الّذين كشفوا خطته لدى القيصر. وهذا التغيير في روما أثر على حالة بيلاطس في أورشليم، فصار موقفه وسلطته مضعضعة ومهددة. فاضطرّ لمعاجة اليهود بلطف، عكس ما فعله مِن قبل لَمّا احتقرهم بعنف واغتصاب وعاملهم ككلاب. وبعدما جلب اليهود يسوع إلى بيلاطس ليحاكم، خرج هذا الوالي إليهم بسرعة كخادم مستخبراً عن مطاليبهم، لكنّه لم يتباحث معهم طويلاً بل استفهم بغيظ مكتوم عن لبّ شكواهم. وكانت نظرة بيلاطس ليسوع بابتسام واستهزاء، لأنّ ملكاً بلا أسلحة ولا جيوش وداخلاً أورشليم على حمار، لا يشكّل بتاتاً أيّ خطر على الرومان. لكنّه وافق على شكوى اليهود مستجيباً لالحاحهم. وكان قد أعطاهم في الليلة السابقة الضابط وفرقته، لمساعدتهم في القبض على يسوع، ونجحت العملية، وها هوذا الأسير مقبوض عليه واقف بين يديه! فسألهم بيلاطس جهاراً: ما هو ذنب هذا المتّهم؟
فأجابه شيوخ اليهود بخشونة أيضاً كأنّهم يقولون أنت تعلم ماذا قلناه لك عنه آنفاً. فهذا مجرم سياسي له مقاصد ثورية. وليس ضروريّاً اخبارنا إيّاك مَن هو الناصري. فلم نأت إليك للزيارة الرسمية ممثلين للشعب اليهودي، بل جئناك طالبين قتل الثائر، لكيلا يحدث فتنة في الشعب. وكان يبلاطس يعرف أهواء اليهود، وعالماً انّهم شاؤوا قتل يسوع بسبب قضايا ناموسيّة، وانتظارهم لمسيح قوّي غيره. فكلّ ما عمله يسوع وقاله ما كان يعد جرماً في التشريع الروماني أبداً. فسلّم المتّهم إليهم ثانية ورجاهم محاكمته حسب شريعتهم الدينية٠
لكنّه ما كان لليهود في تلك السنوات حق برجم المعتدي على الناموس (الشريعة). رغم انّهم حاولوه على يسوع مرّة إذ فارت دماؤهم عليه، إنّما قدروا على رجم استيفانوس بعد ذلك. أمّا في أيام يسوع فما استطاعوا تنفيذ قتله وفقاً لحكم شرعي. وكانوا يقصدون أيضاً تحقير يسوع بحكم علني على يد الرومان المعتبرين نجسين، ليوقعوا عليه أقبح العقوبات المختصة بالعبيد والمجرمين، ليرتفع على خشبة اللعنة. ويستبين جهراً أنّ يسوع ليس ابن الله القوّي البارّ، بل كان ضعيفاً ومجدّفاً متخيّلاً، والّذي كاد يضلّ الشعب، ولا يخلّصهم مِن الاستعمار الروماني. فقصد قيافا بموت يسوع على الصليب بيد الرومان أن يبرهن انّه ليس المسيح أبداً، بل مدّعياً كاذباً، وليجرّده مِن الشرف اليهودي٠
٣٣ ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ, وَقَالَ لَهُ, أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ. ٣٤ أَجَابَهُ يَسُوعُ, أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا, أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي. ٣٥ أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ, أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ. أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ. ٣٦ أَجَابَ يَسُوعُ, مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا٠
وضع الجند يسوع داخل الثكنة. وبعد أن سمع بيلاطس اتّهام اليهود، أراد أن يسمع مباشرة مِن فم يسوع دفاعه عن نفسه. ولم يصدق الوالي أقوال اليهود. ولكن لأجل اجراء القانون سأل المسيح أأنت ملك اليهود؟ اني رأيت مسحاء آخرين بأسلحة وذقون سوداء وعيون جاحظة وأشكال مرعبة غريبة. فأنت لست مكافحاً ولا فدائيّاً. أنت يظهر عليك انّك مسكين وديع متواضع، فكيف تبتغي أن تكون ملكاً؟ فالملك يحتاج إلى سلطة وقوّة وقساوة فائقة. وشعر يسوع بأنّ بيلاطس كان غير مصدق انه ملك، فسأله: أأخبرك جنودك، ان تلاميذي تحاربوا مع فرقتك بالليل، أو ان استخباراتك سمعتني القي خطاباً سياسيّاً، أو سؤالك مبني على كذب اليهود فقط؟ فهذا غير جائز لوال ان يسمع أكاذيب واتهامات٠
فجاوبه بيلاطس بغيظ وحنق: أأنا يهودي؟ وكان محتداً بهذا التساؤل، كأنّما يقول: أنا لا أنزل إلى مستوى هؤلاء العنيدين المتعصّبين المتخاصمين حول الأمور الدينية ليلاً ونهاراً. ولست عائشاً في الوسخ والنتانة، رغم الوضوءات المستمرّة. فلقد سحبت الماء إلى أورشليم بقناة طويلة وجسور فخمة، لتدخل النظافة إلى اليهود. لكنّهم يكذبون ويراؤون ويخونون بعضهم بعضاً. لا جرأة ولا رجولة في هذه البلاد. وهكذا اعترف بيلاطس انّه ليس هو الّذي قيض على يسوع، بل شعبه اليهودي، والزعماء الوطنيون هم الّذين سلّموه إليه. وأخيراً قطع حبل أفكاره ليسأل يسوع بايجاز: ماذا فعلت؟ أريد منك الجواب لاجيب المشتكين عليك. تكلّم وإلاّ جلدتك. قل الحقّ كاملاً. عندئذ اعترف يسوع بالحقّ كلّه مثلما لم يقله لتلاميذه إلاّ نادراً. وقال: انّ ملكوت الله هو ملكوته الخاص. وهو ليس مبنيّاً على جزية تدفع، ولا أسلحة للقتل، ولا وظائف للاستغلال. وليست مملكة يسوع زائلة ككلّ الممالك. فيسوع علم تلاميذه ألاّ يضربوا بالسيف ولا يطلقوا الرصاص ولا يرموا القنابل. فمملكة يسوع مختلفة كلّ الاختلاف عن كلّ ممالك الدنيا٠
٣٧ فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ, أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ. أَجَابَ يَسُوعُ, أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا, وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي. ٣٨ قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ, مَا هُوَ الْحَقُّ٠
لم يفهم بيلاطس ما قاله يسوع، إلاّ انّه أدرك أنّ المتّهم اعترف بانّه ملك دون أن يبيّن فحوى ملكيته. فأمسك الوالي بيسوع وأكّد عليه أن يعترف بنوع ملوكيته. فجاوبه يسوع جهراً: أنت أدركت سرّي وعرفت قولي. الملك هو مالك وربّ مطلق على ممتلكاته. فكلّ النّاس تخصّني. وأنت خاصّتي أيضاً. أنا مالكك وعليك الخضوع لي. إنّما مملكتي ليست مِن هذا العالم الممتليء بالكذب والخداع والغرور والالتواء لأني ملك الحقّ. وبعدئذ شهد يسوع ان ولادته مِن مريم العذراء ليست بداية كيانه الجوهري، بل انه أتى إلى العالم مِن خارج دنيانا، لأنّه وُلد مِن الآب قبل كلّ الدهور. فيعرف الحقائق الإلهيّة الرّوحية. فيسوع هو شاهد لحيقة الله، ويدين بقوله كلّ الأديان المتخيلة. المولود مِن الأزل هو الشاهد الأمين للحقّ المبين. وحقّ السماء هو الصورة الأصلية للحق على الأرض. وكلّ إنسان طبيعي يشتاق إلى العدل، لأن في العمق الباطني توجد بقيّة الدستور السماوي، الّذي يبكتنا في ضمائرنا. والّذي يطلب الله بقلب مستقيم يسمع فجأة الصوت الأزلي في الإنجيل والكتاب المقدّس. والمستعدون للحقّ يفهمون سريعاً مصدر يسوع وغايته وروح شخصيته. وبهذه الكلمات دعا يسوع ضمير الوالي، لعلّه يخضع للحق ويفتح أذنه لجلالة يسوع وتواضعه الإلهي٠
أمّا بيلاطس فضحك واستهزأ سائلاً، ما هو الحقّ؟ ألوف الفلاسفة وكثير مِن مؤسّسي الأديان يدّعون انّهم يعرفون الحقّ لوحدهم. ولكن كلّهم يكذبون وينكرون إذا شارفوا على خطر الموت، ويفضّلون المال والشّرف والنّجاح. لقد رأى الوالي كثيراً مِن الرياء والخيانة، حتّى فقد الإيمان بالحقّ. أمّا يسوع الشاهد الأمين للحقائق السماوية فثبت، وأعلن لنا اسم أبيه جاعلنا أولاده٠
الصّلاة: ' أيّها الرّبّ المسيح، أنت ملكي، أنا أخصّك. لم تدنّي لأجل أكاذيبي وذنوبي، بل خلّصتني بنعمتك. ولم تبدني بقداسة حقّك بل هديتني بفرط محبّتك. اجعلني عبد لطفك، ثبتني في حقّك، وانزع ملايين المساكين مِن أكاذيبهم وزناهم، لكي يتوبوا ويرفضوا روح العالم، وينفتحوا لروح حقّك، ويدركوا فيك أباهم السماوي. ويتقدّسون بحقيقتك٠
السؤال: ٩- كيف يكون يسوع ملكاً؟